فيينا : مصطفى الجدايه : —
وجدت نفسي مندفعاً بذاكرتي إلى حجم البؤس الذي تعرض له ” جان فالجان” بطل رواية” البؤساء” لمؤلفها الكاتب الفرنسي الشهير ” فيكتور هوجو”، حينما راودتني فكرة الكتابة عن عيد الحب لهذا العام، والذي يصادف اليوم، وأدركت حينها بأن الحب ممكن أن يلتقي مع كل انواع النفس البشرية، إلا مع من أوصد بابه بوجه ذلك ورمى مفتاح قفله في عرض البحر.
رواية ” البؤساء” هذه لا زالت حتى اليوم, وربما ستبقى إلى الأبد, رواية عظيمة وعمل خارق في الأدب العالمي ( 1862), بالرغم من مضي أكثر من قرن ونصف من عمر الزمان عليها، حيث تدور فصولها باختصار، حول تعرض ” جان فالجان ” للسجن لمدة 19 سنة بسبب أنه تجرأ ومد يده إلى رغيف خبز نتيجة الجوع والعوز الذي كان يصاحب أخته وأطفالها السبعة، حيث كان وقتها يتولى رعايتهم, وعندما أطلق سراحه بعد كل هذه المدة التي جردته من كل معاني الإنسانية, بالاضافة الى قساوة القلب التي تركت اثرها على تصرفاته فيما بعد, وجعلت منه إنساناً حانقاً على المجتمع الذي لم يرحمه, ولم يرحم أخته وأطفالها، عاد بعدها لينسجم بالتدريج مع مكونات المجتمع متأثراً بشدة بأسقف مدينة ديني الذي أفاض عليه كما كان يفيض على كل الفقراء والمساكين من المحبة والتسامح والكرم, ومع توالي الأحداث والسنين مسرعة، وهي في غالبها كلها بؤس، يتعرف على ” كوزيت ” الفقيرة واليتيمة ويرعاها ويزوجها من حبيبها ” ماريوس “، بعد أن شبت وأصبحت منارة للجمال، وكان قبل ذلك قد غير اسمه إلى ” مسيو مادلين ” لإخفاء حقيقته، حيث أصبح من رجال الأعمال المحسنين، حتى وصل إلى منصب عمدة مدينة “مونتريو”.
وبعد أن اطمأن إلى مستقبل ” كوزيت وزوجها”، يوصيهما وهو على فراش الموت قائلاً لهما: ” الآن يجب أن اترككما يا طفلاي، أحبا أحدكما الآخر دائماً، ليس هناك من شيء آخر يهم في هذا العالم سوى الحب”. وينهي ” فيكتور هوجو” روايته الرائعة على لسان بطلها بعبارة “من الطبيعي ان يموت الانسان، لكن من الرهيب أن لا يعيش” أن يفكر شخص كان قد تعرض لكل أصناف القهر والعذاب بشيء يضفي سلاماً وطمأنينة على النفس وبايجابية، ويطلب من ” كوزيت وزوجها ” أن يعظما كل ما من شانه أن يدعم اواصر المحبة فيما بينهما، بل وذهب إلى أبعد من ذلك حين قال لهما “إن الحب أهم شيء في العالم”، هذا مع العلم بأنه تعرض للسجن مرة أخرى بالخطأ في سنين عمره المتقدمة, إن ذلك مما يدعو إلى الامل وعدم اليأس من الاستمرار في دعوة أولئك الذين لم يتذوقوا طعم الحب والمحبة في حياتهم بعد.
فالحب إذاً، هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص أو شيء ما، وهو نقيض البغض والحقد، فإشاعة السعادة بهذا اليوم على الأقل وإظهار المشاعر الإيجابية هو سلوكاً محبباً، وخاصة حينما يكون بدون انتظار المقابل، وهذا ما وصل إليه صاحبنا في روايته لصناعة الحب طرق مختلفة، فكيف بنا وقلوبنا تتعرض كل يوم للكثير من الإجهاد وما يرافق ذلك من ارتفاع لضغط الدم، ومستويات الكوليسترول، والسكر والوحدة والكابة ….. الخ والكل يلجأ إلى العلاجات الطبية للسيطرة على أعراضهما، فهل لنا أن نجرب في هذا اليوم على الأقل وصفة لتبادل الحب الصادق فيما بيننا؟, فلربما يستعذب البعض ممن لم يسبق لهم المرور بهذه التجربة الفريدة والغنية هذا الشعور وتستقيم حياته بعد ذلك… ولنجعل من قلوبنا قناديل تشيع الامل والتفاؤل والتسامح بدلا من الكراهية والبغضاء والظلامية فكما هزم الحب من قلب ” فالجان” المحطم, لكن المشبع بالانسانية كل أنواع البؤس والحقد وقساوة المجتمع وظلمه، فهل باستطاعتنا ايضاً أن نهزم نحن أيضاً كل ذلك من قلوبنا وإلى الأبد؟.
فليعذرني كل من يظن بأنني قد عكرت عليه صفو يومه هذا، ولكن الحقيقة بأن ” فيكتور هوجو” كان رومنسياً في قلبه ، وشاعراً رائعاً، فأراد أن يقول بإختصار ” أحبوا بعضكم البعض كي تتغلبوا على كل البؤس والمشكلات التي قد تتعرضون لها”.
يقول نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم:
” أحب لأخيك ما تحب لنفسك “
و يقول المسيح عليه السلام:
” عامل الآخرين بما تحب أن تعامل به”.
واخيراً أنهي بالمثل المجري
” لاتدع شيئاً يتعسك مادمت تستطيع الحب “.
مصطفى الجدايه