دورات تعليم اللغة الألمانية نهاية الأغتراب اللغوى للأجئين وتقصير طريق الأندماج

Deutsch-lehrnen

 

من المعروف أن دورات تعليم اللغة الألمانية تشكل بداية الطريق الصحيح للاجئين والمهاجرين لكي يندمجوا في المجتمع النمساوى. وتتعدد خيارات اللاجئين بعدها، فبعضهم يرغب في الحصول على تدريب مهني “Ausbildung”، وبعضهم يريد إكمال دراسته “Uni”، بينما يسعى البعض الآخر للعمل “Arbeiten”

بدأ درس اللغة الألمانية كعادة كل يوم في الساعة الثامنة والنصف صباحاّ لكن محتوى الدرس هذه المرة لن يكون فى قواعد اللغة الألمانية، فقد أنهى معظم هؤلاء الطلاب دورة اللغة الألمانية التي يقدمها المكتب الاتحادي للأندماج التابع لوزارة الخارجية النمساوية، لذلك سيتعرفون في هذا الدرس على الحياة في النمسا من خلال “دورة التوجيه”.

يشكل هذا الصف في مقر إحدى المدارس الشعبية العليا “VHS” في العاصمة فيينا ، لوحة فسيفسائية من حيث جنسيات الطلاب الجالسين فيه، فعلى اليسار هناك عدة طلاب من سوريا وبينهم فتاتان من كردستان العراق، بالإضافة إلى شاب من إيران وفتاة أفغانية، وعلى اليمين فتاتان من إفريقيا وبجانبهما امرأة من أوكرانيا، وعلى يمينهما رجل من العراق وفتاة من إقليم البنجاب في الهند.

أنهى معظم الطلاب الموجودين هنا الدورات الأساسية فى تعليم اللغة الألمانية التي تتكون إما من 900 ساعة دراسية لمن هو تحت الثامنة والعشرين من العمر، أو 600 ساعة دراسية لمن يتجاوز عمره ذلك، والآن سيتعلّمون أكثر عن تقسيمات الولايات الإدارية والحياة السياسية في النمسا في دورة تتكون من 100 ساعة دراسية، ليقدموا بعدها امتحاناً يسمى بـ”الحياة في النمسا” ويتكون من 33 سؤال.

هذا وقد بدأت فراو كرامر معلمة الصف الدراسى الخمسينية ذات الشعر الأبيض الخفيف في كتابة النشيد الوطني النمساوى لتشرح معانيه للطلاب الذين تظهر من ابتسامتهم أنهم يستمتعون بالمعلومات التي يتلقونها. يردد الطلاب “Heimat bist du grosser Söhne” (بلدى هى مثل الأبناء الكبار وهو أول سطر في النشيد النمساوى.

فرصة للتدريب المهني قبل انتهاء دورة اللغة الألمانية

فى بداية الحوار تقول طالبة سورية من حلب سلفانا محمد إنها استفادت كثيراً من دورة الاندماج، وتتابع: “كانت دورة اللغة الألمانية سهلة بالنسبة لي، فقد كنت أواظب على الدراسة حوالي 3 ساعات يومياً”. وتريد الفتاة المثابرة التي تبلغ الثالثة والعشرين من العمر أن تكمل المستويات اللغوية المتقدمة كي تستطيع أن تحصل على فرصة للتدريب المهني في مجال الكيمياء. بينما استطاع زوج سلفانا، فرهاد جافو، أن يحصل على مقعد للتدريب المهني في مجال تركيب أنظمة التدفئة المركزية، حتى قبل أن ينهي دورة الاندماج بعدة أسابيع.

وتريد الأختان برويز وبيداء واللتان قدمتا إلى النمسا قبل سنتين من كردستان العراق عن طريق تركيا أنها تريد أن تسلكا طريق التدريب المهني بعد انتهاء الدورة، فالأولى تريد أن تصبح بائعة، والثانية ممرضة. تقول الأختان إنهما لاقتا صعوبة في التحدث بالألمانية، لكنهما الآن تتحدثان اللغة الألمانية حتى في المنزل.

تقول المعلمة كرامر ميخائيلا إنها تعتقد أن الطلاب يسيرون على الطريق الصحيح للاندماج، وتتابع: “العديد من طلابي الآن يتحدثون الألمانية بشكل جيد رغم  المدة القصيرة لوجودهم في النمسا”.

الكثير من اللأجئين يحتاجون لإكمال تعليمهم

من جهة أخرى تبدى لنا المعلمة ملاحظات على طلابها ، هو أن بعض الطلاب لم يكملوا دراستهم في بلدانهم، ويحتاجون لشهادة الثانوية العامة حتى يستطيعوا أن يدخلوا الجامعة، كما أن بعض المدارس المهنية أيضاً تشترط حصول الطلاب على شهادة الثانوية العامة “الباكلوريا” كحد أدني لكي يتم قبولهم، وتضيف: ” أقول دائماً للطلاب أن عليهم أن يحاولوا إكمال الدراسة، أو تعديل شهاداتهم بشكل موازٍ لدراسة اللغة الألمانية كي يوفروا المزيد من الوقت”.

كما أن بعض اللأجئين كانوا قد بدأوا الدراسة الجامعية فى بلدانهم قبل الهجرة لكنهم يحتاجون لإكمال تعليمهم الجامعي أو تعديل شهاداتهم. يقول الطالب السوري عبدالله اصطيفي إنه يرغب في إنهاء دراسته في الهندسة المدنية، حيث إنه شارف على إنهاء دراسته في سوريا، لكنه اضطر بسبب الأوضاع الأمنية أن يهاجر قبل أن يستطيع إكمالها. يقول اصطيفي “أرغب في الوصول لمستويات أعلى من اللغة الألمانية كي أستطيع أن أنهي دراستي في الجامعة”.

والحقيقة أن ليس كل الدارسين الجالسين هنا لاجئون فقط، فمنهم بعض المهاجرين بشكل قانوني أيضاً. تقول تتيانا لوتسينسكا التي أتت من أوكرانيا إلى النمسا قبل حوالي سنتين إن دورة الاندماج تشكل أساساً للمهاجرين من أجل تعلم الألمانية، لكنها تعاني كغالبية الطلاب من مشكلة التحدث، وتتابع: “سأبذل جهوداً أكبر لتحسين لغتي”. وتريد الفنانة التشكيلية الأربعينية أن تكمل المستويات الأخرى من اللغة الألمانية كي تستطيع ممارسة مهنتها في النمسا.

ضرورة الاختلاط لتعلم اللغة

لا تخفي المعلمة أنها لاقت صعوبات خلال دورة اللغة، وتتابع: “أكثر ما شكل تحدياً بالنسبة لي هو إيصال المصطلحات والمفردات إلى الطلاب حيث أن غالبها كان غريباً عليهم، فقد تكون أسماء لقوانين أو أشياء غير موجودة في بلدانهم الأصلية”، موضحة أن الخلفية المهاجرة لزوجها هو ما ساعدها على شرح المفردات للطلاب بلغاتهم أحياناً، فهي تتقن الفارسية والروسية والإنجليزية، إلى جانب الإسبانية.

وتؤكّد الطالبة الهندية بارميندر كاور التي قدمت إلى النمسا قبل عامين صعوبة المصطلحات والمفردات النمساوىة، وتضيف: “لدينا لم تكن القوانين بهذا التعقيد الموجود هنا، لذلك وجدت بعض الصعوبة في فهم الكثير من المفردات”. كاور البالغة من العمر 21 عاماً تريد أن تعمل كمساعدة صيدلانية أو كبائعة وذلك بعد أن تحصل على فرصة مناسبة في التدريب المهني في هذا المجال.

اللغة لكل الأعمار

تنصح المعلمة الطلاب بالمشاركة في النشاطات الاجتماعية كوسيلة لتحسين اللغة، وتضيف: “أحاول كثيراً أن أجعل الطلاب يتحدّثون، لكن اختلاطهم بالنمساويين سيساعدهم أكثر على تحسين اللفظ لديهم”.

ويؤكّد الطالب السوري جمال جلو أن أكثر ما ساعدهم في تعلم الألمانيةة هي معلمتهم التي تحاول أن تجعل الجميع يفهمون كل شيء، على حد قوله. ويرغب الشاب الذي يبلغ الثانية والعشرين من العمر أن يكمل تعليمه المدرسي كي يستطيع أن يحصل على فرصة للتدريب المهني كمصمم أزياء.

حتى اللاجئين القدامى يستفيديون من هذه الدورات، مثل محمد حيدري الأربعيني والذي يقيم في النمسا منذ 22 عاماً. يقول حيدري الذي يتحدث النمساوىة بطلاقة رغم بعض الأخطاء القواعدية إنه يستفيد من دورة الاندماج لتحسين قواعده في اللغة الألمانية، ويتابع: “تعلمت الألمانية من خلال التلفزيون والصحف، لكنني لم أكن أستطيع قبل الدورة التفريق بين أدوات التعريف في حالاتها الإعرابية المختلفة”. ويسعى حيدري على الحصول على عمل بعد انتهاء الدورة.

ولا يخلو الدرس من بعض التعليقات الطريفة من قبل بعض الطلاب والتي تعكس المقارنة الدائمة التي يجريها الطلاب اللاجئون بين بلدانهم الأصلية والنمسا، فعندما قالت المعلمة إن عدد الوزراء في النمسا يبلغ 14 وزيراً، بدى الاندهاش على وجوه بعض الطلاب، وقال أحدهم وهو يبتسم: “لدينا في سوريا ثلاثة أضعاف هذا العدد من الوزراء، دون أن يستطيعوا إنجاز أي شيء”.

 

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …