* تميم قرر تطبيق الخدمة العسكرية الإلزامية فى مارس 2013
* اللواء مبارك الكميت يصرخ: نعانى نقص الرجال ونسعى لتجنيد الفتيات
* الجيش بأكمله يتكون من 8,500 شخص و30 دبابة من طراز «AMX-30» غير صالحة للاستعمال
*70% من أفراد القوات يحملون جنسيات سودانية وباكستانية وأفغانية
* حجم الجيش الضئيل والهزيل جعل الشعب القطرى يوافق على الذل والخضوع للحماية الأمريكية
* لماذا دفعت موزة مليار دولار لبناء قاعدة أمريكية فى الدوحة؟!
ما أسهل السخرية من الفيلم الوثائقى الحقير الذى انتقدت فيه «جزيرة موزة» نظام التجنيد الإلزامى فى القوات المسلحة المصرية.
كما سبق أن سخر العالم كله وكاد ينفجر من الضحك، بعد إعلان وزير الخارجية القطرى، خالد العطية، إمكانية تدخل بلاده عسكرياً فى سوريا!
غير أن الأهم من السخرية والتنكيت، هو تأمل كيف أوصلنا استهتار وغباء بعض من تولوا الحكم فى دويلات لا تستحق الذكر إلى تعاظم نفوذ القوات الأمريكية فى المنطقة العربية، بالصورة التى جعلتها تحتل مناطق واسعة بشكل مباشر أو غير مباشر.
وما من شك فى أن قطر هى الأيدى القذرة التى تستخدمها الولايات المتحدة للعبث بمقدرات المنطقة، وعلى من لا يصدق أن ينظر إلى القواعد العسكرية الأمريكية التى تحتل ثلثى مساحة قطر واقعياً وتحتل الإمارة بالكامل فعلياً.
وقبل أن نفعل ذلك، نشير إلى حالة الفصام التى تعانى منها «جزيرة موزة» والتى جعلتها تتغافل أو تتجاهل أن الدويلة التى تنطلق منها بدأت تطبيق نظام الخدمة العسكرية الإلزامية بموجب قانون أصدره تميم بن حمد آل ثانى فى 11 مارس عام 2013.
ووقتها ذكرت وكالة الأنباء القطرية أن وزير الدولة لشئون الدفاع أعلن إطلاق مشروع التجنيد الإلزامى، موضحاً أن حاكم الدويلة كلفهم بدراسته منذ سبع سنوات، ومضيفاً: سعينا جاهدين لكى نلبى هذا المطلب لسموه؛ لأنه يخدم المجتمع القطرى ويساهم فى بناء المجتمع، واستطعنا أن نحقق الهدف مع بداية الدورة الأولى من الخدمة الوطنية ونتمنى للمجندين التوفيق وأن يكونوا نواة للمستقبل فى قطر».
وفى أبريل 2014، بدأ بالفعل تطبيق النظام الذى يلزم كل قطرى أتمّ 18 عاماً بأداء الخدمة العسكرية.
والمثير للسخرية، هو أن قطر تتعامل مع الانتماء إلى قواتها المسلحة باعتباره «وظيفة عادية»، حيث تنشر إعلانات عن حاجتها لشغل وظائف عسكرية فى الأفرع الموجودة بالجيش.
كما تعلن عن وجود وظائف خالية داخل الأفرع المختلفة للقوات المسلحة القطرية؛ كالأطباء والإداريين ومسئولى العلاقات العامة ومهندسين وفنيى اتصال وإلكترونيات.
ما يثير السخرية أكثر وربما الشفقة هو أن اللواء مبارك محمد الكميت الخيارين، رئيس لجنة الخدمة الوطنية فى الجيش القطرى، كان قد صرح للموقع الإلكترونى لـ«جزيرة موزة» بأنهم يدرسون مشاركة الفتيات القطريات فى الخدمة الوطنية بسبب نقص الذكور!
لن نلفت نظر «جزيرة موزة» إلى أن الدويلة تحتمى بجيش من المرتزقة من الباكستانيين والسودانيين وأفراد مقاتلين غير نظاميين من كولومبيا وكوريا الجنوبية وفرقة بلاك ووتر.
