« القاع العربي الـ ٢٨ » أقصد القمة العربية الـ 28

Arabisch-Gipffel6

 

فيينا . د محمد الرمادى : —

القاع العربي الـ ٢٨ لـ ٢٢ دولة عربية (!) والمنعقد على ضفاف البحر الميت(!) بالمملكة الأردنية الهاشمية.. بين التفاؤل والتشاؤم أو بين القدرة والإرادة والتمنيات الخالية من العزيمة.

أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط الأربعاء ٢ نوفمبر ٢٠١٦ في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة في عمّان، أن القمة العربية المقبلة ستعقد في الأردن في مارس ٢٠١٧.. وقتها اعتبر أبوالغيط أن “الوضع العربي الضاغط ووضعية الأردن في خضم هذا البحر الهائج سوف يفرض على قادة الأمة أن يحضروا”. وتمنى الأمين أن يقوم المسؤولون العرب بإجراء مشاورات حول كيفية تطوير أسلوب الجامعة العربية في اتخاذ القرارات والتشاور بشكل أعمق وعدم اقتصار الأمر على الاجتماعات الدورية في مقر الجامعة العربية بناء على دعوة”. وأوضح أن “هناك فكرة الخلوات التي تحرك فيها وزير خارجية الإمارات مازالت فكرة مطروحة أن يعقد اجتماع كل ستة شهور بشكل غير رسمي بحيث يجتمع وزراء الخارجية العرب ويجلسون سويةً يوما أو اثنين ويناقشون كل المسائل بدون أوراق وبدون إطار رسمي يتصارحون ويشكلون مواقف عربية تخدم الجامعة العربية”. وحذر أبوالغيط من أن “العرب لو فقدوا قدرة الإرادة على التغيير والتحرك، فسوف يواجهون الكثير من المتاعب لأن المأساة كبيرة”. وصرح بالقول: “أنا أبلغ من العمر ٧٤ عاما ولم أتصور في أبغض أحلامي عندما كنت شابا في الـ ١٦ من العمر عندما كنت أنادي بالقومية والنضال العربي من أجل الوحدة والحرية قبل أكثر من ٥٠ عاما.. لم أكن أتصور أنني سوف أشهد ما أشهده من ضياع لأسر ولاجئين وتشريد وتمزق وقتل وظهور جماعات من البشر فقدوا القدرة على السيطرة على أنفسهم”. وخلص “علينا أن نقاوم كل هذا ونعمل في إطار الجامعة العربية للتصارح والتشاور من أجل الوصول إلى لب المشكلة ومواجهتها وتجاوز الخلافات ” بناء على “معلومات تشير إلى ذلك”. واعتبر الأمين العام أن القمة العربية الثامنة والعشرين المقررة في الأردن، ستشهد حضورا “غير مسبوق” من الزعماء. وأضاف أن “فرصة نقاشات القادة فيما بينهم للتوافق والوئام وإظهار الجهد المشترك في معالجة المشاكل، كلها عناصر آملُ أن تتحقق، ومع تحققها نستطيع القول إن هذه القمة قربت بين العرب”.. وتطرق أبوالغيط إلى الوضع في سوريا واصفا إياه بالـ”معقد للغاية”، مشيرا إلى أنه “يصعب على الأمين العام اتخاذ أي خطوة دون توافق عربي”. كما انتقد ما سماه “الصلف الإسرائيلي”، وأوضح أن “سببه ما تعيشه الدول العربية”. وقال أمين الجامعة إن “إعلانا هاما” سيصدر خلال القمة العربية .

ومن جهته؛ أكد جودة أن “كل هذه الصراعات والعنف والوضع غير المستقر تتطلب منا النهوض بالجامعة العربية لكي يكون لها دور فاعل في حل الأزمات وتكون العامل الموحد للأمة العربية”.

ومن جانبه؛ أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في نفس اليوم -٢ نوفمبر ٢٠١٦- خلال استقباله أبوالغيط أن: “الأردن سيبذل كل الجهود لضمان نجاح القمة العربية التي تستضيفها المملكة في دورتها الثامنة والعشرين، وبما يسهم في الوصول إلى رؤية عربية مشتركة لمواجهة أزمات المنطقة؛ وخدمة قضايا الأمة العربية “.

