اعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي والباحث بمركز الأهرام عمار علي حسن، أن مشهد التفاف مشجعي المنتخب المصري حول نجلي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك مثّل صدمة كبيرة ودهشة للنظام الحالي.
وقال “حسن”، في مقاله بصحيفة “المصري اليوم” إن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان يتمني لو أنه في نفس المشهد بدلًا من أبناء مبارك لكن إعلام النظام وتخطيط أجهزة الأمن الخاضعة للنظام الحالي هي التي أكدت مراراً وتكراراً علي أن ثورة 25 يناير مؤامرة علي الوطن؛ ما تسبب في ظهور نجم الرئيس الأسبق ونجليه مرة أخرى بهذا الشكل.
وإلي نص المقال:
شرد خيالي لأتوقع رد فعل الرئيس عبد الفتاح السيسى على التفاف بعض الشباب حول جمال مبارك وأخيه علاء خلال وجودهما في الإستاد لمشاهدة مباراة كرة القدم بين مصر وتونس.
لابد أن حدقتي عيني السيسى قد اتسعتا دهشة، وتمتم بكلام غارق في المرارة , وربما تمنى لو كان هذا المشهد قد جرى معه هو شخصيا بعد ثلاثين شهرا من حكمه، أن يكون بين الناس هكذا، بلا حراسة، ويقبل عليه شباب غير أولئك الذين يحشدون إلى المؤتمرات التي يشرف عليها في شرم الشيخ.
ربما لا يدرك الرئيس السيسى أنه هو الذي صنع تلك اللقطة لجمال مبارك، فلولا أن الإعلام، وبتخطيط وإيعاز من أجهزة الأمن التي تخضع بالطبع لسلطة السيسى منذ أن قامت الثورة وهو مدير المخابرات الحربية، شن هذه الحملة العشواء على ثورة يناير، ليصورها على أنها “مؤامرة” و”صناعة أمريكية”، ولولا فشل سياسات الرئيس الحالي ما كان يمكن للشباب أن يجرفه حنين إلى زمن مبارك ونجله، مع أن الاثنين هما سبب ما نحن فيه من مشكلات ورثها المصريون بعد يناير، من فساد واستبداد وترهل إداري وانعدام كفاءة وغياب استراتيجة للدولة وهوان الدولة على جيرانها والعالم.
قد يكون من بين الذين تحلقوا حول جمال على هذا النحو بعض ممن يحبون التقاط الصور مع المشاهير، وما أكثر من يسعون إلى رفع صور كهذه على صفحاتهم وحساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، وقد يكون من بينهم الذين استفادوا من فساد نظام مبارك، لكن بالقطع من بينهم الذين فقدوا الأمل في السلطة الحالية، ومن يدركون أن حياتهم البائسة أيام مبارك صارت أشد بؤسا، وكذلك من أرادوا أن يرسلوا بتلك اللقطة صورة بليغة إلى السيسى آملين أن يتوقف عندها، ولا يتجاهل كعادته كل الإشارات والصور واللقطات والتقارير المنصفة التى تبين له أن شعبيته تتراجع، وأن الناس ينفضون من حوله، وأن الذين يهللون له اليوم من الإعلاميين هم أول من سيغادرونه سريعا ليهتفوا لمن ينتظرون قدومه، حتى لو كان جمال مبارك، أو أحمد شفيق أو أى أحد من زمانهما.
إن المصريين قد خرجوا بالملايين إلى الشوارع فى يناير طالبين التغيير، وحالمين بتحسن أحوالهم، بعد أن تعذر الإصلاح، بل بعد أن استهان بهم مبارك وأراد توريث الحكم لنجله، وتعامل مع الشعب على أنه قطيع لا رأى له فيما أراد أن يدبره.
وليس برهانا أنصع هنا من أن نقول إن سبعة مطالب كانت مرفوعة فى لافتات ميدان التحرير هى من أحد عشر مطلبا للمعارضة قدمتها فى مؤتمرها 1984 لكن نظام مبارك ماطل 27 سنة، حتى اتسع الخرق على الراتق، وزاد الظلم والفساد، فقامت 2500 مظاهرة واحتجاج واعتصام من 2004 إلى 2010 وانتهى الأمر بانفجار الناس.
إن يناير كانت ثورة تم التآمر عليها، ولم تكن مؤامرة فى ثوب ثورة، والإخوان ليسوا أصحابها إنما هم من أرادوا الركوب عليها واستغلالها فى تحقيق مشروع تمكينهم على حساب مطالب الشعب وسايروا ما تريده أمريكا وهو إيجاد حكم تابع لها، والسيسى يعلم هذه الحقيقة لكنه سار فى طريق مغايرة، وهو يظن أن قيادته للثورة المضادة، أو اتخاذه تدابير تؤدى إلى تعثر ثورة يناير هو الطريق المعبد أمامه للوصول إلى الحكم والاستمرار فيه، لكن ها هو الحبل الذى ظنت السلطة الحالية أنها ستشنق به الثورة يلف حول رقاب من يجلسون على كراسى الحكم.
والإعلاميون الذين يهللون للسيسى الآن، وينفذون أوامر تشويه يناير بـ «صندوق أسود» و«على مسؤولية المخبر الكبير» وبـ«ملف التفافى» وغيرها، هم أول من سيتخلون عنه، ويقدحون فيه، إن لاحت فى الأفق نهاية نظامه، ليسبحوا بحمد السيد الجديد، ووقتها سيفرجون للشعب عن أسرار، يتساءل حولها الناس الآن، وتقودهم قرائحهم إلى تخمين الكثير منها.
وصدق الله العظيم الذى قال «اسْتِكْبَارًا فِى الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيْقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلا بَأَهْلِه فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا».
من العبارات الراسية فى عقلى، ومحفورة فى وجدانى تلك التى ذكرها الدكتور جلال أمين فى كتابه «شخصيات لها تاريخ» وتقول: «تحتاج النظم الشمولية فى الترويج لقراراتها إلى خدمات عدد من المثقفين، يجملون هذه القرارات فى أعين الناس مهما كانت درجة قبحها، أو على الأقل يحدثون درجة من الجلبة والضوضاء والتهليل لهذه القرارات يستقر معها فى أذهان الناس أنها تتمتع برضا الجميع.. لكن هؤلاء المثقفين أو المصفقين أشكال وأنواع، وهم متفاوتو القدرات والكفاءات تفاوتا عظيما، ولكل منهم دوره وجمهوره، الذى يعتبر المثقف موكولا به، ومسؤولا عنه»، ثم يشير إلى واحد من هؤلاء ويقول: «كان رجلا ذكيا وجريئا، ولكنه للأسف استخدم ذكاءه وجرأته، فى مواقف كثيرة من مواقفه، بما يتعارض مع مصلحة أمته، ونحن لذلك نطلب له من الله المغفرة، ولكن لا يجوز أن نطالب الناس، أو نطالب أنفسنا بالنسيان».
وهناك دراسة بديعة لجوليان بندا عنوانها «خيانة المثقفين» شن فيها هجوما لاذعا على المثقف الذى يتخلى عن رسالته، ويفرط فى مبادئه، ورأى فى ثناياها أن المثقف الحقيقى هو الذى ينحاز دوما إلى المعايير الخالدة للحق والعدل، ويكون دوما صادقا مع نفسه، مدفوعا بفعل المشاعر الفياضة، والمبادئ السامية إلى فضح الفساد، والدفاع عن الضعفاء، وتحدى السلطة الغاشمة.
إننى أتوقف مليا أمام قصيدة رائعة لكنها مؤلمة للشاعر الكبير حسن توفيق عنوانها «المناضلون» يقول فيها: «فى غرفة أنيقة/ مبنية جدرانها من النفاق والدجل/ وبابها منفتح لمن يرى الحقيقة/ لكنه يدوسها ويرتمى بلا خجل/ على المقاعد المريحة/ ممددا ساقيه حين يبدأ الكلام/ مدخنا سيجارة تلهمه الرؤى الفصيحة/ تلهمه الختام…. يا ضيعة الحقيقة/ طائفة من اللصوص والمهرجين/ تحترف الحديث عن قضايا الكادحين/ فى غرفة أنيقة».
تلقيت فى يوم واحد خبرين سعيدين، إذ أخبرنى الأستاذ الدكتور عبدالناصر هلال رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة حلوان، وصاحب أهم الصالونات الثقافية فى مصر الآن، بقيام الباحث معتز محمود بتسجيل رسالة ماجستير تحت إشرافه والأستاذ الدكتور عبدالله عبدالحليم عميد الكلية بعنوان «جدل الذات والعالم فى روايات عمار على حسن».
وقبل هذا بساعات أخبرنى الباحث عيد خليفة بانتهائه من إجراءات مناقشة رسالة للماجستير أيضا فى كلية اللغة العربية بجرجا، جامعة الأزهر بعنوان «الواقعية السحرية فى روايات عمار على حسن: دراسة تحليلية فنية» تحت إشراف الدكتور عصمت رضوان أستاذ الأدب المقارن ومعه الدكتور أحمد لطفى السيد المدرس بالكلية.
وهناك رسالتان أخريان، الأولى حول المكان فى رواياتى، بجامعة الإسكندرية، و«البناء الفنى فى قصصى القصيرة بجامعة الأزهر، علاوة على رسالتين واحدة فى إيران عن الواقعية السحرية فى روايتى شجرة العابد، والثانية فى جامعة جزائرية عن الخطاب الصوفى فى الرواية نفسها».
أسعدتنى بالقطع هذه الأخبار، ليس على المستوى الشخصى فحسب، بل على مستوى أعم من هذا بكثير، وهو انطلاق الجامعات المصرية فى السماح لباحثى الدراسات العليا بتسجيل أطروحات علمية عن الإنتاج الأدبى لأشخاص على قيد الحياة، وهو ما كانت ترفضه أغلب الكليات سابقا، بدعوى أن مشاريعهم الأدبية لم تكتمل بعد، ويجب انتظار موتهم ليحدث هذا، مع استثناءات قليلة حدثت من كبار الأدباء مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويحيى حقى، لكن فى حذر وعلى فترات متقطعة.