قصص مدرسي : التلاميذ المسيحيون وزيارة المسجد

Mostafa-Darwish-schule

 

فيينا : مصطفي درويش : —

ما أشبه اليوم بالبارحة مع وجود اختلافات ولكن لكل منهما جماله الخاص . لقد ذهبت بالأمس مع تلاميذ الفصل الرابع بالمرحلة الإبتدائية للاحتفال بختام العام الدراسي وتناول وجبة البيتزا . وبلغ عدد التلاميذ احدي عشر تلميذآ أعرفهم ويعرفوني جيدآ منذ خمس أعوام أي منذ العام التمهيدي للمدرسة . أما اليوم فكنت مع خمس وخمسين تلميذآ وتلميذة من الصف الرابع للمرحلة الإعدادية وبرفقة ثلاث مدرسات زميلات في زيارة إلى مسجد المدينة التي توجد فيها هذه المدرسة .

ويحسب في هذه المرة أن كل شيء تم إعداده من قبل الزميلات ولم أكن أعرف عنه شيئآ حتي الأربعاء الماضي حيث جاءت مدرسة التربية الدينية المسيحية وقالت لي : ” نريد الذهاب مع تلاميذ الصف الرابع لزيارة المسجد ونتمني ألا يكون لديك مانعآ لرفقتنا والذهاب معنا ” . وهل لي أن أمانع وأنا مدرس التربية الدينية الإسلامية في المدرسة ؟ ولكنه أسلوب الأحترام ـ بل وأسلوب التقدير من قبل هذه الزميلة الي سعدت في أعوام سابقة بمرافقتها إلى كل من المسجد والكنيسة في هذه المدينة بل وفي العاصمة النمساوية فيينا وأسلول الإحترام هذا الأسلوب هو الذي يصنع الفارق .

والتقينا اليوم في فناء المدرسة وانطلقنا جميعا مشيآ على الأقدام من المدرسة حتي المسجد مسافة 20 دقيقة هي غاية في الإلتزام والإنضباط من الجميع . وعند وصولنا إلى المسجد تم خلع الأحذية في المكان المحدد لذلك ودخلنا إلى مكان الصلاة .

حتي الآن لم أكن قد تحدثت بكلمة واحدة مع التلاميذ لأن معظمهم لايعرفونني سوي ربما من باب المشاهدة وذلك لأنني أبدآ حصص التربية الدينية الإسلامية بهذه المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسي من ناحية وأنهم جميعا مسيحيون فلا نكاد نلتقي . ومن بين هذا العدد الكبير لم يكن هناك سوي أثنين ينتمون إلى الدين الإسلامي . عرفتهم بنفسي ورحبت بهم بالمسجد وشكرتهم على هذه الزيارة وفتحت معهم بابآ من الحوار بسؤالهم عن السبب في زيارتهم إلى المسجد . فأجابت احدي التلميذات ” نريد أن نتعلم عن الإسلام ” وأيدتها أخري .

حقآ إن الإسلام اليوم مفتري عليه ولا ينقل عنه سوي تلك الضربات الإجرامية التي تحدث في كل مكان ، فهل هذا هو الإسلام ؟ ثم جاء سؤال ” هل من الممكن ان تحدثنا عن تلك النقاط التي نتفق فيها جميعآ سواء كنا مسلمون او مسيحيون ” ؟ والغاية من هذا السؤال كانت الوصول إلى مشترك بيننا وبينهم من أجل حياة آمنة سالمة بين جميع بني البشر . فأشرت في عجالة إلى مكانة المحبة في المسيحية ومكانة السلام في الإسلام وإن كل منهما يكمل الأخر من أجل حياة يسودها المودة والسلام بين الجميع . ثم عرضت عليهم حديث الرسول ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” وقول السيد المسيح عن محبة الأخر . كما تطرق الكلام إلى الصلاة والصيام والحج والإعياد لدي كل من المسيحيين والمسلمين ، وعمل بعض مقارنات بين المسجد في الإسلام والكنيسة في المسيحية .

ولكني تحدثت كذلك عن نقاط الإختلاف لأن عندها يبدآ الاحترام للأخر وعدم الإقتراب من أصول عقيدته ، فإن لم يتواجد الاحترام فستكثر المشاكل . إذآ لابد لنا أيضآ ان نتعرف على نقاط الأختلاف وأن نربي النشئ على آداب الأختلاف ولنعلم أنه من سنن الله في خلقه .

هذه بعض النقاط التي تحدثنا عنها بالمسجد مع وجود حوالي 60 شخطآ بداخلة ، فلا توجد همسة ولا لمسة بين التلاميذ ولكن الأحترام والإنصات الغير عادي للسماع من الأخر والتعلم منه . لقد كان الالتزام واضحا واحترام المكان أكثر وضوحآ والأدب في الحوار كان عاليآ . تحية مني لكل من جاء اليوم الي المسجد ، إنه بحق شباب واعد يريد أن يتعلم وأن يسمع وأن يسأل وأن يحاور ، فهل اعطيناهم هذه الفرصة ؟ نعم يجب علينا ألا نقصوا عليهم ، فهم مايزالون في مرحلة التكوين وفي حاجة إلى كل معين . وعلينا نحن المعلمون مهمة غاية في الأهمية لمساعدتهم ومساندتهم على شق طريقهم والمضي فيه بخطي ثابتة ” إن شاء الله ” .

ألتقيت في نهاية اليوم الدراسي مع أحدي المدرسات التي رافقتنا بالذهاب إلى المسجد وتبادلنا أطراف الحديث فشكرتني للمرة الثانية وذلك بعدما شكرتني بالمسجد مع نهاية الزيارة على تلك المعلومات القيمة التي أثرت فكرها وفكر التلاميذ حسب قولها . وأضافت لقد تناقشنا نحن المدرسات فيما شرحت لنا بالمسجد وعملنا مقارنات مع ديننا المسيحي . ومن ناحية اخري كانت الحصة الأخيرة في كل من هذه الفصول الثلاثة تدور حول زيارة المسجد وماذا تعلم التلاميذ من خلال هذه الزيارة وأثنت على هذه النقاشات وعلى المادة العلمية التي حصل عليها التلاميذ .

نعم أنه عصر الحوار مع الأخر ، وعصر احترام الأخر بل واحترام الإختلاف مع الأخر ، وبهذا فقط يمكننا أن نصل جميل إلى الهدف المشود ألا وهو حياة آمنة تسودها المودة والسلام والمحبة .

” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ “

كم أنا سعيد أن أكون عضوآ في هذه المنظومة التربوية الرشيدة .

 

مصطفي درويش                                                                                  24.05.2017

للتكبير أضغط على الصورة

Mostafa-Darwish-schule212

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …