فيينا : مصطفي درويش
وفي تلك الأجواء الربانية التي منح الله فيها مريم الطعام في قوله ” فكلي ” ومنحها الشراب في قوله ” واشربي ” ويطيب نفسها في قوله ” وقري عينا ” تمت المعجزة وولد عيسي عليه السلام .
وبعد الميلاد عادت مشاعر الخوف والقلق والحيرة إلى مريم حيث كان عليها أن تعود مرة أخري إلى قومها وديارها وأهلها . فما الذي سوف تقوله لهم حين سؤالها عن هذا الذي أتت به . وهنا تتجلي رعاية المولي لمريم ابنة عمران حيث أدخل السكينة إلى قلبها وعفاها عن الإجابة عن اسئلة قومها . وبالفعل ما أن عادت مريم حتي توجه إليها القوم بالسؤال : من أين اتيت بهذا الذي في المهد صبيآ ؟ وذكروها من باب اللوم والعتاب بمكانة أسرتها المعروفة بالطهر والصلاح والعبادة والتي لايمكن أن يأت منها فاحشة ولا رذيلة . فقالت لهم ما أوحي إليها ربها ” إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ” ، وأشارت إلي وليدها أي أسئلوه هو . فتعجبوا من أمرها وقالوا ” كيف نكلم من كان في المهد صبيآ ” .
وهنا تحدث معجزة أخري من معجزات المولي سبحانه وتعالي إذ أنطق الرضيع عيسي ليدافع عن أمه ويرد على هؤلاء القوم فماذا قال :
- إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيآ
- وجعلني مباركا أين ماكنت
- وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيآ
- وبرآ بوالدتي ولم يجعلني جبارآ شقيا
- والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا
فكان أول ما نطق به عيسي عليه السلام ” إني عبد الله ” وهي أسمي مكانة للإنسان تجاه ربه الذي خلقه أن يمتثل إليه بالعبادة . ثم برأ أمه مما نسب إليها من فاحشة ، وبين واجبه في الحياة الدنيا كنبي ورسول من أولي العزم أن ينشر الخير بين الناس . كما يتضح لنا أهمية الصلاة والزكاة حيث علاقة الإنسان بربه بالصلاة وعلاقته بالناس عند إخراج الزكاة . كما أشار عيسي إلى بر الوالدين في قوله ” وبرآ بوالدتي ” حيث تأت طاعة الوالدين بعد طاعة الرب سبحانه وتعالي .
نعم ” ذلك عيسي ابن مريم قول الحق … ” الذي يختلف في أمره بعض الناس إلي يومنا هذا وإلي قيام الساعة . فهو قول الحق للذي يقول للأمر كن فيكون والذي ختم كلامه لقومه بقوله ” وإن الله ربي وربكم فاعبدوه ” فسلام الله عليك يا عيسي يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيآ [1].
فيينا : 12.12.2017 مصطفي درويش
[1] الأيات من سورة مريم