بورخارست : مجدى النمر : —
ليست هذه حكاية عاطفية عن عذاب إمرأة اسمها فاطمة، بل حلقة أخرى في سلسلة تقارير ميدانية عن اللاجئين والمهاجرين في بلد لا يقصده اللاجئون ولا المهاجرون. ملهم الملائكة موفد مهاجر نيوز إلى رومانيا.
بوخارست- يلفت الانتباه في بوخارست عاصمة رومانيا قلة المظاهر الإسلامية، فالمساجد نادرة، والمحجبات قليلات جدا، وسبب هذا مرة أخرى أنّ المهاجرين من بلدان الشرق الأوسط وما حوله لا يقصدون في العادة هذا البلد، بل يفضلون المرور به في طريقهم إلى بلدان أوروبا الغربية الغنية. وهو أمر أكده الصحفي الأربعيني أدريان موغوش من المركز الروماني للصحافة الاستقصائية في حديثه لمراسل شبكة رمضان الإخبارية إلى رومانيا وعزاه إلى “انخفاض مستوى الدخل الشهري إلى 300 يورو في المتوسط، وهو مبلغ لا يغري أي أحد في القدوم إلى هذا البلد، بل إنّ هذا الدخل المتدني لا يغري أي روماني بالبقاء في هذا البلد”.
“هوية مزورة تسهل لك الوصول إلى الاتحاد الأوروبي“
مدير منظمة المركز الروماني رضوان صامويلا
ولدى سؤاله، كيف يتمكن من تمييز المهاجرين من غيرهم خصوصا أنّ أشكال الرومانيين تشبه أشكال القادمين من مناطق الشرق الأوسط وما حوله، قال موغوش” يمكن معرفتهم من سلوكهم، فعلى سبيل المثال في المولات الكبيرة، لا يدخل اللاجئون إلى داخل الكازينوهات والمطاعم، بل يجلسون على الأرائك المنتشرة داخل أروقة المول ويتناول عصائرهم ومعجناتهم، ويشعر من ينظر إليهم مباشرة أنهم غرباء لا ينتمون إلى المكان “.
وكشف موغوش أنّ المهاجرين كانوا يستخدمون في العادة وثائق شخصية رومانية متقنة التزوير ويعبرون بواسطتها إلى أوروبا الغربية، وروى في هذا الصدد تجربته الشخصية، حيث زوّر هوية إقامة مهاجر شخصية رومانية باسم مهاجر تركي “أردوغان مراد عليم”، وسافر بواسطة هذه الهوية إلى ألمانيا، وأستقر في برلين وفي هذا يقول” كان الأمر سهلا، فقد تمكنت بتلك الهوية أن أفتح حسابا مصرفيا، وأن أبدأ في تأسيس مشروع تجاري في ألمانيا، وقد انتشرت تلك القصة على الإنترنيت بعنوان “هوية مزورة تسهل لك الوصول إلى الاتحاد الأوروبي”، وكشفت عن مشكلات في النظام الإداري الرسمي الروماني”.
المنبر الروماني للاجئين والمهاجرين
بيت متواضع في شارع فرعي بالعاصمة المزدحمة بوخارست تشغله منظمة المنبر الروماني للاجئين والمهاجرين، مدير المنظمة ناشط روماني اسمه رضوان صامويلا تحدث إلى مراسل شبكة رمضان الإخبارية في غرفة متواضعة غير مرتبة كاشفا “أنّ عدد من يناط بالمنبر مساعدتهم يصل إلى 320 مهاجر ولاجئ، ونوع المساعدة يشمل كل شيء، التعلم، إنجاز المعاملات الرسمية، مراجعة الأطباء والمشافي، مساعدتهم في العثور على مسكن، ومساعدتهم في العثور على عمل. أما أنواع الدروس التي يقدمها المركز فهي محصورة بدورات اللغة الرومانية لاندماج اللاجئين والمهاجرين”. ومضى إلى القول” نساعدهم أحيانا مالياً، فإذا كان مع أحدهم شهادة جامعية من بلده على سبيل المثال، نساعده في ترجمتها وطبعها وتصديقها لدى المراجع الرومانية وهو يكلف بالطبع بعض المبالغ المالية.
في أحد الصفوف تجلس مجموعة من اللاجئات والمهاجرات ومعهم بضعة رجال في صف ويستمعن إلى المعلمة الرومانية وهي تقدم الدرس باللغتين الرومانية والإنكليزية، حاول مراسل شبكة رمضان الإخبارية التحدث إلى أحد المشاركين أو المشاركات في الدرس فرفضوا جميعهم تقريبا باستثناء المهاجر الجزائري إبراهيم عمران البالغ من العمر 47 عاما، والمقيم في رومانيا منذ سبع سنوات، بصفته يعمل في إحدى المشاريع النفطية، ويخطط لجلب عائلته والاستقرار في بوخارست التي يعتبرها مناسبة بالنسبة له.
فاطمة صانعة الرايات
المحطة الأخيرة في بوخارست كانت ورشة تختص بصناعة الرايات والإعلانات وما تفرع عنها، وهناك التقى مراسل شبكة رمضان الإخبارية بلاجئة سورية تعلمت اللغة وأتقنت العمل وباتت جزءاً من الفريق الذي ينشط في المكان.
فاطمة واعظ لاجئة سورية مقيمة منذ أربع سنوات في بوخارست، تعمل في مصنع الإعلانات واللافتات والرايات بمعدل 4 إلى 7 ساعات في اليوم، ويصفها زملاؤها في العمل بأنها ودودة ولطيفة وتتقن الرومانية وسريعة التعلم.
في يدها مقص كهربائي وهي تروي لمهاجر نيوز قصتها “كنا بحلب حين قامت الثورة ووصلتنا بعد سنة في رمضان، وقصفت طائرة بيتي، وبقيت أنا وأبنائي الاثنين وابنتي الأخرى مع ابنتي المتزوجة في قرية بعيدة 3 أشهر. وتأزمت الأمور بعد الضربات الكيماوية فسافرنا إلى أضنة في تركيا بجواز سفر سوري، والطريق كان مرعبا وصعبا بوجود المسلحين ونقاط تفتيش النظام، وبقيت في إنجرليك قرب القاعدة الأمريكية سنتين في بيت استطعت استئجاره بصعوبة بالغة، ولم تعجبني الحياة في تركيا قط، لقد كانت حياة مرة، والحكومة التركية لم تساعدنا بمليم واحد. بقيت شهرا بدون وسادة، بل كنت أضع ملابسا في كيس وأنام عليه. ومن تركيا سافرت في كونتينر يقوده مهرب إلى بلغاريا، ثم إلى رومانيا، ثم إلى بوخارست، وجئت في البداية وحدي، ودفعت نحو 3 آلاف دولار لمجمل الرحلة التي استغرقت عشرة أيام، وسكنت في مركز إيواء اللاجئين في بوخارست لمدة سنة”.
ولدى سؤالها عن صفتها القانونية في رومانيا بيّنت فاطمة أنّها نالت صفة الحماية، ثم أمضت عاما كاملا للمّ شمل عائلتها، ذهبت إلى إسطنبول، ونجحت في جلب العائلة إلى بوخارست” واستأجرت بيتا، بالاستفادة من راتب اللاجئين الزهيد، (120 يورو) ونجح ابني في العمل بشكل غير قانوني وبأجر زهيد”.
فاطمة وأسرتها يعيشون ب 500 يورو في الشهر !
وكشفت فاطمة البالغة من العمر 48 عاماً أنّ من مآسي اللجوء والهجرة بالنسبة لها طلاقها من زوجها، كما أكدت على تدني مستوى الدخل “بنتي تدرس في المرحلة الابتدائية، وابني يشتغل بشكل غير قانوني بمبلغ زهيد، وراتبي مع راتب ابني يصل إلى 500 يورو، أدفع منها 250 يورو للإيجار، و150 للتأمين الصحي، وما تبقى يجب أن نعيش به”.
واقترحت فاطمة أن تنشئ شركات الاستثمار الدولية التي تقدم مساعدات للاجئين مجمعا سكنيا وتأخذ من المهاجرين قسطا شهريا بقيمة 300 يورو، على أن يصبح البيت بعد عدد من السنين ملكا للعائلة التي تسكنه.
ورغم أنّ أم فاطمة وشقيقاتها مقيمات في ألمانيا ويحثونها على الهجرة إلى هذا البلد، حيث لا يضطر المهاجر إلى العمل، وتدفع له الدولة رواتب، وتدفع عنه التأمين الصحي وإيجار السكن كما روت فاطمة إلا أنّها عادت تقول” دون أن أرى ألمانيا لم أشعر نحوها بالحب، لا أنوي مغادرة رومانيا، لاسيما أني وأولادي قد أتقنا لغتها . مأساتنا الآن أننا مقسّمون بين تركيا، وألمانيا ورومانيا، وهذا يجعل من الصعب عليّ ملاقاة أهلي”.
وأكدت فاطمة أنّ الاستقرار لن يعود إلى سوريا حتى بعد نهاية المعارك، “فالنظام لم يعد يسيطر على المناطق الواقعة تحت سلطته، بل يمشي أمور البلد الروس والإيرانيون، نعم أنا مشتاقة لبلدي ووطني، لكني لا أملك بيتا هناك بعد أن دُمر بيتي، فأين أرجع وأين أقيم وكيف أعيش، لقد شردونا بلا أمل أن نعود، نحن اليوم بلا وطن”.