كشفت وثائق سرية بريطانية، نشرتها شبكة بي بي سي العربية، عن أن الرئيس الأسبق حسني مبارك رفض بإصرار لقاء عائلى بين أسرته وأفراد من العائلة الملكية البريطانية خلال سنوات رئاسته الأولى، حرصًا منه على إبعاد زوجته “سوزان” عن الأضواء، وعدم المقارنة بالرئيس الراحل أنور السادات.
وتُقول الوثائق إن مبارك حرص على أن يعطي صورة لنظام حكمه مختلفة عن سابقه، بما في ذلك دور زوجته في المجال العام، وخلال الترتيب لزيارته الثانية للندن في شهر فبراير 1983، رفض مبارك دعوة بريطانية للقاء تشارلز، أمير ويلز ولي عهد بريطانيا، وزوجته ديانا، أميرة ويلز.
ظل سبب ابتعاد مبارك عن العائلة الملكية مبهمًا إلى أن أرسل سير مايكل وير، سفير بريطانيا في القاهرة، برقية “سرية عاجلة” إلى وزارة الخارجية في 27 يناير 1983، قال فيها إنه تلقى معلومات تشكل “مفاجأة مذهلة له وللخارجية البريطانية” بشأن موقف مبارك.
وتلخص البرقية ما وصفها السفير بـ “محادثة مزعجة” مع الدكتور إبراهيم شكري، زعيم حزب العمل المعارض، نوقش فيها اللقاء المقترح بين مبارك وتشارلز وديانا.
وحسب البرقية، فإن شكري أبلغ السفير بأن مبارك قال خلال لقاء قريب معه إنه “ليس سعيدا بالترتيبات التي يجريها البريطانيون خاصة الدعوة للقاء أمير وأميرة ويلز”.
وأضاف شكري “لم يكن هذا ملائما لزيارة رئيس دولة، وشعر مبارك بأن عليه رفض” الدعوة، وفق ما جاء في البرقية.
ونقل السفير عن شكري قوله إن مبارك “انتقد الطريقة التي تعامل بها الرئيس (المصري الراحل) السادات مع زيارة أمير وأميرة ويلز لمصر في نهاية جولة شهر العسل بعد زواجهما.
وكان تشارلز وديانا، قد قضيا الفترة بين 12 حتى 15 من أغسطس عام 1981 على متن اليخت الملكي “بريتانيا” قبالة سواحل مصر، ثم نزلا بمنتجع الغردقة، الذي طارا منه إلى لندن. وكان ذلك بدعوة من مبارك، نائب الرئيس السادات في ذلك الوقت، غير أنه وفقا للرواية التي نقلها السفير عن زعيم المعارضة المصرية، فإن مبارك “كان يرى أنه نظرا لأن الزوجين كان يمران بمصر، فإن من الطبيعي والملائم تماما أن يحييهما السادات في بورسعيد (حيث مر اليخت بقناة السويس). لكنه لم يكن يجب أن يطير، إضافة إلى ذلك، هو وعائلته كلها لوداعهما”.
وقد تنبأ السفير باحتمال أن يكون مبارك قد توقع ترتيب لقاء له مع الملكة شخصيا، وليس ولي العهد وزوجته، خلال زيارته للندن.
ويقول السفير إنه سأل شكري عن مدى صواب هذا التنبؤ، لكن السياسي المصري “عبر عن كل ما لديه بطريقة غامضة ولم يجب بالتفصيل عن أسئلة محددة” في هذا الشأن.
لكن برقية السفير تقول إن شكري “شدد على اعتقاده بأن هذا (مسألة رفض مبارك الدعوة البريطانية) مجرد سحابة عابرة، وأنه سوف تتاح فرصة قريبا لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح”.
وحرص السفير في برقيته على التأكيد على أن شكري “رجل دولة أمين وحكيم ومتزن”. وقال السفير “لا يساورني شك في أنه كان يتحدث بصدق”.
