حزين عليك يا مصر – خواطر علي حادثي الكنيسة في طنطا والاسكندرية

Azaher-Shich

 

فيينا : مصطفي درويش

لاشك أن عالم الأمس المترامي الأطراف أصبح اليوم قرية صغيرة يمكن تشبيهها بجسد الإنسان الواحد الذي هو في حقيقته بني آدم . وأدي التقدم العلمي والتكنولوجي مع تواجد شبكات التواصل الإجتماعي اليوم أن يعرف ساكن ذلك العالم الصغير في نفس الوقت ما يحدث في شماله أو جنوبه أو شرقه أو غربه . فإذا وقعت قنبلة في مكان ما ، تسمع دويها في نفس اللحظة في كل مكان من أجزاء هذا العالم الصغير . وبما أن هذا العالم الصغير مثل جسد الإنسان فإن الألم الذي يحدث لأحد أطرافه يشعر به بقية الجسد ولا يهدأ حتي يشفي من هذا الألم ويتعافي من الآمه .

في يوم الأحد الموافق التاسع من ابريل لعام 2017 الميلادي وإذ يحتفل المسيحيون الأقباط في مصر بأحد السعف الذي يمثل دخول السيد المسيح إلى القدس داعيآ وممثلآ للسلام إذا بإعتداء غاشم وجبان يتم على هؤلاء العزل المسالمين والمتواجدين في أماكن العبادة في كبري مدن الدلتا في مصر وهي طنطا وبالعاصمة الثانية لمصر عروس البحر المتوسط الاسكندرية . وقد أدي هذا الإعتداء الغاشم بالمدينين بحياة ما يزيد عن 45 شخصآ واصابة حوالي 150 شخصآ ، الأمر الذي يعد الأسوء في تاريخ الكنيسة القبطية في مصر على السواء . ومن المعروف أنه بأحد السعف أو أحد الشعانين يبدأ أسبوع الأحزان الخاص بالسيد المسيح ولكنه أصبح الآن بحق اسبوع احزان على كل المصريين بجميع طوائفهم المختلفة .

لن أبالغ إذا قلت أنه أسبوع أحزان علي الإنسانية جميعآ وعلي بني آدم حيثما كان . فعلي سبيل المثال لا الحصر أصبح هذا الإعتداء جزاءآ اساسيا في الصحافة والإذاعة المرئية والمسموعة في النمسا ، وهو ما يدل علي أن هذا العالم أصبح بحق صغير جدآ وجسدآ واحدآ يأن لأي أصابة تحدث له بصرف النظر عن المسميات المتعددة لأجزاء هذا الجسد الواحد . ثم أن مثل هذه الأحداث أصبحت في الآونة الأخيرة متكررة ومتعددة وإن اختلف فقط الزمان والمكان ، وذلك مثلما حدث في استكهولم ونيس ولندن وباريس على سبيل المثال وليس الحصر . ولذلك جاءت الأصوات من العديد من دول العالم بشجب وادانة مثل هذا الإعتداء الغاشم مع مد يد المساعدة للحكومة المصرية في كفاحهها ضد الإرهاب . ولكني في الحقيقة لم اسمع حتي الآن عن مثل هذه الأصوات من الدول العربية أو الإسلامية وربما تكون هناك أصواتآ ولكنها خافته وباهته لم يسمع بها أحد !

وفي مصر جاءت في كلمة الإدانة التي القاها وزير الأوقاف محمد مختار جمعة عن هذيين الحادثين ” الإرهاب الاعمي لا يفرق بين المصريين ” . وإني لأختلف معه  فيما قال ، بل وأقول بصراحة وعلانية متي تتغير  لغة الحوار الديني ؟ وإلى متي تتواصل مثل هذه العبارات التي فقدت معناها . فالمتدبر لهذين الحادثين يجد فيهما أن الإرهاب ليس بأعمي بل إن عيناه مفتوحتان ومركزتان على الهدف المحدد منه . ألم يأت هذا الإعتداء محددآ ومركزآ على كنيستين وفي وقت من أهم الأوقات التي يحتفل بها المسيحيون الأقباط في مصر ؟ بل إن مثل هذا الإعتداء الغاشم فرق بالفعل بين المصريين من حيث معتقداتهم الدينية وخص بالإعتداء الأقباط دون سواهم ! أم كان رواد الكنيسة في هذا اليوم مزيجآ من المسيحين والمسلمين أيها الوزير ؟

