فيينا: مصطفي درويش : —
كنتُ مثل تلاميذي في غاية السعادة لقروب إنتهاء العام الدراسي وأمني النفس بإجازة صيفية سعيدة هادئة بعيدة عن كل الروتين اليومي والبعد عن كل مؤثرات الحياة اليومية . وكعادتي ذهبت مثل كل عام لقضاء جزءآ من الإجازة الصيفية في إيطاليا حيث مصيفنا السنوي هناك وحيث الأمن والأمان والأصدقاء من معظم دول أوربا مثل هولندا وبلجيكا والمانيا وانجلترا والخضرة والسماء الزرقاء والماء الرطب . وفي هذه الأجواء الجميلة تهاجمني الأخبار الغير سارة من مصرنا الحبيبة . ففي ختام يوم الجمعة الهادئ والجميل الموافق 15.07.2017 قرأت عن حادثين وقعا في مصر ، أولهما في البدرشين والثاني في الغردقة .
ففي حادث البدرشين استطاع ثلاثة ملثمين يستقلون دراجة بخارية من إمطار سيارة الشرطة ومن بداخلها وهم في طريقهم إلى سقارة مما أدي إلى وفاة خمسة من رجال الشرطة بينما لاذ الملثمون بالفرار ومعهم أسلحة رجال الشرطة . للحادث دلالات كبيرة وعميقة جدآ . فالشرطة رمز للدولة نفسها وسيارة الشرطة رمز للأمن والأمان في أراضي الدولة فحين يتم الإعداء على الشرطة ورجالها فهذا إعتداء سافر على كيان وهيبة الدولة ولابد من التصدي له بمنتهي الحزم والمنطقية التي تتوافق مع هذا الحدث بعيدآ عن الكلمات الإعلامية الرنانة مع الإلتزام بالموضوعية لأن الأمر بحق جلل . ومن ناحية أخري تم طرح السؤال عما إذا كان لهذا الحادث تداعيات علي السياحة . أقول نعم وبكل تأكيد فحين يتم مهاجمة الدولة نفسها فليس من السهل أن يأمن المرء على نفسه في هذا البلد ، ثم أن البدرشين ـ لمن لا يعلم ـ تقع على طريق سقارة وبها هرم زوسر المدرج وممفيس العاصمة الأولي للدولة المصرية القديمة ودهشور وأهرامتها الشامخة وهي جميعهآ من الزيارات الهامة لكل سائح يزور مصرنا الحبيبة . إذا لابد وأن تتأثر السياحة بهذا الحادث ومن يقول غير ذلك فهو مخادع للواقع ومخادع للحقائق .
وأما حادث الغردقة فقد تمكن شخص لم يعلن بعد عن دوافعه من الدخول إلى أحد فنادق الغردقة وقام بطعن سائحتين ألمانيتين وأصابة أربعة أخريات من جنسيات مختلفة ، وهو أمر في غاية الأهمية ويحتاج إلى البحث أيضآ بموضوعية عن دوافع هذا الشخص وكيف تمكن من القيام بفعلته هذه وماذا عن أمن هذه المنتجعات ولماذا يتم قتل السائحات الآمنات ؟ وفي الأخبار الأولي قيل أن الحادث ليس إرهابيا ولكنه إجراميآ وأن الفاعل يعاني من إضطرابات عقلية ! وفي أخبار لاحقة قال مسئول الفندق أن الجاني دخل الفندق بعد قطع تذكرة بمبلغ 100 جنية ثم قام بمهاجمة السائحات بسلاح أبيض . من أين إذآ أتي بالسلاح الأبيض ؟ هل حصل عليه من داخل الفندق أم كان معه ولم يتم تفتيشه عند الدخول ؟ وأضاف مندوب مسئول الفندق أن الجاني ينتمي إلى تنظيم داعش الإرهابي ! والتناقض واضح في الأخبار وكان من الأولي التريُس وتوخي الحذر والحيطة حتي يتم الإنتهاء من استجواب الجاني ثم الإعلان عن الحقائق من قبل الجهات المعنية .
أما الحادث الثالث فقط قرآته صباح السبت الموافق 15.07.2017 علي شبكات التواصل الإجتماعي وجاء فيه بعد نقاش قام بين صاحب التاكسي وسائقه حيث اعترض صاحب التاكسي على المبلغ الذي قام السائق بتسليمه أياه . فقال السائق إن أسعار البنزين تلتهم غالبية المبلغ الذي يشتغل به ، فأنكر عليه صاحب التاكسي ذلك واتهمه بأنه سارق . فإذا بسائق التاكسي يخرج مسدسة ويطلق النار على صاحب التاكسي وعلى نفسه ليلقي الإثنان حتفهما . وهنا لانستطيع أن نقول ان الشخصين هذين مختلين عقليآ أو أنهما ينتميان إلى جماعة إرهابية . بل هنا تكمن المعاناة المعيشية ، فأنت تعمل وتجتهد في عملك ولا تحصل على ما يكفيك من هذا العمل لأن الحياة المعيشية ارتفعت فيها كل الأسعار دونما الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالي . ثم أن النفوس أصبحت منهكة وغير قادرة على تحمل أي شيء حتي وإن كانت كلمة من صاحب تاكسي لسائقة ! ثم من أين أتي سائق التاكسي بالمسدس ، أيوجد المسدس في رفقته دائمآ وهل إطلاق النار والقتل أصبح أمرآ هيئنآ ؟
وللأسف الشديد فإن سلسلة الحوادث هذه لاتنتهي وقد تكون ذات دوافع ارهابية أو إجرامية أو لأسباب معيشية . فلابد من تدخل كل الجهات المعنية لمواجهة هذه الحوادث بأبعادها المختلفة وخاصة الأسباب الإجتماعية والدينية . وللأسف الشديد ولكن إحقاقآ للحق فلابد وان نأخذ بعين الإعتبار بأن الجناة في الحوادث الثلاثة مسلمون بينما المعتدي عليهم مسلمون وغير مسلمين . فما هي تلك الدوافع الدينية التي تدفع المرء لقتل سائحات لا حول لهن ولا قوة ، أو رجال أمن يعملون علي استتاب الأمن والأمان من أجل أهل أبناء هذا الوطن ، أو حتي القتل من أجل الخلاف علي لقمة العيش ؟ الأسئلة كثيرة ونأمل أن نحصل على أجابات مقنعة من أهل الذكر كل في مجالة .
وندعوا للجميع بألامن والامان مع استكمال إجازة صيفية طيبة .
مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا
مصطفي درويش ايطاليا 15.07.2007