تمكنت رحلة أحد اللاجئين السوريين من إلهامِ مصممي لعبة فيديو أطلق عليها اسم “تقبرني.. يا حبي”.. حيث يضع اللاعب نفسه في مكان رجلٍ سوري يتتبع مسار زوجته في رحلتها إلى أوروبا.
تخيل هذا: القنابل تسقط عليك في سوريا، وأخت زوجتك كانت إحدى الضحايا، عندها تقرر زوجتك “نور” أن تهرب من البلاد إلى ألمانيا، لكنك “مجد” تضطر للبقاء في سوريا للعناية بأسرتك. بعد مغادرة “نور” يكون تطبيق “واتس اب” هو وسيلة التواصل الوحيدة بينكما، لكن تنقطع أخبارها لعدة أيام فتبدأ أنت بالشعور بالقلق، عندها تصلك رسالة منها تطلب منك المشورة في الحصول على “مهرّبٍ” موثوق، كيف تفعل ذلك؟ عليك الذهاب إلى تطبيق “سموغلرز”.
“نور” هي بطلة الرواية الخيالية من لعبة “تقبرني.. يا حبي”، وهي لعبة تفاعلية مستوحاة من الواقع ومن قصص اللاجئين الذين واجهتهم خلال سلوكهم الطريق من سوريا إلى أوروبا. في اللعبة يأخذ اللاعب مكان “مجد” الذي يحاول إرشاد “نور” من الممكن الدردشة معها في برنامج أشبه ما يكون بـ”واتس اب”، كما يمكن تبادل الرموز والصور والروابط والمعلومات.
كيف تعمل اللعبة؟
من يرغب بتجربة لعبة الفيديو، يمكنه تحميلها على الهاتف الذكي الخاص به. عندما يسجل اللاعب نفسه كـ”مجد” سيبدأ بتبادل الرسائل النصية مع “نور”، حيث ستسير اللعبة بالتوقيت الحقيقي من بدء اللعبة، وسيتم متابعة خطوات نور خطوة بخطوة، وهناك خيارات مختلفة للرد على نور، إذ من الممكن تحذيرها أو تشجيعها، كما يمكن إرشادها عبر الطريق، وإرسال الخرائط والصور، كي تتمكن من الوصول بسلامة. وبما أن اللعبة تجري بالتوقيت الحقيقي وليس توقيتا افتراضيا، فقد تمر عدة أيام دون سماع أي خبر من “نور”، كما لو أنها تقوم برحلة حقيقية، وقد تستغرق أيام للانتقال من مكان إلى مكان. تحوي لعبة ” تقبرني.. يا حبي” على 20 نهاية مختلفة، كجميع الألعاب التي تقوم على الواقع، ولكن بعض هذه النهايات مأساوية.
تم تطوير اللعبة في استوديوهات الإنتاج الفرنسية “بكسل هانت وفيغز”، بالتعاون مع “آر تي ايه”. وقال فلورنت مورين، المطور الرئيسي، إن فكرة اللعبة جاءت من قراءة مقالة في صحيفة لوموند الفرنسية. “كان الأمر يتعلق بشابة تدعى دانة التي سافرت من سوريا إلى ألمانيا، وعن كيفية بقاءها على اتصال مع عائلتها طوال الرحلة عبر تطبيق “واتس اب”، ويضيف “كانت تجربة مكثفة لي كقارئ، لأنني أستخدم “واتس اب” كل يوم، ومثل دانا أستخدم الرموز التعبيرية وأعمل النكات مع عائلتي، ولكن هناك فرق كبير وهو أنهم كانوا يناقشون مسائل الحياة والموت”.
مورين اتصل بدانة (التي تم حجب اسمها الأخير لحماية خصوصيتها)، وسألها عن استعدادها للدخول كمستشارة في برمجة اللعبة وكتابة النص على وجه الخصوص. ويقول مورين “كان لدينا الكثير من التساؤلات حول عن حياة شابة سورية أو شاب سوري، وكيف تختلف عن حياتنا؟ أردنا النص أن يكون طبيعياً ويشبه أي محادثة يجريها شابين سوريين مع بعضهما”.
وللحصول على هذه التفاصيل الصغيرة لكن المهمة، قام مورين والكاتب بيار كوربينايس بسؤال دانة عن عدة تفاصيل مثل “كيف يتم التفتيش العشوائي في سوريا؟ ما هي المعابر الحدودية التي يجب على المرء اجتيازها بين سوريا ولبنان؟ أو ما هي النكتة التي يمكن أن تضحك طفلاً عمره 8 سنوات؟”.
القصة مستوحاة من رحلة لاجئة سورية
“قصة دانة”
تجربة دانة مماثلة ولكنها ليست متطابقة مع بعض جوانب رحلة “نور” في ” تقبرني.. يا حبي”، دانة هي لاجئة عمرها 25 عاماً من دمشق تعيش الآن وتدرس في ألمانيا. اتخذت الشابة قراراً صعباً بمغادرة دمشق بعد أن اعتُقلت والدتها لمدة عشرة أيام دون سبب. “جاء الأمن إلى منزلنا ثلاث مرات، وكانوا يسألون عن أخي وأختي قبل أن يأخذوا والدتي”، كما تقول.
استغرقت رحلة دانة من دمشق أسبوعين، إذ سافرت هي وزوجها من سوريا إلى لبنان ومن ثم إلى تركيا. وتأخرت رحلة الشابة السورية بسبب المهربين غير الموثوقين، قبل أن تستقل القارب إلى جزيرة ليسبوس في اليونان، و تقول دانة “كانت سعة القارب خمسة عشر شخصاً، لكننا كنا ما يقارب أربعين شخصاً لحسن الحظ كان السائق بحار وتمكن من إنقاذنا عندما انطفأ المحرك في البحر”.
ومن جزيرة ليسبوس استقلت دانة قاربا أخر لتصل إلى إلى أثينا. في رحلتها إلى الفردوس الأوروبي عبرت دانة حدودا كثيرة، “لقد استخدمت حافلات وقطارات وسيارات ومشيت كيلومترات من الصعب تذكر عددها”.
تعيش دانة الآن في ألمانيا قرب شقيقتها وشقيق زوجها، فيما لا تزال والدتها في دمشق ولم تتمكن من الحصول على فيزا لزيارة أولادها. وتقول دانة “دمشق ليست آمنة ولكنها أكثر أمناً من غيرها من الأماكن في سوريا، ولا توجد كهرباء، وكل شيء مكلف، ولدينا الكثير من المشاكل مع الأمن طوال الوقت، ومن الصعب البقاء على قيد الحياة هناك”.
اسم اللعبة “تقبرني.. يا حبي” يأتي من تعبير سوري، وهو ما يعني تقريباً “أتمنى أن أموت قبل أن تموت كي لا أراك ميتا وأنا لا أزال حية”، وهذه هي أول رسالة ترسلها والدة دانة لها على “واتس اب” عندما بدأت رحلتها في عام 2015. لم تجرب أم دانة هذه اللعبة. لكن ابنتها ترسل لها كل المقالات المكتوبة عنها. تقول دانة “أعتقد أنها فخورة جداً” بينما يقول مورين إنه خلال عملية تطوير اللعبة “كان لدينا ملاحظات من عائلة دانة لأنهم جميعا سلكوا نفس الرحلة”، ويضيف “شقيقة دانة لم تتمكن من ترك اللعبة قبل أن ترشد “نور” إلى الطريق الصحيح، رغم أنها قد قامت بنفس الرحلة إلا أنها كانت تريد مساعدة نور للوصول إلى أوروبا”.
“لعبة الانتظار”
يقول مورين إنه يأمل أن يستخدم الأوروبيون لعبة “تقبرني.. يا حبي”، لتعزيز فهم رحلات اللاجئين والمخاوف التي يعاني منها أحبائهم، ويتابع “عندما تلعب اللعبة تستغرق وقتا طويلا في انتظار الحصول على الأخبار من “نور”، ويمكن أن تحاكي لحظات من الألم والكرب عند انتظار أخبار من أشخاص تحبهم وهم تحت الخطر”.
يقول مورين “قبل أن يبدأ العمل على “تقبرني.. يا حبي” كانت مسألة الهجرة مرتبطة بالأرقام والإحصاءات فقط. لكن بعد اللعبة أصبح على الناس أن يعرفوا أن وراء كل رقم وكل لاجئ قصة أهل وعائلة يحبونه وينتظرونه ويخافون عليه، ويتمنون رؤيته مرة أخرى”.
هذا المحتوى نقلاّ عن DW عربى