وقد حاول سير مايكل، في برقيته، تفسير موقف مبارك، والتى قال فيها إنه “من الواضح أنه شعر بأن السادات قد بالغ في الاهتمام بالزوجين اللذين كانا يقضيان شهر العسل”، لافتًا إلى علاقة إلغاء السادات المفاجئ لزيارته المقرر سلفا إلى النمسا ووصول تشارلز وديانا إلى مصر.
وفي السياق نفسه، تقول الخارجية البريطانية في برقية سرية بعنوان “علاقات المملكة المتحدة ومصر(شهر العسل)”، إن تشارلز وديانا “ربما يأملان في رؤية نائب الرئيس على متن اليخت، أو الرئيس إذا عاد (من أوروبا) عندما يمر اليخت بالقناة يومي 12و13 أغسطس”.
وكان السادات ألغى زيارة إلى النمسا بين يومي 10 إلى 15 أغسطس 1981 ، لإجراء مباحثات مع المستشار النمساوي كرايسكي. وبرر بعض المراقبين إلغاء الزيارة بمخاوف أمنية بعد اعتقال فلسطينييْن مسلحيْن في مطار فيينا قبل الزيارة بحوالي شهر.
وقد أبرقت السفارة البريطانية في النمسا إلى الخارجية في لندن قائلة إن “وزارة الخارجية النمساوية تؤكد أن الزيارة اُلغيت دون توضيح… وأبلغونا برضائهم التام عن ترتيباتهم الأمنية بالخاصة بالزيارة”.
ويقول السفير البريطاني في القاهرة إن مبارك “ربما كان على دراية، على سبيل المثال، بما أمكن لنا جميعا أن نتوقعه بأن وصول الزوجين الملكيين إلى مصر وليس الخوف من تهديد إرهابي في فيينا هو الذي أدى إلى أن يختصر السادات جولته الأوروبية ويكون هنا ( في مصر) لتحيتهما”.
وتوقع سير مايكل أيضا أن يكون هدف مبارك من رفض لقاء تشارلز وديانا هو أن ينأى بنفسه عن أسلوب السادات.
ويشرح السفير تصوره قائلا “ربما شعر مبارك بأنه لو أن اتصاله الوحيد مع الأسرة الملكية خلال زيارته هو عشاء خاص مع أمير وأميرة ويلز، فإن هذا سوف يثير انطباعا بأنه يشارك السادات في تطلعه إلى المجتمع الراقي، ويهز صورة رجل الدولة الجاد التي يسعى لخلقها عن نفسه”.
وردت الخارجية البريطانية في اليوم التالي (28 يناير 1983) مباشرة، على سفيرها، ببرقية عاجلة، عبرت فيها عن حرصها على ترتيب لقاء بين مبارك والعائلة الملكية. ووصفت البرقية رفض مبارك على ترتيب مثل هذا اللقاء بـ ” المشكلة الملكية الصعبة”.
وحسب البرقية، فإن تفسير الخارجية لموقف مبارك هو “يتعلق بأسلوبه كشخص”، وأشارت إلى تقرير، حذف مصدره لأسباب أمنية، في هذا الشأن، يقول إن مبارك “لا يشعر بالارتياح تجاه العائلة الملكية البريطانية”.
وتصدق برقية الخارجية الموقعة باسم وزير الخارجية لورد فرانسيس بايم على هذا التفسير لموقف الرئيس المصري السابق.
وتحدثت البرقية نفسها عن رفض مبارك لدعوة لقاء تشارلز وديانا. وقالت إن أحد مستشاري مبارك عبر لأحد دبلوماسييها عن “أمله ألا يفهم هذا الرفض فهما خاطئا”. ونُقل عن المستشار قوله “هذه هي الطريقة التي يحب مبارك أن يتعامل بها مع مثل هذه الأمور”.
وتكشف البرقية أيضا عن أن الخارجية سعت حثيثا لفهم أكثر لموقف مبارك عن طريق “اللقاءات المطولة” مع السفير المصري في لندن، آنذاك، حسن أبو سعدة.
وفهمت الخارجية أن “للأمر بعدا سياسيا أيضا”، هو أن مبارك يتبع “أسلوبا جديدا في الزيارات الرئاسية”، وتشدد البرقية على عدم الرضا عن إقامة علاقة بين مبارك والعائلة الملكية.
وقالت البرقية إن “الرفض المصري لتطوير علاقات بين الرئيس والعائلة الملكية يدعو للأسف، غير أنه ليس عقبة حقيقية أمام علاقات مرضية بشكل عام”.
لم تتوقف مساعي بريطانيا الرامية للوقوف بالتحديد على سبب موقف مبارك من العائلة الملكية. وحصلت على ما تريد، كما يشير سير مايكل، من الدكتور أسامة الباز، مستشار مبارك للشؤون السياسية.
ففي برقية بتاريخ 8 فبراير، أي بعد خمسة أيام من انتهاء زيارة مبارك للندن، قال السفير إن الدكتور أسامة الباز، المستشار السياسي لمبارك، أكد له إن هناك سببين لموقف الرئيس، أولاهما يتعلق بصاحب الدعوة، والثاني يتصل بمبارك شخصيا.
ونقل السفير عن الباز قوله إن مبارك “اعتبر أن دعوته من جانب ولي العهد للقاء، وليس ترتيب اجتماع مع الملكة إهانة”.
ووفق برقية سير مايكل، فإن الباز أسر إليه بأنه “في هذه المرحلة لا يرغب مبارك في أن يُنظر إليه على أنه مختلط وديا مع الأسرة الملكية، خاصة وأن زوجته (سوزان مبارك) كانت معه”.
وتفسير المسؤول المصري لهذا هو أن هذا “الاختلاط” بوجود سوزان “سوف يستدعي مقارنة محرجة مع أفراد أسرة السادات ونمط حياتهم”، حسب البرقية، التى قال نقل فيها السفير عن الباز توضيحه أن “مبارك يحاول بناء صورة (لنفسه) باعتباره رجل دولة جادا… فضلا عن أنه يفضل أن يبقي زوجته بقدر كبير للغاية بعيدا عن الأضواء”.
وألمح الباز، كما توحي برقية السفير، إلى أنه بسبب دور سوزان، ربما شعر مبارك بالارتياح سواء لعدم تلبية دعوة ولي العهد، أوعدم تلقيه دعوة من الملكة.
فحسب الباز، فإنه “في حالة دعوة مبارك للقاء الملكة، ربما كان حرجه أكبر كثيرا”، في إشارة إلى أنه لم يكن من الممكن بروتوكوليا أن يحضر مبارك اللقاء دون زوجته.
ولم يلتق مبارك بملكة بريطانيا إلا خلال زيارته الثالثة للندن في شهر مارس 1985، أي بعد حوالي 3 سنوات و4 شهور من توليه الرئاسة.
وهذا اللقاء جاء بناء على رغبة الجانب البريطاني. فتقول الخارجية البريطانية في برقية إلى إدارة البروتوكول بمجلس الوزراء “لم يسأل المصريون أنفسهم عن اتصال ملكي ممكن خلال زيارة 1985، غير أن سير مايكل وير بعث لنا ببرقية شخصية يقول إن مثل هذا الاتصال سوف يكون إضافة ملحوظة إلى نجاح الزيارة”.
وحسب البرقية، فإن سير مايكل توقع قبول المصريين لدعوة بشأن مثل هذا الاتصال لأن “الرئيس مبارك الآن أصبح واثقا من أنه أثبت نفسه كرئيس له أسلوبه الخاص، ولم تعد لديه حاجه لأن يقلق من مقارنات مع سابقه (الرئيس السادات)”.
وتشير برقية من سير مايكل، مؤرخة في 8 ديسمبر عام 1982، إلى الحرص على توطيد العلاقة بين مبارك وعائلته وبين بريطانيا، كما كان الحال مع السادات، عن طريق ترتيب لقاءات بين مبارك وعائلته وأفراد الأسرة الملكية.
فمثل هذه اللقاءات “فرصة لمحاولة إقامة اتصال شخصي على مستوى رأس الدولة في ضوء العلاقة التي تمتعت بها أسرة السادات مع الأسرة الملكية”.
وكان آخر لقاء للسادات بالملكة قد جرى خلال زيارته للندن أوائل شهر أغسطس/آب 1981، أي قبل اغتياله بحوالي شهرين.