تخيل معي، سيارات فورميولا بزئير محركاتها الجميل تجرى واحدة تلو الأخرى على ضفاف النيل بينما يجتمع الآلاف حول الحلبة يراقبون السباق في حماس!، قد يبدو حلما جميلا!، إلا أنه في يوم ما كان حقيقة، ذلك اليوم كان في 9 مارس من 1947 في عهد فاروق ملك مصر والسودان آنذاك، عندما قامت سيارات إيطالية بالدوران حول حلبة «الجزيرة» التي كان يحفها من اليمين نهر النيل العظيم ومن اليسار حدائق الزمالك.
وفي حضور 6 آلاف مشاهد على رأسهم الملك شخصيا شهد ذلك اليوم أول سباق فورميولا-1 مصرى – إن جاز التعبير، فقد سبقت Grand Prix سباقات الفورميولا – 1، حتى تمت تسميتها بهذا الاسم لاحقا – وأول سباق Grand Prix في الشرق الأوسط وإفريقيا وهو سباق El Gezira Grand Prix، في عام 1947 كانت أوروبا لا تزال تتعافى من الحرب العالمية وكل البنية التحتية لرياضة السيارات دمرتها الحروب.
ولم يكن في مقدور الأوروبيين صناعة سيارات جديدة بل اعتمدوا على تلك السيارات التي نجت من الحرب. في ذلك الوقت كان بيرو دوسو المتسابق الإيطالى يفكر بصورة ثورية عندما قرر بناء سيارات سباق بمقعد واحد وكان دوسو رجل أعمال ثريًا مهووسًا بالسيارات فما كان له سوى أن يلجأ للمصمم الإيطالى دانتى جاكوسا في عام 1944 لتصميم سيارة سباق بمحرك سريع يمكن شراؤها بسعر منخفض.
وكان جاكوسا في ذلك الوقت يعمل في فيات، ولكنه قام بتصميم D46 التي اعتمدت على تقنيات كثيرة من فيات في وقت فراغه ليبدأ بيعها في 1946. فكرة دوسو كانت صناعة سيارة واحدة يمكن قيادتها في الحلبات داخل المدن فيعتمد فوز المتسابق بشكل كامل على مهارته وليس مهارات السيارة أو الفريق.
لم يتوقف دوسو عند ذلك الحد فأنشأ شركة وفريق سباق باسم السيارة «سيسيطاليا» وكلف بييرو تاروفى الذي كان سائقا أيضا بإدارتهاوقرر أن يأخذ السباق أبعادا أخرى، فوضع عينه على مصر ليقيم بها سباقًا خاصًا لسيارات «سيسيطاليا» فقط، وبالطبع رحب الملك فاروق بتلك الفكرة بسبب حبه لسباق السيارات.
مثل أي سباق Grand Prix تكون سباق الجزيرة من مرحلتين، الأولى للتصفية حيث استطاعت عشر سيارات التأهل للسباق النهائى الذي كان مكونًا من 50 لفة لمسافة مجموعها 75 كم، وكان تاروفى في المقدمة في بداية السباق إلا أن عطلًا في سيارته أجبره على التوقف ما أعطى الفرصة للمتسابق الإيطالي كورتيسي أن يحصد الفوز ليتسلم كأسًا من الذهب الخالص أعلى المنصة من يدى الملك فاروق شخصيا.
وبالرغم من النجاح الذي حققه السباق إلا أن مصروفات نقل وإصلاح السيارات وضعت دوسو في موقف ضعيف أمام المستثمرين الآخرين في الشركة ولم يستطع أن يكمل الحلم بجعل سباق الجزيرة جزءًا من سلسلة السباقات العالمية، ولكنه لم يتوقف وهاجر إلى الأرجنتين باحثا عن فرصة جديدة تاركًا مصر التي لم تجد في ذلك الوقت قوة أو مهارة لتكرار التجربة أو التمسك بحلم سباق Grand Prix مصرى.