أعلن الاردن في 24 أكتوبر الماضي أنه قرر استضافة القمة العربية المقبلة بعد اعتذار اليمن عن ترؤس الدورة الثامنة والعشرين لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة. إذ ينص ميثاق جامعة الدول العربية على تناوب أعضاء المجلس على الرئاسة حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول الأعضاء. وعقدت آخر قمة عربية في موريتانيا يومي 25 و26 يوليو الماضي بحضور سبعة من قادة الدول الـ22 . ثم حدد الأردن في 15 من نوفمبر 2016 الـ 29 مارس 2017 موعداً لانعقاد القمة العربية في عمّان.. على لسان وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، ناصر جودة، في بيان صحافي إن المملكة ستستضيف الدورة الثامنة والعشرين.

… وأخيراً انطلقت الاجتماعات التمهيدية للقمة العربية التي تستضيفها الأردن الأربعاء 29 مارس الجاري في ظل تحديات ضخمة..فقد بدأت أعمال القمة العربية الخميس 23 مارس في البحر الميت باجتماعات كبار المسؤولين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، بحضور وفود من وزارتي الشؤون الاجتماعية والتجارة، فيما بدأت السبت الماضي اجتماعات المندوبين الدائمين في الجامعة العربية تحضيراً لاجتماع المجلس الأقتصادي والإجتماعي العربي على مستوى الوزراء.. وتستمر اجتماعات القمة العربية في اليوم الثالث باجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي الوزاري التحضيري لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة.

ويرى محللون ومتابعون سياسيون أن القمة العربية تأتي في ظروف صعبة وتحديات كبيرة على الصعيدين الإقليمي والعربي، كما أنها تضع الأردن كمحور رئيس ضمن جملة من الملفات التي ستناقش خلال القمة المنتظرة بعد شهر، نتيجة للدور الأردني المحوري في استضافة اللاجئين السوريين.

ويرى مراقبون أن الشارع العربي فقد الثقة في القمة العربية بعد أن توالى عقدها من دون أن تنجح في إحداث أي تغير نوعي في المنطقة.

.. منذ أن عرفت مؤتمرات القمة العربية التي بدأت مع تأسيس جامعة الدول العربية عام ‏1945م‏ والتي كان هدفها إيجاد كيان عربي يدافع عن استقلال الدول العربية ويحافظ على السلام والأمن بين هذه الدول،‏‏ والدفاع عن أي دولة عربية تتعرض للتهديد أو العدوان.. بهذا المنطق بدأت مؤتمرات القمة مع أول تهديد يواجه الأمة العربية عندما تطورت الأمور في قضية فلسطين عقب زيادة الهجرة اليهودية إليها أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية‏؛‏ ثم إرسال بريطانيا والولايات المتحدة لجنة للتحقيق فيما يجري على الأراضي الفلسطينية مطلع عام ‏1946م‏‏ والتي جاء تقريرها ضد الآمال العربية لأنه أوصى برفض إقامة دولة عربية أو يهودية في فلسطين واستمرار الانتداب البريطاني عليها مع فتح باب الهجرة إلى فلسطين.

عقد 27 مؤتمرا للقمة العربية كان أولها مؤتمر قمة أنشاص يوم 28 مايو 1946م وتوالت هذه المؤتمرات فعقدت أحيانا وغابت او غيبت أحيانا كثيرة إلى حد ان الجماهير العربية لم تعد تعطي تلك المؤتمرات بال وصاحبها الكثير من اللغط والأحاديث التي تقول بأن تلك اللقاءات لا تكون بهدف رفع القهر عن الشعب العربي بقدر ما تنهك قواه وتضيع الآمال والاحلام لتلك الجماهير التي تطلعت إلى التخلص من الاستعمار القديم الذي جثم على صدر الشعب العربي ونهب خيراته ومقدراته وابقى المنطقة العربية مجرد سوق استهلاكية لمنتجات تلك الدول لا بل أبقت الشعوب التي علمت البشرية الكتابة والقانون إلى شعوب في ذيل الحضور البشري وتخلف عن الحضارة العالمية.

منذ قمة العرب الأولى لم تكن تلك المؤتمرات رافعة او مساعدة للجماهير العربية ولاحظ العرب ان هذه المؤتمرات كان البعض منها للتجيش مع أعداء الأمة لغزو دولة عربية ولم يكن لتلك القمم من شأن عبر تاريخها اي حضور سوى البيانات اللفظية التي بقيت حبرا على ورق، فكم من عدوان تعرضت له الدول العربية وكم من ارض عربية محتلة وكم من القتل والترويع، أين القمة العربية حين عواصم احتلت وعواصم ضربت بصواريخ وقادة حوصروا حتى الموت.. لم يكن للقمة العربية الا الخنوع والصمت؛ لا بل مطالبة بعض زعماء العرب للبعض الاخر بضرورة الخنوع، والكل يتذكر ردة الزعماء العرب على احتلال بيروت 1982م، مجازر صبرا وشَتيلا واحتلال بغداد وإعادة احتلال الضفة الغربية 2002م وحصار الرئيس عرفات والتي قدم العرب حينها مبادرة السلام العربية والتي لا تنفك كل قمة على التأكيد على تمسك القادة العرب بتلك المبادرة ومنذ بداية ما يسمى-الربيع العربي-كانت هناك التآمر الداخلي بالتعاون مع قوى خارجية من أجل خراب ودمار الأقطار العربية والتي تقول الدراسات الحديثة ان خمس الشباب العربي يرغب بالهجرة وترك أوطانهم، وأخيرا عقدت قمة عربية في العاصمة الأردنية عمان مهد لها بتصريح من ولى عهد مملكة البحرين يقول فيه ان لليهود حق إلهي في فلسطين ويقترح صاحب السمو حل مشكلة إخوته الفلسطينيين ببناء جزيرة لهم في البحر واخراج ما هو موجود في الضفة وغزة إلى هذه الجزيرة ! وهل من كرم أفضل من هذا (!)

وقبل القمة بأيام يشاهد المواطن العربي المسلسل الدامي اليومي الذي يتعرض له الشعبين العراقي والسوري تحت يافطة قذرة يسمونها محاربة الإرهاب وكأن القتل في سوريا والعراق واليمن وليبيا الذي يشارك فيه البعض بشكل مباشر او غير مباشر، والكثير من المشاكل والهموم التي يعاني منها الانسان العربي في كثير من الأقطار العربية لا بل في معظمها وهنا كل الشعب العربي يعلم بان تلك القمة لن تقدم أكثر من العبارات الكلامية للصومال والسودان وموريتانيا والمغرب وليبيا ومصر وفلسطين والكثير من الأقطار التي يستعبدها البنك الدولي بالمال العربي وكثير من الأموال العربية في بنوك الدول المعاديه للأمة العربية وفي نهاية شهر مارس يلتقي القادة العرب ليس لقاء المحبة ولكن لتنفيذ أجندات توكل للبعض لتنفيذها ،وخاصة وان بعض القادة سيقومون بتقديم ولاء الطاعة لضيف البيت الأبيض الجديد بعد القمة فلا يعقل ان تكون أيديهم فارغة من بعض التنازلات عن الحقوق العربية المغموسة بالذل والهوان من أجل ارضاء حكام تل أبيب.

فمتى تصحو جماهير أمتنا العربية لتأخذ دورها في إعادة العزة والكرامة لهذه الأمة ونتمكن من تحرير الأرض العربية المحتلة من قبل الصهاينة والأتراك والإيرانيين وتتمكن هذه الأمة من تحرير رغيف الخبز وتتمكن من حل المشاكل لتكون العودة الحميدة للإنسان العربي من المهجر إلى ارض العزة والكرامة والبناء ويعم الاستقرار الوطن العربي من المحيط ألى الخليج وتردد الجماهير العربية ما شدى به السيد مكاوي:

” الأرض بتتكلم عربي”.

بإنعقاد قمة البحر الميت في الأردن يكون العرب منذ عام 1945م -تاريخ انشاء جامعة الدول العربية- قد عقدوا ثمانية وعشرين قمة عادية؛ وتسع قمم طارئة، وفي كل قمة عربية.. يا ليتنا نرى تكراراً واجتراراً إنشائياً لنفس الديباجات والنصوص والبيانات الختامية والقرارات الصادرة عن القمة العربية.. بل نرى بأن هناك هبوطاً وتراجعاً وتخلياً عن المقررات السابقة، تحديداً فيما يخص القضية الفلسطينية والصراع العربي “الإسرائيلي”، وحتى في ظل هذا التراجع والإنهيار، لم تلمس الجماهير العربية متابعة او تنفيذا أو تطبيقاً لواحد من قراراتها في هذا الشأن يحفظ ماء وجه هذه القمم وقياداتها، ويجعلها مصدر ثقة واهتمام المواطن العربي، الذي ربما يفضل متابعة الدوري الاسباني او الايطالي على أخبار تلك القمم، فهي لا ترتقي الى مستوى طموحه ولا تعبر عن همومه ولا تستجيب لتطلعاته، بل قمم تحكمها التجاذبات والصراعات والخلافات والمؤامرات والمزايدات.

ما بين قمة “لاءات” الخرطوم الثلاث «لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل» وما وصلنا إليه كأمة ودول عربية الآن، عقرّت الكثير من المياه، وحدثت الكثير من المتغيّرات والتطوّرات والتحوّلات، فالنظام الرسمي العربي تعمّقت أزمته البنيوية، وتغيّر الدور والوظيفة له سلباً، بحيث أضحى يلهث خلف الصلح والمفاوضات والاعتراف بـ «إسرائيل»، ويعتبر ذلك شكلاً من أشكال الواقعية والانتصارات، حتى أنّ جزءاً من هذا النظام، لم يفقد البوصلة والاتجاه فقط، بل شارك في حروب التدمير الذاتي التي تشنّ على الأمة العربية، وجهد بكلّ إمكانياته وطاقاته من أجل حرف الصراع عن قواعده وأسسه من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع عربي-فارسي، ونقل الفتنة المذهبية سني-شيعي من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي، وذهب النظام الرسمي العربي الى أبعد من ذلك، حيث يجري الحديث الآن بشكل جدي عن تشكيل حلف “ناتو” عربي بقيادة امريكا ومشاركة اسرائيل، وبما ينقل علاقات هذا الحلف بإسرائيل من العلاقات السرية الى المرحلة العلنية، وبما يشمل التنسيق والتعاون الأمني والعسكري والإستخباري، والتطبيع الإقتصادي والدبلوماسي، وشاهدنا المناورات الجوية الإسرائيلية الإماراتية فوق اليونان، للتدليل على عمق النقلة النوعية في العلاقات التطبيعية العربية-الإسرائيلية.

بتاريخ 27 03 2017 تأكدت وفق حصيلة مبدئية مشاركة 16 من الرؤساء والملوك والأمراء العرب في أعمال القمة العربية العادية في دورتها الثامنة والعشرين، بيد أن أبوالغيط توقع مشاركة 17 أو 18 ملكا ورئيس جمهورية ورئيس وزراء وأميرا في القمة، وقال “هذا حضور غير مسبوق ويعد مهم”؛ يأتي هذا الحضور اللافت بخلاف القمة السابقة التي عقدت بنواكشوط صيف العام الماضي، وحضرها 8 قادة فقط.

ويغيب 6 رؤساء عن القمة الحالية لأسباب منها ما هو صحي أو غير معلن لتكون هذه القمة، وفق مراقبين، من أكثر القمم عدداً للقادة العرب المشاركين في تاريخ القمم العربية. سيتغيب كل سلطان عُمان قابوس بن سعيد؛ ويمثل السلطنة أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء العماني لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص للسلطان قابوس بن سعيد؛ والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ويمثل بلاده رئيس مجلس الأمة الجزائري عبدالقادر بن صالح؛ ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان؛ ويمثل بلاده الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي؛ والرئيس العراقي فؤاد معصوم ويمثل بلاده رئيس الوزراء حيدر العبادي؛ وليبيا بلا رئيس ويمثلها فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية؛ وبالطبع رئيس النظام السوري بشار الأسد؛ حيث علقت عضوية بلاده في الجامعة العربية على خلفية الصراع القائم في بلاده منذ 2011. وسيشارك رئيسا لبنان ميشال عون والصومال محمد عبدالله فرماجو للمرة الأولى في أعمال القمم العربية كوجهين جديدين، كما سيحضر 8 من الضيوف في الجلسة الافتتاحية: أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ ومبعوث شخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (نائب وزير الخارجية الروسي، مبعوث الرئيس إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف)؛ ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي؛ وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين؛ والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني؛ ورئيس البرلمان العربي مشعل السلمي؛ ومبعوث للرئيس الأميركي؛ ومبعوث للحكومة الفرنسية؛ كما سيشارك المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا اجتماعات وزراء الخارجية العرب -والذي يحظى بدعمهم- المقررة اليوم الإثنين حيث سيطلع الوزراء على مستجدات العملية السياسية المستمرة في جنيف بدءً من نتائج اجتماعات “جنيف 1” وحتى الآن وهي عملية التفاوض السياسي التي تجري بين مختلف الأطراف السورية.

قمة البحر الميت تعقد في ظل غياب دمشق عاصمة عربية مؤسسة، وحجر زاوية في المشروع القومي الوطني العربي، مما يؤشر الى ما ستكون عليه قرارات هذه القمة، وبالذات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث نرى هجمة كبيرة على الحقوق؛ هجمة تريد دفع القيادة الفلسطينية لتقديم المزيد من التنازلات كـ شطب حق العودة، والإعتراف بيهودية الدولة.

جاءت قمة البحر الميت في ظروف صعبة وتحديات كبيرة على الصعيدين الإقليمي والعربي، وأمام نظام عربي عاجز ومنهار، ينخره سوس الفساد في كلّ مكوناته ومركباته ومؤسساته، لا توجد لديه أيّة خطط مستقبلية وبرامج تنموية تنتشل مجتمعاتها من براثن الجهل والتخلف والفقر والجوع والبطالة، وقرارها السياسي مصادر وفي ظل اشتداد الأزمات العربية والتعايش -منذ حين- مع قضايا مشتعلة وملفات شائكة مع الحاجة إلى الخروج من مأزقها القاتل وتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة في ظل تعاون عربي من أجل انهاء الأزمات التي تمر بها الشعوب.

لم تعد مؤتمرات القمة العربية تجدي في تصحيح الوضع العربي الذي يعيش حالة كارثية مأساوية بسبب تدخل القوى الإقليمية -تركيا وإيران-؛ والدولية -أمريكا بتحالفتها ثم روسيا- في الصراع الجاري على السلطة في بعض أقطاره. ولم تعد تجدي مؤتمرات القمة العربية في رسم سياسة قومية موحدة تحمي الأمن القومي العربي من الأخطار الخارجية لأن الخطر الخارجي لم يعد متفقا على مصدره؛ فاسلوب القمة العربية الذي بدأ بمبادرة من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في مواجهة مشروع تحويل نهر الأردن في أوائل الستينات من القرن الماضي من قبل الكيان الصهيوني لم يعد هذا الاسلوب طريقة سياسية مجدية لتوحيد العرب ضمن إطار شعار التضامن العربي أو وحدة الصف العربي كحد أدني لمطلب تحقيق الوحدة العربية في مواجهة الأخطار الخارجية لأن مؤتمر القمة العربية الآن هو تجمع لدول مختلفة متعارضة في السياسات والتحالفات وتحارب بعضها البعض عبر وكلاء محليين ودوليين وهو الوضع الذي لم يكن عليه النظام العربي الرسمي في تلك الفترة حيث حدث قبل سنوات في بداية انطلاق ما سمي بالربيع العربي أن تم التآمر على ليبيا من قبل دول عربية والاستعانة بحلف الناتو وضوء اخطر كذلك من الجامعة العربية لإسقاط نظامها السياسي الذي تحقق بالفعل وما يحدث الآن في سوريا واليمن وليبيا ايضا من صراعات بالوكالة بتدخل عربي وإقليمي ودولي.. فلا مراهنة إذن على مؤتمرات القمة العربية وعلى ما تصدره من قرارات هزيلة لا تنسجم مع التحديات التي تمر بها الأمة العربية لأن في اغلب القرارت التي تصدر عنها تنطلق كانعكاس للواقع العربي الحالي وهو واقع رديء خال من النهوض الوطني والقومي سمته الأساسية التخلف الحضاري والتجزئة السياسية الممنهجة والتعارض في المصالح القطرية لذلك غاب تأثير قرارات مؤتمرات القمة العربية على المستوى الدولي وعلى ضوء هذه الحالة بقت المبادرة العربية للسلام التي أقرت في قمة بيروت عام 2002م بعيدة عن التطبيق لافتقارها لمساندة دولية.. على هذا الأساس لا يرى الكيان الصهيوني في مؤتمرات القمة العربية ما يهدد مشروعه الصهيوني التوسعي فسياسة الاستيطان الصهيوني تستمر وبشكل متسارع لتغير الواقع الديمغرافي في الأراضي المحتلة والمدهش في الأمر أن مؤتمرات القمة العربية التي تعقد دوريا كل عام لم تتخذ قرارا واحدا ملزما للدول الأعضاء بقطع العلاقات السياسية أو تجميد خطوات التطبيع مع الكيان تجاه استمرار حكوماته المتعاقبة بانتهاج هذه السياسة المدمرة على عملية السلام وكان من نتائج تغافل الدبلوماسية العربية عن هذه السياسة الاستيطانية التوسعية وعدم إعطائها الاهتمام الكافي الذي يتناسب مع خطورتها على المشروع الوطني الفلسطيني سببا من أسباب وصول مشروع حل الدولتين الذي يحظى بدعم دولي إلى طريق مأزوم متعثر يجعل من الصعب وجود امكانية موضوعية لتحقيقه.. هكذا أصبحت مؤتمرات القمة العربية مجرد انعقادها عبء على بعض الدول العربية وهو ما جعل دول عربية ترفض انعقادها على أراضيها لأنها وجدت أن لا مكاسب حقيقية من وراء انعقادها فنصف قرن على انعقاد مؤتمرات القمة العربية والمنهج الدبلوماسي العربي في إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني في تراجع ومن تنازل إلى تنازل وفي زاوية العلاقات الدولية ينتقل هذا المنهج من إخفاق إلى إخفاق فالازمات العربية اضحت تدار من الخارج كالازمة السورية التي يتحكم في مصيرها الان قوى إقليمية ودولية وفي ظل غياب عربي رسمي واضح.. حتى على مستوى عملية التنمية في البلدان العربية لم يكن للقمم العربية أي فائدة ملموسة في تقدم المجتمعات العربية بإيجاد مشاريع تنموية كبيرة بهدف وضع الحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها دول عربية عديدة في وقت نجد الأموال العربية الكبيرة من عائدات النفط والغاز تتكدس في البنوك الغربية كودائع توظفها الدول الغربية الرأسمالية في إيجاد حلول لازماتها الاقتصادية… لذلك كله يتضح حجم السلبيات التي تقوم عليها مؤتمرات القمة العربية يستوجب البحث عن صيغ أخرى سياسية وتنظيمية أكثر فاعلية كاطار للعمل العربي الموحد يتناسب مع حجم التحديات الكثيرة والخطيرة التي اوجدتها على الساحة العربية المتغيرات النوعية الحالية لأن الأمة العربية في هذه المرحلة ليست في حاجة إلى اطار عمل شكلي لا قيمة له على المستوى القومي والدولي لكنه في حاجة إلى نقلة جديدة لإدارة الصراع مع معسكر الأعداء.

إن القضايا الرئيسية الملحة في المنطقة العربية -سرة العالم- والتي تؤرق مضجع النظام العربي هي: القضية الفلسطينية -مع تراجعها-، والأزمة السورية -وتأزمها بدخول دول في تأجيج نارها كـ إيران؛ تركيا؛ روسيا-، والمشكلة الليبية -وتفاقمها بوجود أطراف عدة- والأزمة الخليجية في اليمن -بمشاركةإيرانية إذ تعمل عبر ميليشيات طائفية موالية لها على زعزعة استقرار دول عربية وتساهم في إطالة أمد حرب السورية، كما تحتل ثلاث جزر إماراتية منذ أكثر من 3 عقود؛ وأشار أبوالغيط إلى أن القمة ستناقش تدخل إيران في شؤون بعض الدول العربية- ومكافحة خطر التطرف والإرهاب، مع وجود 12 مليون طفل عربي خارج غطاء التعليم؛ وبطالة تجاورها فقر أرغم الشباب على الهجرة غير الشرعية.. هذا .. في ظل انحدار الأمن في المنطقة عاماً بعد عام، الأمر الذي يفرض وجوب إيجاد حلول عاجلة لها ضمن إطار عربي واحد داعم لهذه الحلول، وهو ما يمكن قياس نجاح القمة العربية من عدمه عليه لهذا العام .

قد يكون من الصعب التفاؤل بشأن إمكانية وضع حد للنزاع السوري الذي دمرها بالكامل تقريباً. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية لا تحضر القمة، لكن يمكن لرؤساء الدول العربية أن يعبروا عن تأييدهم لمحادثات السلام التي تتخذ من جنيف مقرا لها والتي تهدف إلى حل النزاع السوري في ظل الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية.

قضية مكافحة التطرف والإرهاب ضد القاعدة وأخواتها مثل داعش لا شك أنها تتمتع بتوافق عربي ودولي كبير ومتزايد، ومن المتوقع أن تكون تبدأ التوصيات لعلاج هذه الأزمة بوجود نظام سياسي شامل، يدعمه زيادة ميزانيات التعليم والصحة وخلق وظائف بجانب الدفاع، ومساعدة الدول الشقيقة ما أمكن من خلال مناصرة الحكومات وتقديم يد العون والمساعدة لها، ويمكن الخروج بتوصيات فاعلة من أجل كسب الحرب ضد التطرف والإرهاب بتأمين حقيقي للجبهة الايديولوجية داخل المجتمعات والشعوب ودعم مساعيها في تحقيق نصر حاسم على الجماعات الإرهابية التي تلحق الدمار بالمنطقة، في ظل طلب مساعدة الدول كالولايات المتحدة وروسيا في هذه الحرب من أجل حلها.

وإتخاذ موقف واضح من نوايا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نقل السفارة الأمريكية إلى تل أبيب وما ينتج عن هذه التحركات من تغييرات كبيرة في المنطقة، وما حدث مؤخراً من سحب تقرير الإكسوا الذين يدين بالأدلة لنظام الأبارتايد أو ما يسمى بجريمة الفصل العنصري الذي أسسته إسرائيل، كما أن جريمة التعدي الإسرائيلي على الأماكن المقدسة في الأراضي الفلسطينية إنما هو تعدي سافر على دور الأردن في رعاية هذه الأماكن المقدسة، وهو أمر لا يمكن تجاهله من الدول العربية والإسلامية على حد سواء، في مقابل ما تقوم أطراف إقليمية تشارك بوجه أو بآخر في صراعات في المنطقة غالباً ما تستخدم المشكلة الفلسطينية كذريعة لتنفيذ أجنداتهم الخاصة، فمن المنطقي أن يولي القادة العرب أهمية قصوى للمسألة وأن يحاولوا حلها بإنصاف، وهذا يعني على أساس حل الدولتين. كل من الجامعة العربية والسلطة الفلسطينية يسعون إلى إقامة دولة للسلطة الفلسطينية، بينما الطرف الإسرائيلي وواشنطن لم يلتزما حتى اللحظة، على الرغم من رغبة جميع الأطراف التي تؤيد إيجاد نهج إقليمي من أجل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إن غياب هذا الدور الكبير للعرب لا يدع مجالا أمام العالم العربي أن يتوقع من بقية العالم والمجتمع الدولي أن يفعل ذلك بالنسبة لهم، في أي محافل أخرى.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة والمزرية التي تواجه البلدان العربية، بيد إننا على أمل أن يشكّل قادة النظام العربي-خاصة مَن بعافية ما كـ جمهورية مصر العربية؛ والملكية السعودية والجزائر والمغرب- جبهة مشتركة لتفادي التحديات العديدة التي تواجه بلدانهم بشكل حقيقي قابل للتنفيذ على أرض الواقع قبل فوات الأوان والذي لا يمكن أن يُثمر إلا إذا كانوا على قلب رجل واحد، رافضين التدخل الخارجي وخاصة التدخل الإيراني في سياسات الدول العربية وشؤونها الداخلية.

فلننتظر !!!.

أعد هذا الملف: مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ

Dr. MUHAMMAD  ELRAMADY

حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٣٨ الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ: ٢٨ جمادى الثاني ~ ٢٧ مارس ٢٠١٧م

Check Also

النمسا ترسل 81 جندياً إلى مهمة الأمم المتحدة في لبنان

أرسلت النمسا 81 جندياً، من بينهم 10 سيدات، للانضمام إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في …