فيينا.. أرض عجائب الطبيعة

weihnachtsbeleuchtung-wien2

 

فيينا – عبدالرحيم عساكر

فيينا التي تتفتح ورداً ينبض بالفرح يراقبها الزائر بحواسه الخمس، يركض فوق عشبها الأخضر فتتراءى للعين حدائق وحضارات، فتمتلئ خزانات القلب بعطر معتق لا يجف، وما خطوت خطوة منذ وطئت قدماي فيينا إلا واكتشفت سراً غامضاً للشيء وضده، فكيف لهذه العاصمة النمساوية العريقة أن تظل تحرسها شموس وأقمار؟!، تصافحك بالحب، وتنثر حولك العطر فتلوح أساطير قرون رسخت في ذاكرة التاريخ.

لوحة غنية

فيينا التي اختيرت رسمياً كأفضل مدينة ملائمة للعيش في العالم للمرة الثامنة على التوالي، تخطف القلب بمواقع ترفيهية وتعيد العلاقة بين التراث الإمبراطوري والحداثة، وهي اليوم فريدة كعهدها، بعد أن شهدت تغيرات عميقة خلال القرن الماضي، فتحولت من عاصمة امبراطورية متباهية إلى نمط الحياة الأوروبي المعاصر، أماكنها لوحة غنية بالدهشة وخاصة القصور الإمبراطورية الشهيرة والمتنزهات الفخمة، التي تأسر الذين يبحثون عن مواقع للترفيه والاسترخاء… وبدعوة من مجلس السياحة في فيينا وفندق بارك حياة فيينا زارت «الاتحاد» المواقع الأكثر تميزاً، واكتشفت الأسرار المكنونة بالمدينة.

وبدأت جولتنا فور وصولنا إلى الفندق المستضيف برفقة المرشدة السياحة فاطمة عبدالله، التي اصطحبتنا في رحلة سياحية وسط أجواء باردة تساقطت فيها الثلوج على قلب المدينة الإمبراطورة لتغمرنا تجربة تاريخ فيينا المثير للإعجاب بهندسته المعمارية الآسرة.

عربة فياكر

القيام بجولة بإحدى عربات فيينا الشهيرة عالمياً التي تجرها الخيول، والتي تعرف أيضاً باسم «فياكرس» وسيلة مريحة للترفيه، وفي الوقت نفسه طريقة فريدة لاكتشاف وسط المدينة، ويعود أصل مصطلح «فياكر» إلى اللغة الفرنسية، ويشير إلى مواقف عربات النقل في الشارع الباريسي «رو دي سانت فياكر». وفي عام 1720، أصبحت العربات، التي كان يشار إليها سابقاً بأرائك «يانشكي» في فيينا، تسمى «فياكرس»، وتم ترقيمها، بعد ذلك بدأت تجارة النقل بالعربات تزدهر بأكثر من 1000 عربة كانت تعمل على طرقات فيينا بين عامي 1860 و1900، وكان سائقو العربات غالباً شخصيات معروفة في أرجاء المدينة وكانوا يقومون أحياناً بالغناء.

واليوم أصبح من الصعب تخيّل منظر المدينة من دون عربات فياكر، فذكريات فيينا لا تنسى، والاستمتاع برحلة خارج المألوف ممكن مع عربة فياكر التي أخذتنا في جولة تعرف باسم «الجولة الخزفية» الهادئة والبطيئة، إذ كان هذا النوع من الرحلات خُصص في القديم لنقل الخزف الثمين بشكل آمن من مكان إلى آخر أما اليوم فيعد طريقة جديدة لتسلب قلب من تحب.

أفضل المدن

في أثناء زيارة فيينا الحلم تعرفنا إلى أنه في كل عام تقوم شركة «ميرسر» للاستشارات الدولية بإجراء دراسة من أجل تقييم جودة الحياة في 230 مدينة رئيسة حول العالم، وقد منحت نتائج دراسة عام 2017 أيضاً فيينا أعلى المراتب واختارت العاصمة الاتحادية النمساوية كأفضل مدينة ملائمة للعيش في العالم للمرة الثامنة على التوالي، إذ لا تأخذ الدراسة بعين الاعتبار فقط العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل أيضاً الظروف البيئية مثل المساحات الخضراء وجودة الهواء والمياه النظيفة.

وفي أثناء التجول كانت المساحات الخضراء تعتق الأجواء، خصوصاً حدائق المدينة المشذبة بعناية ومثلت أماكن خلابة في بوليفارد «رينغ شتراسه» رحلة في أرجاء الجمال، واستمتعنا بمتنزه «راتهاوس بارك»، «وشتادت بارك»، وحديقة «فولكس غارتن»، التي تعد موطناً لأكثر من 400 نوع من الورود، وفي الوقت نفسه، تتميز الحدائق الباروكية الرسمية في قصر «شونبرون» وقصر «بلفيدير» بنمط متفرد مع أحواض زهور فاتنة، ونوافير مزخرفة، وتماثيل بديعة، وفي فصلي الربيع والصيف، تكون الحدائق بمثابة مناطق للاستجمام والترفيه داخل المدينة – فالناس يتوقفون هناك للدردشة، وللقيام بالنزهات، ولقراءة الصحف، أو لمجرد أخذ قيلولة تحت ظلال الأشجار.

مقاهى قديمة

للمقاهي في فيينا حكايات عجيبة فهي أماكن جذابة، وبالنسبة لسكانها المحليين هي منزل ثانٍ، ويعدها الفنانون والأدباء مؤسسات ثقافية، إذ تشتهر هذه المقاهي في جميع أنحاء العالم بأجوائها اللطيفة كواحات مفعمة بالراحة جعلتنا ننعم بهدوء وظل.

وقد تم إدراج ثقافة المقاهي في فيينا رسميا ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير الملموس في عام 2011، ونحو 2000 مقهى تقليدي تتجدد اللقاءات بين وفود الرحلة في الكثير منها المنتشرة في جميع أنحاء المدينة، فمقاهي العاصمة أعادتنا إلى أيام الإمبراطورية السالفة، فعشنا أجواء من البهجة حيث دهشة الاستقبال من خلال نوادل يرتدون أزياء تقليدية، يمشون على أرضيات خشبية، وتمتد أمامنا طاولات مغطاة بالرخام ومقاعد مريحة، جلسنا عليها لتناولنا القهوة الدافئة وبعض من الكعك المحلى.

كنوز وعجائب

في حجرة الفن في فيينا «كونستكامر فيينا» شاهدنا واحدة من أهم حجرات الفن والعجائب في العالم، ووجدنا أكثر من 2100 قطعة قيّمة، تم جمعها من قبل أباطرة وأرشدوقات هابسبورغ على مر القرون، فأباطرة هابسبورغ – وعلى رأسهم رودولف الثاني وكان لديهم شغف بالكنوز، التي يتم عرضها أمام الجمهور في متحف تاريخ الفن في فيينا.. وقد لفت نظري تمثال هزاز الملح النفيس للنحات «بينفينتو سيليني»، ساليرا، الذي يعود إلى منتصف القرن السادس عشر، وفي حجرة الفن «كونستكامر» على مساحة تبلغ 2,717 متر مربع عاد بنا التاريخ إلى أكثر من 1000 سنة.

وجهة تسوق

في أسواق فيينا كنت مأخوذاً بمتاجرها التقليدية ذات الجودة العالية التي لا تزال موجودة منذ عصر الإمبراطورية، وكانت تتناثر القطع القديمة التي تحمل لمسة خاصة في متجر «إيه.إي. كوشرت»، الذي كان يصنع في السابق المجوهرات للإمبراطورة إليزابيث، والذي ينتج حالياً الألماس المرصع بالنجوم بالاعتماد على التصاميم الإمبريالية الأصلية وتقوم الشركة المصنّعة للزجاج والثريات «جيه. اند إل. لوبماير» في شارع «كيرنتنر شتراسه»، التي كانت تزود البلاط سابقاً بأواني المائدة، ببيع الزجاج والثريات المتلألئة حالياً ولا يزال مصنع الأحذية «لودفيغ رايتر»، الذي تأسس عام 1885، يعمل على إنتاج الأحذية الرياضية والعادية والنسائية الفاخرة، وأضاف إليها حقائب اليد والأكسسوارات خلال العقود الأخيرة.

فندق تاريخي

للفنادق طلة تملأ العين سحراً وجمالاً، وفي فندق بارك حياة الذي نزلنا به اطلعت على تجربة ثرية ومتطورة لرجال الأعمال والسياح على حد سواء، فقد علمت من أنطونيا فيلجنير، مديرة العلاقات العامة والتسويق، أن مبني فندق بارك حياة فيينا كان يعود لأحد المصارف المالية القديمة في فيينا الذي تأسس بين عامي 1913 و1915 وبعد مرور قرن من الزمان تم تحويله إلى فندق بارك حياة فيينا عام 2014.

وحافظ الفندق في تصميمه الجديد على الروح التي كانت تسود المكان وقت أن كان بنكاً، حيث جمع بين الفخامة والأناقة، ومن التصاميم اللافتة في الفندق أن المصممين حافظوا على غرفة الخزينة القديمة في البنك وبوابتها التي يصل وزنها إلى 3 أطنان، واستخدم كمدخل لحمام السباحة في الفندق، الواقع في الحي الذهبي جولدينيس في فيينا، والمطل علي ساحة أم هوف.

وأدرج مبنى بارك حياة ضمن لائحة المباني التي عمرها 100 سنة، ويقع ضمن الحي الأول في فيينا المدرج كموقع اليونسكو للتراث العالمي، كما يستقر في قلب منطقة التسوق الأكثر تميزاً في العاصمة.. وبإمكان الضيوف الاختيار بين مطعم بنك براسيري وليفنج روم ومقهى كافيه أم هوف الفييني أو لوج الصالة في منطقة البهو، ويوفر سبا أراني علاجات متنوعة ومركزا للياقة وبرك السباحة الداخلية، كما يخصص الفندق لرجال الأعمال والمناسبات الاجتماعية منطقة بها غرف تاريخية مجهزة بأحدث التقنيات.

سياح الخليج

بعد مشاهدة أطياف الجمال في فيينا، لم أستغرب أن تكون مفضلة من قبل الخليجيين، وبحسب إحصاءات هيئة السياحة في فيينا زار أكثر من 55 ألف سائح إماراتي، وأكثر من 30 ألف سائح سعودي عام 2016 فيينا، معظمهم جاء إليها خلال أشهر الصيف، وبالنسبة للإماراتيين، فقد أصبح السفر إلى العاصمة النمساوية أكثر سهولة منذ قيام البرلمان الأوروبي في شهر مايو 2015 بإعفاء مواطني الدولة من إجراءات الحصول على تأشيرة دخول لجميع أغراض السفر (باستثناء الأشخاص الذين يسافرون بغرض مزاولة نشاط مدفوع الأجر).

جولات موزارت

تنعكس الواجهة البديعة لكاتدرائية سانت ستيفان على زجاج نوافذ مبنى «هانز هولاين هاس – هاوس» الذي يحتوي متجر أزياء ومطعم «دو اند كو» في الطابق العلوي. وأثناء عبور باحة مقهى «هاس اند هاس» خلف كاتدرائية «سانت ستيفان» مباشرة، وصلنا أولاً إلى شارع «زينغر شتراسه»، ومن ثم شارعي «بلوت غاسه» و«دوم غاسه». وتمثل هذه الشوارع الصغيرة قلب المدينة الرومانسية، فهي ضيقة ومظلمة ومرصوفة بالحجارة، تماماً كما كانت عليه قبل قرون مضت. وقد يتخيل الزائر أن الموسيقار الشهير«موزارت»، وهو ينعطف من إحدى زوايا الطريق عائداً إلى منزله «موزارت هاوس» الذي يضم شقته الأصلية الوحيدة المحفوظة في فيينا، بينما يصفر لحناً من ألحان أحد عروضه الأوبرالية التي قام ألفها هناك.

حديقة عريقة

حديقة الملاهي براتر فيينا كانت بديعة حد الشعور بأنني أمر بتجربة جديدة تلهم على الاسترخاء والهدوء، إذ يحتوى جزء منها على معالم الجذب السياحي بدءاً من دوارات الخيل المثيرة للحنين، إلى عجلة «فيريس» العملاقة، ويعد هذا الجزء من براتر أقدم حديقة للملاهي في العالم، والتي احتفلت بالذكرى الـ 250 لافتتاحها عام 2016.

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …