الإثنين , 25 نوفمبر 2024

طلبات اللجوء في ألمانيا : المترجم سلطة خفية تؤثر على مصير اللاجئين – تقرير

Asyl-Dolmatscher

غالبا ما يحتاج المتقدمون بطلبات اللجوء في ألمانيا إلى مترجمين ومترجمات يثقون بهم ليتمكنوا من نقل قصصهم بأمانة، لكن برأي البعض فإن الواقع مختلف، إذ يرى العدد من المتقدمين بطلبات لجوء أن المترجمين غير دقيقين وغير مدربين، ويحملونهم مسؤولية التأخر في البت في طلباتهم، أو رفضها أحياناً.

في الساعة الثامنة والنصف كان الحارث علاء متوتراً في طريقه إلى الدائرة الاتحادية للهجرة واللاجئين  BAMF  في برلين، إذ أنه سيجري مقابلة لتحديد أحقيته في الحصول على طلب اللجوء، فسيتحدد مستقبله.

كل شيء في ذلك اليوم كان معتمداً على سرده لقصته، قطع الحارث كغيره طريق البلقان متنقلاً بين النقاط الحدودية الكثيرة، كان عليه سرد قصة حياته في بغداد واختطافه، وتهديده بالقتل، كان عليه ان يستعيد سنواتٍ مضت من الذكريات والتفاصيل وسردها بطريقة مقنعة.

استغرقت المقابلة أربع ساعات، روى الحارث قصة حياته بالعربية، لغته الأم، ونقلها إلى مترجمٍ كان يعمل في مكتب الهجرة أمام القاضي. كان من الصعب عليه معرفة كيف تجري الأمور بسبب اللغة، لكنه كان واثقاً من قصته فلديه دلائل ووثائق لدعم قضيته. في تلك المقابلة اقترب منه المترجم وقال له: ألمانيا بحاجة لشخصٍ مثلك، فهو صيدلاني ويتحدث خمس لغات.

يعرف الحارث الدور الكبير الذي يلعبه المترجم، فقد عمل هو نفسه كمترجم، وهو يعرف أن في الكثير من الأحيان لكلماته وتعبيراته الدقيقة والحاسمة دلالات يمكن أن يفهمها القاضي بطريقةٍ ما، فهي كمحادثة تجري بين شخصين دون أن يقولا أي كلمة.

قوة تأثير المترجم

بعد ثمانية أشهر، تلقى الحارث رفض طلب لجوئه في البريد، ومع عدم معرفته الألمانية آنذاك كان من المستحيل أن يعرف كيف نقل المترجم كلامه، وما الذي أسيء فهمه أو تركه أو تغييره في الترجمه.

يقول الحارث: “كنت مرتبكاً جداً، فلم أتوقع قرار الرفض، لذلك بحثت عن شخصٍ يترجم لي المحضر الأساسي للجلسة للعربية، فأدركت عندها أن المترجم لا يعرف اللغة العربية جيداً، وأن ترجمته لبعض الإجابات بالكاد تتوافق مع السؤال، كما أنه غيّب التفاصيل الهامة، لم أصدق هذا، فلقد ارتكب الكثير من الأخطاء في ترجمة قصتي، بالكاد كانت قصتي أساساً”.

مشاكل في نظام العمل

بعد قصة الحارث ثبُتَ التأثير الكبير الذي قد يلعبه المترجم على حياة طالب اللجوء. منظمة “برو أزول” وهي منظمة ألمانية لدعم اللاجئين، كانت من أبرز المنظمات التي سلطت الضوء على مشكلة الترجمة في مكتب الهجرة، باعتبارها عنصراً حاسماً في تحديد أحقية الشخص للجوء أو رفض طلبه، كما سلطت الضوء على المشاكل فينظام العمل لمكتب الهجرة من هذه الزاوية.

تقول “بليندا بارتولوتشي” مستشارة السياسة القانونية في منظمة “برو أزول” “يتم تعيين المترجمين الفوريين الذين يعملون لحسابهم الخاص بكثرة في مكتب الهجرة بسبب انخفاض أجورهم، وحتى وقت قريب لم يكن يشترط أي مؤهلات رسمية للموافقة على عمل الشخص، ولم يكونوا يخضعوا لتدريب أو التأكد من جودة خبراتهم اللغوية”.

بدورها، دعت الجمعية الاتحادية الألمانية للمترجمين  إلى ضمان جودة الترجمة الفورية في مقابلات اللجوء، حيث تقول ياسمين خالد-جيسر وهي مراقبة للترجمة في الجمعية “إن معظم المترجمين الذين استأجرهم مكتب الهجرة لم يكن لديهم مؤهلات كافية أو مهارات لغوية للانضمام للجمعية على سبيل المثال، لم يكونوا مهنيين”.

ووفقا للمتحدث باسم “مكتب الهجرة” فإن ألمانيا قد واجهت تحديات كبيرة خاصة مع التدفق الكبير للاجئين مع بداية عام 2015  “فخلال العام الماضي، على سبيل المثال، تمت مقابلة أكثر من 445 ألف طالب لجوء يتحدثون عدداً كبير جداً من اللغات … وهذا يتطلب العديد من المترجمين”، وأضاف أن عدد المترجمين المتعاونين الذين يعملون لحسابهم وليسوا موظفين رسميين في المكتب وصل عام 2016 إلى 2600 مترجم في حين كان عددهم عام 2017، 7500 مترجم يجرون مقابلات مع المتقدمين بطلبات اللجوء بـ 472 لغة”.

“بوابة العبور” إلى اللجوء

لا يمكن إنكار الضغوط التي تقع على عاتق مكتب الهجرة، لكن السلطة في التفسير إذا وضعت في الأيدي الخطأ فمن شأنها أن تؤدي إلى مشاكل كبيرة، وتجعل من المترجمين “حراس أمن” غير مؤتمنين على طلبات لجوء الناس.

ويقول المنتقدون إن ضعف الترجمة لا يعود إلى خبرة الأشخاص باللغة فقط، بل إنهم يعملون دون تلقي التدريب الكافي، فلا يكون أمامهم سوى أسابيع قليلة من التدريب، وفي الكثير من الأحيان لا يكونون على دراية بحالة البلدان التي قدم منها طالبو اللجوء، وهذا يؤثر بطريقة أو بأخرى على الترجمة.

وفي تقرير في نوفمبر من العام الماضي وقعت عليه 12 مجموعة من منظمات وجمعيات ومحامين قالوا إن “مكتب الهجرة بحاجة إلى تحسين معايير الجودة لضمان سير عملية اللجوء بعدل وشمولية”، ورأت المجموعة أن المحاكم الألمانية، التي شهدت هذا العام زيادة في عدد الطعون في قرارات اللجوء بلغت خمسة أضعاف، أصبحت في واقع الأمر مرفقا لتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة في مكتب الهجرة.

ويأتي النقد أيضا من داخل الإدارة نفسها، حيث يشعر الموظفون بالقلق لأن المترجمين الشفويين أصبحوا متحكمين بقضايا اللجوء.

فضيحة تصدرت العناوين الرئيسية

قد ينظر إلى المشكلة بطريقة أعمق، خاصة عند تذكر قضية “فرانكو أ.”، الجندي الألماني الذي تقدم بطلب لجوء، ادعى فيه أنه سوري يتحدث الفرنسية، ما يثبت عدم وجود رقابة فعالة داخل مكتب الهجرة، ويقول بارتولوتشي “إن الفضيحة دفعت إلى تقييم داخلي لحالات اللجوء لـ 2000 لاجئ من سوريا وأفغانستان”. “لكن التقييم محدود لأنه يعالج فقط أولئك الذين لديهم قرار إيجابي للجوء، مع أنه من المحتمل ان يكون عدد الاخطاء في القرارات السلبية أعلى”.

من جهتها، ترى ياسمين خالد جسير أن “الشرط الأخير الذي قدمه المترجمون الشفويون عن أي شذوذ لغوي يمكن أن يوحي بأن مقدم الطلب يكذب حول المكان الذي يأتون منه غير مفهوم، فهذا هو خارج بشكل جذري عن مسؤولية ودور المترجم الثابت … وترك هذا التقييم للمترجمين الفوريين غير المدربين يؤدي حتما إلى التكهنات ولا يمكن أن تشكل أساساً إجرائياً قانونياً”.

الثقة والسلطة

قصص الأمل المفقود في الترجمة لم تعد تفاجئ عزيز، الذي أمضى السنوات القليلة الماضية في العمل مع اللاجئين في برلين.

يقول عزيز “اللغة تلعب أساسي فحتى لو كان المترجم يتكلم اللغة لكن أحياناً اختلاف اللهجات الإقليمية، والفروق بالمصطلحات يمكن أن تغير كل شيء، عدا عن أن الخلفية الاجتماعية والدينية للمترجم تلعب دوراً كبيراً، ففي بعض الأحيان يخاف الناس أن يرووا قصصهم للمترجم، مثلاً عندما يكون الشخص ملحداً أو مسلماً سابقاً”. ويضيف : “إن فكرة أن المترجمين في الدائرة الاتحادية للهجرة محايدين فكرة مشكوك فيها، فقد قال لي عديدون إن المترجمين قد أخبروهم أنهم قد غيروا أجزاء من قصصهم للتأثير في اتخاذ قرار إيجابي، هناك العديد ممن يعملون بشكلً رائع، لكن هناك آخرين يستغلون عملهم”.

يقول بارتولوتشي: “بعض الناس لا يثقون بأن المترجمين الشفويين مستقلون، فلقد سمعت أن هناك إريتريين كانوا قلقين من أن يكون المترجم  لديه صلات بالحكومة الإريترية. البعض يشتبه في أن عددا منهم يمكن أن يكون جواسيس”.

وكان تقرير لمجلة “شبيغل” و”آ أر ديه” كشف أن مترجمين أتراك أفشوا بخصوصية معلومات متقدمي طلبات لجوء أتراك لوسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة، وفي هذا العام، أفادت الأنباء أن مكتب الهجرة توقف عن العمل مع حوالي 942 مترجماً 15 منهم على أساس انتهاك الخصوصية.

منظمة “مترجمون بلا حدود” غير الربحية قد أبرزت دور المترجمين وأشارت إلى النقص الذي تعاني منه الدول الأوروبية في عدد المترجمين المؤهلين، وقالت إن المنظمات الإنسانية الـ 46 التي تتعامل مع اللاجئين لم تسجل في تقاريرها اللغات الأم لللاجئين الذين قابلتهم.

ويؤدي الافتقار إلى البيانات إلى عدم كفاية الوصول إلى المعلومات، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تعريض سلامة اللاجئين للخطر. وتقول إيلي كيمب، رئيسة الاستجابة للأزمات في “مترجمون بلا حدود”: “في تقريرنا، هناك قصة عن اثنين من النيجيريين الناجين من الاتجار بالبشر في إيطاليا غير قادرين على إخبار قصتهم أو الحصول على المساعدة بسبب عدم توفر مترجمين فوريين يتحدثون لغتهم”. وأبرزت دراسة حالة في تقرير أصدره مركز “ريتش” كيف أن عدم تقديم منشورات للأطفال غير المصحوبين بذويهم على الحدود الفرنسية الإيطالية بلغة يمكن أن يفهموها أدى إلى اتخاذ العديد من الطرق الأكثر خطورة.

الحياة اليومية في ألمانيا

الحواجز اللغوية نسجت طبقة أخرى من الإجهاد والتعقيد وأحيانا الخطر على حياة اللاجئين ليس قبل وصولهم فقط، بل حتى بعد إقاماتهم في بلدان اللجوء، سوزان الجنداوي تتذكر كيف كانت تشعر عندما وصلت إلى ألمانيا، لفقد كانت تصارع مع البيروقراطية، التي تخيف حتى الناطقين بالألمانية، وتقول “لقد كان الموظفين يرفضون التحدث بالإنكليزية حتى لو كانوا يعرفونها، كنت أعاني حتى في مواقف يومية بسيطة لقد كنت أشعر بالضياع والعجز”.

بعد أربع سنوات من إقامتها في ألمانيا تعمل سوزان اليوم كمتدربة في منظمة “ترانسل إيد” وهي منظمة تربط المترجمين المتطوعين باللاجئين الذين يحتاجون إلى المساعدة في مواعيد الطبيب، والحصول على المشورة القانونية أو التحضير لمقابلة اللجوء. وهي واحدة من العديد من مشاريع المجتمع المدني، والحلول التقنية ومنصات المعلومات التي ظهرت منذ عام 2015 لتلبية احتياجات الترجمة.

وتقول سوزان “يحتاج اللاجئون بالطبع إلى تعلم اللغة الألمانية، وهم يحاولون ذلك، لكن علينا أن نتذكر أن الأمر سيستغرق وقتا. وفي الوقت نفسه، فإنهم بحاجة للمزيد من الدعم للترجمة التحريرية والشفوية”.

تقول ياسمين خالدي جسير “إن مكتب الهجرة يعمل على تحسين مستوى الترجمة فقد قام بتنفيذ آليات واسعة لضمان جودة الترجمة، وتعزيز عمليات التفتيش الأمني في عملية التوظيف، وإدخال نظام للشكاوى، كما قاموا بالتعاون مع مكتب بد، بتصميم برامج تعليمية عبر الإنترنت للمترجمين الفوريين”.

في حين أن دلائل التحسينات هي خطوة إيجابية، إلا أنها ليست سوى عزاء قليل لأشخاص مثل الحارث، الذين يواجهون الآن عملية شاقة لاستئناف حكمهم باللجوء في المحاكم.

وقال الحارث: “إن للمترجم دورا حاسما في أهم جزء من عملية اللجوء برمتها – مقابلة اللجوء”، وقال المحامي إنني يمكن أن أكون في انتظار سنة أخرى للحصول على نتيجة – وربما أكثر فقد فقدت سنة على الأقل من حياتي بسبب ترجمته”.

هذا المحتوى نقلاّ عن موقع مهاجر “DW”

 

 

شاهد أيضاً

انتخابات ولاية إشتاير مارك.. اليمين المتطرف يحقق فوزا تاريخيا بنسبة 35.4%

تشير التقديرات الأولية إلى فوز حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف والذي أسسه نازيون سابقون بالانتخابات …