فيينا : علي فرغلي
“أياً كان ما تعطيه للمرأة، سوف تصنع منه الأعظم. إذا أعطيتها حيوانات منوية، سوف تنجب لك طفلا .. إذا قدمت لها بيتاً، سوف توهبك وطناً .. إذا اشتريت لها البقالة، سوف تعطيك وجبة عذاء .. إذا منحتها ابتسامة، سوف تهديك قلبها. المرأة تُضاعف كل ما يُعطى لها. لذا، إذا ارتكبت معها أي حماقة، كُن على استعداد لأن تتلقى منها طناً من القرف! ” (ايرك جراي)
مازال يعتقد البعض وخاصة في مجتمعات العالم الثالث أنَ المرأة ناقصه عقل ودين! وأنها قاصرة وغير مؤهلة لبعض الوظائف.. إنهم لا يفهمونها جيداً، أو ربما يفهمون ويخشون الحقيقة والمواجهة. وفي المقابل نجد نساء يكافحون من أجل المساواة مع الذكر، بالرغم من قدراتها وإمكاناتها الأعلى منه، فكما يعتقد وليم جولدن أن :المرأة الحمقاء هي التي تطلب المساواة مع الرجال، فهي دائماً أعلى من هذه المساواة!
يميل الرجال إلى أن يكونوا، بصورة واعية أو غير واعية، منحازين لنوعهم، الأمر الذي يجعلك تصطدم بكثير من الأفكار الظلامية حين تقرأ كيف كانت ومازالت ثقافة العالم الثالث في التعامل مع المرأة حيث تحرمها حق التعليم، والمناصب العليا، والإرث أحيانا، شعوب تعيش في وحل الجهل.
ولعل الأمر يتعلق بالاتساق الداخلي وصفاء النفس والتخلص من العقد النفسية تجاه “البنت” وعلمنا أبي وأمي درساً واقعياً وحقيقياً في ذلك، حين تمردا على تقاليد وأعراف ربما لأول مرة في تاريخ الصعيد والغالبية العظمى من المصريين والعرب، حين اتفقا على توزيع الميراث بيننا بالتساوي لتأخذ أختي مثلما أخذت أنا وأخواني الذكور. فكما كان يعاملها أبي في حياته، استمرت المعاملة الراقية بعد رحيله، كأخوة متساويين في الحقوق والواجبات بعيدا عن كونها أنثى ونحن ذكور، أي كإنسان كامل الأهلية.
ولا يمكن إنكار تحسن وضع المرأة خلال السنوات الماضية لكن مازالت هناك فوارق صارخة إلى يومنا هذا. في التاريخ الفرعوني تجاوزت المرأة المصرية هذه المكانة الهشة التي عليها الآن، حتى وصلت إلى درجة التقديس، كانوا يعرفون قدرها ومكانتها، ظهرت المرأة الإلهة إلى جانب الآلهة الذكور، بل إن آلهة الحكمة كانت في صورة امرأة، فـ إيزيس كانت رمزًا للوفاء والإخلاص .. ماعت كانت إلهة العدل .. حتحور إلهة الحب. شغلت المرأة الوظائف الدينية ودخلت في العديد من ميادين العمل المختلفة، وشاركت في جميع مناحي الحياة، وكانت تحضر مجالس الحكم حتى رفعت إلى عرش البلاد ومنهم كليوباترا وحتشبسوت وحتب أم الملك خوفو.
مع التمزق البطيء لستار الجهل أصبح للمرأة عيداً وللأم عيداً، نحن في حاجة ماسة إلى الاعتراف بحقوق المرأة ودمجها بصورة أفضل في المجتمع لنحصل على القدرة الكامنة المنتجة للنساء، لا بأس من أن ننطلق من مثل هذه المناسبات ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة للمرأة الأم والأخت والحبيبة.. على الرغم من أنني مازالت أتساءل: كيف نحتفل بالأم؟ عندما كنت صغيراً كنت أعتقد أنَ أمي “نصف إله” وأبي هو “النصف الثاني” .. كنت لا أعرف سواهما، اللذان يأتيان بكل شيء أريده لي ولإخوتي الأربعة .. وبمنطق العقل الطفولي، كيف يرضي الإنسان إلهه؟ كيف يرد له جزءا من عطائه؟ إنه أمر صعب أنَ ترد الجميل أو حتى جزء منه لمن كانوا سبباً في وجودك! يوم واحد .. سنة واحدة .. دهر كامل، لا يكفي.
حكايات كثيرة لأمهات ذقن المُر وتحملن صعاب يخشى منها معظم الذكور حتى وصلن بأولادهن إلى الأمان، فمثلا هل يكفي يوما للاحتفال بامرأة تركها زوجها لأي سبب فكافحت وحرمت نفسها وكرست حياتها من أجل أولادها حتى تراهم “أحسن الناس”؟ أنا ممن يرفضون فكرة اليوم الواحد، بل كل أيام العمر لا تكفي للاحتفال بالأم .. الأمهات الشمعة المقدسة التي تضيئ لنا عتمة الحياة.