وفي كلمة شيخ الأزهر الإمام احمد الطيب قال بأن ” الإرهاب الأسود لم يفرق بين مسلم ومسيحي ” . نعم أنه الإرهاب الأسود ولكن من أين جاء هذا السواد إن لم يكن من الأفكار والمعتقدات التي يجب وبأقصي سرعة أن تنقح وأن توضح في مكانها السليم . إن هذا السواد في المعتقدات هو الذي يسود الآن وإن لم يتم معالجته فعلي الجميع السلام . ألم يحن الوقت لتصحيح تلك المعتقدات البالية من أجل تعايش سلمي بين بني آدم بصرف النظر عن معتقداتهم ؟ أما قوله بأن ذلك الإرهاب لم يفرق بين مسلم ومسيحي فهي مقولة لا تستحق الرد عليها لأن الذي نشاهده على مسرح الأحداث لا يتفق معها وهو في هذا مثل رفيق دربه على نفس الطريق ونفس الحديث .

 

 

 

وأضاف شيخ الأزهر ” ولقد تعرَّضت مصرُ عبر تاريخها الذى تجاوز سبعة آلاف عامٍ لكثير من أمثال هذه المحاولات الفاشلة، وكانت كل مرةٍ تفوِّت الفرصة على الأعداء وتحبط آمالهم وأمانيهم ” . كلمات طيبات ولكنها لا تتناسب مع الحدث الذي وقع بمصر في طنطا والأسكنرية ؟ فمنذ سبعة آلاف عام لم يكن هناك لا مسيحية ولا إسلام وبناءآ عليه لم تكن هناك مثل هذه المحاولات متواجدة . ثم  لماذا إقحام الحضارة والتاريخ القديم في مثل هذه الأحدات التي تنخر في الجسد المصري منذ الستين عام الأخيرة . فيكفي أن نراجع التاريخ الحديث من عبد الناصر مرورآ بالسادات ومبارك ومرسي والسيسي . وهي حقبة بلا شك حملت الكثير والكثير من القضايا والمعتقدات التي لم تكن موجودة من قبل وعلاجها يحتاج كذلك إلى فكر جديد ومستنير . ثم علينا أن نتدبر في أمر هؤلاء ” الأعداء ” ومن أين يأت عدائهم هذا ، ليس فقط تجاة مصر وأهلها بل تجاه بني آدم في معظم دول العالم .

حقآ إنه اسبوع الآلآم والأحزان علي بني آدم في كل مكان . ولكن علينا ألا ننسي أنها مجرد حفنة ضئيلة تلك التي تريد أن تجرعنا هذه الآلآم والأحزان ، فهل نستسلم لها ؟ أم نرد عليها فقط بعبارات جوفاء فقدت معانيها ؟

نعم إن الزمان قد اختلف وخائن من يقف ، فلابد من العمل والعمل الدؤوب من أجل عالم يسود فيه السلام الذي من أجله جاء جميع الرسل والأنبياء ، سلام لا يفرق بين بني آدم وفقآ لمعتقداتهم أو جنسياتهم أو أعراقهم . سلام ليس أعمي ولكن على بصيرة وحكمة وعلم بأن الأب واحد والمركب الذي يحملنا جميعا واحد ، وإذا ما نفذ فيه ثقبآ فكلنا غارقون !

ولايسعني في نهاية هذه الخواطر سوي التقدم لأقباط مصر الكرام بأصدق التعازي على ما أصابهم من ألم .

وادعو المولي سبحانة وتعالي أن يحفظ بني آدم جميعآ ويهديهم إلى سواء السبيل .

 

مصطفي درويش                                                                                    فيينا : 11.04.2017

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …