مقال : سيدة العدالة ذات العين المفتوحة..

Alaa-Alaswani

 

القاهرة – علاء الأسوانى —

منذ سنوات تم اختياري كعضو لجنة تحكيم في مهرجان مصري للأفلام التسجيلية. كانت رئيسة اللجنة مخرجة سينمائية شهيرة: فوجئت بها تجمع كل الافلام المقدمة من شركة انتاج معينة لتشاهدها وحدها، اعترضت بالطبع وأكدت انني كعضو تحكيم لابد أن أشاهد جميع الافلام بدون استثناء. بعد مناقشة طويلة قالت المخرجة بغضب:

هذه الشركة سبق لها أن استولت على مستحقاتي المالية وأنا رفعت قضية ضدها ولن أسمح أبدا بأن يحصل أي فيلم من انتاجها على أي جائزة. دخلت في مشادة عنيفة مع المخرجة انتهت باستقالتي من لجنة التحكيم ثم تكررت تجربتي في التحكيم في مسابقات أدبية وفنية مصرية وعالمية، فوجدت مفهوم التحكيم في مصر يختلف عنه في الغرب.

عضو لجنة التحكيم في الغرب يعتبر نفسه قاضيا يجب أن يمارس التحكيم بنزاهة وعضو التحكيم في مصر غالبا ما يخضع لضغوط أو يستجيب لوساطة أو على أحسن الظروف يقرر النتيجة بناء على موائمات سياسية.طبعا هناك محكمون مصريون تميزوا بالنزاهة والشجاعة ودفعوا ثمن ذلك لكنهم للأسف أقلية لايقاس عليها. بعد عدة تجارب مؤسفة صرت أعتذر عن عدم التحكيم في مسابقات مصرية، ووجدتني أتساءل لماذا يتصرف أعضاء لجان التحكيم في مصر بشكل غير موضوعي؟

الاجابة ان احساسنا بالعدالة نحن المصريين أقل بكثير من الاحساس بالعدالة عند الغربيين. السبب ان المواطن الغربي يعيش في مجتمع ديمقراطي حيث الحقوق والواجبات محددة واضحة والقانون يتم تنفيذه على الجميع بدءا من رئيس الدولة وحتى أبسط مواطن، وبالتالي فان احساسه بالعدالة حاضر تماما وهو لايقبل الظلم وبالتالي يرفض أن يمارسه على الآخرين، أما نحن المصريين فقد نشأنا في ظل الاستبداد حيث تكون العدالة ضعيفة أو منعدمة. ان حياتنا اليومية تشهد عشرات المظالم التي اعتدناها وصرنا نتعامل معها باعتبارها حقائق الحياة: كم مرة رأيت مواطنا يدخل إلى ادارة المرور ومعه توصية ليحذف المخالفات التي ارتكبها وهو يقود سيارته؟.

اذا كنت طالبا جامعيا كم مرة رأيت زملاء لك يحصلون على أعلى الدرجات بسبب توصيات من شخصيات مهمة..؟ كم مرة رأيت أولاد أصحاب النفوذ يحصلون على أهم وظائف في الدولة ويحجبونها عمن يستحقها؟

ان المواطن المصري الذي يتقبل الظلم ويتأقلم معه سيعيد انتاجه غالبا على الآخرين بمجرد أن يصل الى موقع السلطة. ان عميد الكلية الذي حصل على منصبه بفضل تعاونه مع أجهزة الأمن والذى ينافق الرئيس دائما حتى يحتفظ بمنصبه، لايمكن أن نتوقع منه الموضوعية أو النزاهة اذا ترأس لجنة التحكيم في مسابقة. ان تمثال سيدة العدالة الروماني الشهير يمثلها وهي تمسك بالميزان في يد وفي اليد الأخرى سيف، بينما عيناها معصوبتان لأنها تنفذ القانون على الجميع بغير أن ترى أشخاصهم ولا مكانتهم. سيدة العدالة المصرية، على عكس الرومانية، عينها مفتوحة لأنها تنفذ القانون فقط على الضعفاء وتمتنع عن تنفيذه على الأقوياء.

ان القانون في مصر لايتم تنفيذه أساسا وانما يتم استعماله ضد من تريد السلطة ان تنكل بهم. ان ما يحدث الآن في مصر أكبر دليل على أن القانون مجرد أداة في يد السلطة تستعمله لتحقيق أغراضها.

لقد تم حشد أجهزة الدولة جميعا لدعم السيسي في انتخابات الرئاسة وتم ارهاب الموظفين البسطاء من أجل التوقيع على استمارة مبايعة للسيسي، كل هذا مخالف للقانون لكن أحدا لم يجرؤ على الاعتراض، بعد ذلك بدأت حملة لتشويه المرشحين للرئاسة والتخلص منهم تباعا فتم اختطاف الفريق أحمد شفيق من الامارات والضغط عليه بقضايا الفساد التي اتهم فيها وقامت السلطة بدفنها لتستعملها وقت اللزوم، وقد خضع شفيق للتهديد فتراجع عن ترشحه واعترف انه لا يصلح رئيسا، ثم تم الحكم بحبس العقيد احمد قنصوه لانه أعلن رغبته في الترشح للرئاسة وهو يرتدي الزي العسكري مع ان السيسي أعلن ترشحه وهو يرتدي الزي العسكري فلم يعاقبه أحد. تم القبض على الفريق سامي عنان وحبسه بتهمة الترشح بدون اذن الجيش مع انه ترشح منذ أربع سنوات ولم يحصل على اذن من الجيش.

هكذا يتم استعمال القانون على هوى السلطة بدلا من تنفيذه، أخيرا تم الدفع بأحد مؤيدي السيسي لكى يكون منافسا صوريا وهذا الكومبارس يحاكم بتهمة النصب في عدة قضايا ولم يحصل على مؤهل عال مما يفقده شرطين مهمين للترشح طبقا للقانون هما حسن السمعة والحصول على مؤهل عال، ولكن القانون في مصر هو ارادة السلطة لا أكثر ولا أقل.

هذه المسرحية الهزلية ستنتهى باستمرار السيسي في الحكم وسط المزيد من الأكاذيب والأوهام. مشكلتنا نحن المصريين والعرب اننا لا نتعلم من التاريخ. العالم كله أصبح يرفض الاستبداد من حيث المبدأ بينما نحن لازلنا نصفق ونهتف للزعيم الملهم ونبرر القمع الذى يمارسه على معارضيه، لازلنا نؤمن بالديكتاتور وننتظر النهضة على يديه. منذ أن سقطت مصر في قبضة الاستبداد العسكري عام 1952 وهي تواصل انحدارها حتى وصلت إلى الحضيض في كل المجالات لكننا لازلنا نكرر نفس التجربة في نفس الظروف ثم نتوقع نتائج مختلفة.

متى نتعلم ان الديكتاتور مهما حقق من انجازات لابد أن ينتهي ببلاده إلى كارثة كبرى. ان الأضرار النفسية والذهنية للاستبداد لا تقل خطورة عن أضراره السياسية. ان النفاق والكذب والغش والسلبية وانعدام الانتماء والتدين الكاذب..كلها من مضاعفات الاستبداد. لن تنهض مصر أبدا في ظل حكم الديكتاتور

الكاتب : علاء الأسوانى

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …