بعد أن جاء حزب اليمين المتطرف “FPÖ” فى المرتبة الثانية أو الثالثة بفارق صئيل في انتخابات النمسا التشريعية ، الذى يتزعمة هاينز كرستيان إشتراخة ، فمن المتوقع أن يقوم بتشكيل الحكومة بالتحالف مع حزب الشعب النمساوي المحافظ الذى جاء فى المرتبة الأولى ، الذي يتزعمه وزير الخارجية سيباستيان كورتس (31 عاماً) ، مما جعل “ماريانو راخوي” رئيس وزراء إسبانيا أن يبدى مخاوفة من تصاعدة قوة اليمين المتطرف وأحتمال وصولها إلى السلطة ، أن يؤدى إلى تدمير أوروبا .
المعرف أن حزب الحرية والأحزاب اليمينية الشعبوية الأخرى داخل القارة العجوز قد أدارت حملاتها الإنتخابية بخطاب عنصري يفيض بمشاعر الكراهية والعداء ليس للمسلمين والإسلام فحسب بل لجميع الأجانب والمهاجرين واللاجئين الذين يعيشوا على أراضى أوروبا ، مما تعصف رياح الأحزاب اليمنية المتطرفة بأوروبا وتهدد وحدتها، رافضة قيم التسامح الديني والتعايش السلمي وقبول الاختلاف والتعدد الثقافي، وداعية إلى إشعال صراع الحضارات.
وتكاد تتطابق أحاديث وكلمات زعماء اليمين المتطرف الأوروبي مع مضامين خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتتزايد معها المخاوف من أن يتكرر سيناريو الانتخابات الأمريكية في أكثر من دولة أوروبية.
ففي يناير الماضي 2017، عقد قادة اليمين المتطرف في أوروبا مؤتمراً في ألمانيا لإقامة جبهة موحدة، وصف بأنه قمة أوروبية مضادة، وجاءت جميع خطاباتهم متشابهة، داعية للعودة إلى الدولة القومية ومراقبة الحدود وإنهاء سياسة استقبال اللاجئين.
ويتوقع محللون استغلال أحزاب اليمين المتطرف الأزمة الاقتصادية في بعض الدول الأوروبية لسياسات مناهضة وجود اللاجئين، وفرض سياسات حمائية وانعزالية على منتجاتهم، وتهديد وجود الاتحاد الأوروبي، وانتشار موجات الكراهية والعنصرية ضد المسلمين. فقد ارتفعت على سبيل المثال الهجمات ضد المساجد والمراكز الإسلامية فى النمسا وألمانيا، إلى معدلات قياسية ووصلت إلى أكثر من 91 اعتداءً العام الماضي.
ونعود إلى النمسا مع حزب الحرية اليميني المتطرف الذي زادت نسبة أصواته مقارنة بالانتخابات الماضية والذي استخدم ورقتي الإسلام والهجرة كفزاعة في حملاته الانتخابية، وهذا ما يثير مخاوف اللاجئين الذين يعيشون في النمسا، خاصة وأن وزير الخارجية الشاب تعهد بانتهاج سياسات متشددة بشأن اللاجئين ومنع تكرار أزمة اللاجئين في أوروبا.
وأبدى الكثير من الناخبين في النمسا شعورهم بأن البلاد تعرضت لاجتياح عندما فتحت حدودها في 2015 أمام موجة من مئات الآلاف من الفارين من الحرب والفقر في الشرق الأوسط ومناطق أخرى. وفي المقابل يبدي اللاجئون الذين يعيشون في النمسا قلقهم من صعود موجة اليمين في البلاد.
وبالطبع إن صعود اليمين المتطرف فى النمسا قد يؤدي إلى بعض المشاكل الاجتماعية، “لكن نصيحتي للأخوة اللاجئين فى النمسا عامة هم أن يقوموا بواجبهم في التمكن من اللغة الألمانية والدخول إلى سوق العمل، وأن يتقبلوا ما يتم اتخاذه من قرارات، لأنها لن تؤثر عليهم كثيراً إن فكروا بشكل إيجابي”.
وقد أصدرت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بيان فى وقتاّ سابق نددت فية “بالنقاش الدائر حول كراهية الأجانب” في الدوائر السياسية في النمسا ووصفت خفض المساعدات بأنه مخالف للقانون الدولي والدستور النمساوى والقانون الأوروبي غير أنه لم يتم رفع أي دعاوى على المستوى الدولي.
ولا تقتصر المخاوف من صعود اليمين في النمسا على قلق اللاجئين والقلق الداخلي، بل يرى الخبراء أن أصداء فوز كورتس ستتجاوز حدود النمسا، إذ قال راينهارد هاينيش، أستاذ العلوم السياسية في سالتزبورج، في تصريحات لوكالة الأنباء النمساوية، إن هذا الفوز سيجعل اليمين الشعبوي في ألمانيا، يشعر بالمزيد من القوة والتأكيد على مواقفه تجاه قضية اللاجئين، بالرغم من أن الطرف المنتقد لسياسة اللجوء والهجرة في النمسا استعمل نبرة “أكثر اعتدالاً” من حزب البديل من أجل ألمانيا، بحسب الخبير.
كما هناك بعض المخاوف من تكرار تجربة العام 2000، عندما أدى دخول حزب حرية النمسا الى حكومة المستشار المحافظ فولفغانغ شوسل إلى زلزال سياسي في أوروبا وفرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي.
صراع الحضارات
يثيرها صعود التيارات اليمنية المتطرفة في أوروبا أكبر بكثير من احتمالات فوزها في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية في هذا البلد أو ذلك، لأن تلك التيارات الموصومة بالجهل والتعصب وعدم القدرة على قبول الآخر، تسعى دائماً إلى إشعال صدام الحضارات ولا تقبل بالتعايش وتنشغل دائماً بالإسلام والمسلمين وترفض قيم التسامح بين الأديان، وبزوغ نجمها يعمق المشاكل سواء على مستوى الداخل الأوروبي أو على مستوى العلاقات بين العالم الإسلامي والدول الأوروبية”.
ويرى محللون سياسيون ومتخصصون فى الشأن الأوروبى أن “الجاليات الإسلامية في أوروبا ستواجه مأزقاً خطيراً مع انتشار الأفكار اليمينية المتطرفة”. وتوقع تضييق الخناق على المسلمين وحرمانهم من حرياتهم والتدخل في خصوصياتهم وتكرار الإجراءات العنصرية التي يتخذها ترامب.
وإن اليمين المتطرف كان موجوداً في أوروبا منذ قرون، ولكنه طفا على السطح مؤخراً بسبب أزمة الهوية التي تعانيها عدة دول ومشكلات الهجرة وأن وجد التيار المتطرف في تعظيم الخطر من الإسلام مصلحة كبرى من أجل توحيد الأوروبيين على قضية كبيرة بعد التوحد الماضي في مواجهة الشيوعية”.
ومن المتوقع أن يأتي الأوربيون مستقبلاً بهؤلاء المتطرفين للسلطة، مضيفاً: “حتى لو لم ينجح اليمين المتطرف بصورة كبيرة فإن الأحزاب الأخرى ستتبنى سياسات قريبة من سياسات هؤلاء المتطرفين”.