عادت مسألة ترحيل طالبي اللجوء الذين تحولوا للمسيحية في ألمانيا إلى الواجهة من جديد. ففي وقت تعتبر فيه السلطات أنه يجب التحقق من غاية طالب اللجوء من اعتناق المسيحية، يرى آخرون أنه ليس من حق السلطات تقييم معتقدات الناس.
قبل عدة أيام تجمع حوالي 200 من طالبي اللجوء الإيرانيين والأفغان أمام إحدى الكنائس في برلين، شاكين أنهم تلقوا قرارات ترحيل من قبل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، بالرغم من أنهم كانوا قد تحولوا من الإسلام للمسيحية.
هذا التجمع أدى إلى تجدد النقاش من جديد حول مسألة ترحيل طالبي اللجوء الذين اعتنقوا المسيحية، والتي كانت قد أثيرت في منتصف العام الماضي عندما قام أحد طالبي اللجوء الأفغان بطعن طفل في بافاريا. وكان طالب اللجوء المدان قد اعتنق المسيحية قبل عام من الحادثة، ليسمح له بالبقاء في ألمانيا وعدم ترحيله إلى أفغانستان.
وينص قرار ترحيل الأشخاص الذين تجمعوا أمام الكنيسة، أنه يجب عليهم أن يغادروا ألمانيا خلال مدة أسبوع، وإلا فإنهم يعرضون أنفسهم للترحيل بالقوة، حسبما أفادت صحيفة “بيلد” الألمانية واسعة الانتشار.
أحد أولئك المهددين بالترحيل هو الأفغاني عزت الذي يبلغ التاسعة عشرة من العمر. يقول عزت للصحيفة: “لست بخير. لا أستطيع أن أكون مسيحياً في أفغانستان”.
يقول قس الكنيسة التي تجمع أمامها أولئك الأشخاص، والتي تعود للكنيسة البروتستانتية، إن وضع طالبي اللجوء الذين تحولوا إلى المسيحية قد تدهور بشكل كبير، ويتابع: “كانت نسبة الذين يحصلون على حق اللجوء من الذين اعتنقوا المسيحية مئة بالمئة، ولكن الآن لا يحصل على حق اللجوء سوى 5 إلى 10 بالمئة منهم”.
وقد تم ترحيل العشرات من الأفغان الذين رُفضت طلبات لجوئهم على تسع دفعات منذ ديسمبر عام 2016، كانت آخرها في نهاية الشهر الماضي، ومنهم بعض الذين كانوا قد اعتنقوا المسيحية.
“ليس من حق السلطات الحكم على الاعتقادات“
حذرت الكنيسة البروتستانتية من ترحيل طالبي اللجوء الذين تحولوا للمسيحية، معللة ذلك بأنه هناك خطر على حياتهم في بلدانهم، مؤكدة أنه ليس من حق السلطات في ألمانيا أن تحكم على إيمان واعتقادات الإنسان.
وانتقد أسقف الكنيسة البروتستانتية هانس- يورغ فويغت الترحيل الحالي لطالبي اللجوء وخاصة المتحولين للمسيحية منهم من ألمانيا، وقال للموقع الرسمي للكنيسة: “منذ مدة والمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين يعمل على ترحيل آلاف طالبي اللجوء الذين اعتنقوا المسيحية والذين رفضت طلباتهم، بأقصى سرعة”، وتابع: “الآن سيقلقون على حياتهم ويصابون بالإحباط لأن هذا البلد (ألمانيا) رفض حمايتهم”، واصفاً رفض منح حق اللجوء للمعتنقين للمسيحية بأنه مخالف للقانون و “فضيحة تجري بهدوء”.
يقول القس كوتفريد مارتينس والذي قام بتعميد أكثر من ألف طالب لجوء، معظمهم إيرانيون وأفغان، إن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين يرى أن أولئك الأشخاص قد تحولوا للمسيحية فقط لمنع ترحيلهم إلى بلدانهم، ويتابع: “أشعر بمعاناة أولئك الناس الذين يكرسون أنفسهم لخدمة الكنيسة، لكن يتم ترحيلهم بعد ذلك”.
“أسباب تكتيكية أم قناعة حقيقية“
وتؤكد الكنيسة على موقعها أنها تعطي أهمية خاصة للاجئين، خاصة الأفغان والإيرانيين، ليتعرفوا على الدين المسيحي، مشيرة إلى أنه يوجد حوالي 1400 عضو في الكنيسة يتحدثون الدارية والفارسية. وفي الكنيسة، يتم تقديم دروس لتعليم الإنجيل بالفارسية، بالإضافة إلى نشاطات وخدمات أخرى.
يرى مارتينس أن الوضع بالنسبة لطالبي اللجوء المعتنقين للمسيحية ساء منذ صيف عام 2016، عندما تم تعيين العديد من الموظفين الجدد لدى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، كما تم الاستعانة بالعديد من المترجمين “الذين سببوا مشاكل” من خلال الترجمة بشكل خاطئ.
بينما يقول أسقف الكنيسة البروتستانتية هانس-يورغ فويغت أن سبب تغير نسبة منح حق الحماية لطالبي اللجوء الذين يعتنقون المسيحية من “مئة بالمئة” إلى عشرة بالمئة هي “التعليمات السياسية التي يطبقها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين”، محملاً الحكومة الحالية مسؤولية ذلك.
وقد دعا وزير داخلية بافاريا يواخيم هيرمان الكنائس إلى التعاون مع السلطات في التحقق من الحالات التي يعتنق فيها طالبو اللجوء المرفوضين، المسيحية، وأضاف لهيئة الإذاعة العامة في بافاريا: “عندما لا يتم ترحيل طالب لجوء بالرغم من ارتكابه أعمال عنف، لأي سبب من الأسباب، لأنه قد اعتنق المسيحية مثلاً (…) فإنه يجب علينا أن نجد حلاً عن كيفية تعاملنا مع مثل هذه الحالات”، وأضاف: “نحن نتوقع من الكنائس ومن المحاكم الإدارية أن يتعاملوا بحذر مع هذه الحالات، ويتأكدوا فيما إذا كان أولئك الأشخاص قد اعتنقوا المسيحية بالفعل، أم أنهم تحولوا لها ليبعدوا عن انفسهم الترحيل”.
“وثيقة التعميد لا تكفي“
وكان المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين قد وضح تأثير تغيير الدين على طلب اللجوء من خلال إجابة على سؤال وجهه إليه ، حيث قال: “عند تغيير الدين يتعلق الأمر في الأساس بأن يظهر مقدم طلب اللجوء، بشكل مقنع، أنه سيمارس شعائر دينه الجديد عند عودته إلى وطنه، وأنه سيواجه هناك بسبب ذلك اضطهاداً، ما يبرر نيل الحق في اللجوء”، وأضاف المكتب: “يجب على المقرر في مكتب الهجرة تقييم ما إذا كان قيام مقدم الطلب بتغيير دينه مسألة لها أسباب تكتيكية بالنسبة للجوء، أو أنه فعل ذلك عن قناعة حقيقية.”
و قال خبير الهجرة فيكتور فاف في وقت سابق أنه عندما يتعلق الموضوع بتوقيف الترحيل، فإن إظهار وثيقة التعميد لا تكفي، وأضاف في مقابلة مع موقع شبيغل أونلاين: “بل ينبغي إثبات أن اعتناقه للمسيحية يعرضه لخطر الاضطهاد في بلده” حتى يتم إيقاف الترحيل.
لكن مسألة التقييم هذه يمكن أن تختلف بشكل كبير جداً من ولاية ألمانية إلى أخرى. فمثلا بناء على كلام ينس ديكمان، خبير اللجوء في بون، فإن ولاية راينلاند-بفالتس لا تمتحن اللاجئ في العقيدة، أما في شمال الراين- وستفاليا وكذلك في ساكسونيا السفلى، فيتحتم على اللاجئين الإجابة على أسئلة حول طبيعة المسيحية.
وبالرغم من ذلك فإن أسقف الكنيسة البروتستانتية هانس-يورغ فويغت يرى أن الحكم على اللاجئين بأنهم يعتنقون المسيحية فقط للحصول على حق اللجوء يعتبر حكماً “اعتباطياً تماماً”، مشدداً على أنه ليس من حق السلطات الحكم على المعتقدات الشخصية للناس.
ويضيف فويغت: “مزاج الكراهية الحالي (تجاه اللاجئين) يتحكم بصنع القرار السياسي والإداري وحتى القضائي”.
هذا المحتوى نقلاّ من موقع مهاجر باللغة الألمانية