ولا إلى أن مهمة هؤلاء الأولى هى حماية بعض المنشآت فى البلاد، بينما مهمة الدفاع عن البلاد نفسها متروكة للأمريكيين وقواعدهم العسكرية التى تحتل غالبية مساحة الدويلة.
لن نلفت النظر إلى ذلك، كما لن نسخر كما سخر آخرون، وسنقوم معاً بالتقليب فى عدد من التقارير والدراسات وأبرزها سلسلة التقارير التى أصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية استعرض فيها القدرات العسكرية لمجموعة من دول الشرق الأوسط بما فيها إيران والمملكة العربية السعودية، والعراق، والإمارات والكويت واليمن وعمان والبحرين، وقطر.
فى تقرير منها تناول أنتونى كوردسمان وخالد الروحان القوات المسلحة القطرية التى شهدت السنوات الماضية بحسب التقرير ارتفاعاً فى التعاون بينها وبين الولايات المتحدة فى مجال الدفاع.
وبين أهم ما أوضحه تقرير كوردسمان والروحان هو أن 70% من أفراد القوات القطرية أجانب لا يحملون الجنسية القطرية، حيث إن عدد الرجال القطريين البالغين من العمر 18 عاماً لا يتعدى الـ7,800، ولذا يعتمد الجيش القطرى على الكثير من الأجانب غير المحترفين، وإن تتغير القوانين القطرية باستمرار حول أحقية الأجانب فى الخدمة بالقوات القطرية المسلحة. وأوضح التقرير أن القوات القطرية تتكون من حوالى 8,500 فرد، وتشمل القطاعات الآتية: القوات البرية الأميرية القطرية والقوات البحرية الأميرية القطرية، والقوات الجوية الأميرية القطرية.
وأشار التقرير إلى أن الجيش القطرى يتكون من 8,500 فرد وذلك يعد حجماً ضئيلاً بالنسبة لحجم الجيوش الأخرى بمنطقة الخليج.
وأوضح كاتبا التقرير أن قطر تتمتع بحماية أمريكية بحكم تواجد قواعد القوات الأمريكية داخل البلاد. أما عن المعدات العسكرية، فنجد أن موارد الجيش الآلية متواضعة الحجم وفى بعض الأحيان محدودة الجودة، فعلى سبيل المثال كل الدبابات التى تمتلكها القوات القطرية (30 دبابة من طراز AMX-30) تعتبر «غير صالحة للاستعمال».. وتستنتج الدراسة أن الجيش القطرى غير قادر على مواجهة أية قوة عسكرية بالمنطقة!
وأوضح التقرير أن سلاح الطيران القطرى لم يمر بتغيرات ملحوظة منذ بداية التسعينيات، باستثناء زيادة فى عدد طائرات النقل.
وذكر التقرير أن تدريب طيارى السلاح الجوى يؤهلهم للقيام بمهمات بسيطة ولكن سلاح الطيران ليس مجهزاً للقيام بأنشطة عسكرية جادة بدون مساعدات خارجية.
أما القوات البحرية القطرية، فيقول التقرير إنها تتكون من 1,800 فرد بما يتضمن رجال الشرطة البحرية والعاملين بوحدات الدفاع الساحلى. وتلعب هذه القوات دوراً كبيراً فى تأمين الممرات المائية التى تعتمد عليها قطر لتصدير النفط والموارد الأخرى. ولدى قطر ما يقرب من 35 زورقاً وقارباً سريعاً مجهزة بقدرة صاروخية بسيطة.
وأوضح باحثا مركز الدراسات الاستراتيجية والعالمية أن الموارد البشرية فى القوات البحرية زادت بـ1,100 فرد منذ عام 1990. وبناء على الإحصائيات المطروحة يقدر التقرير أن القوات البحرية القطرية تتمتع بمؤهلات محدودة لخوض معارك جادة!
وأنتونى كوردسمان يُعد نموذجاً لمفكر سياسى استراتيجى مُحنكٌ له خبرة سياسية أَهَّلَتْهُ لأن يكون مصدراً معلوماتيّاً قويّاً لعديد من القضايا التى يناقشها.
ويشغل كوردسمان مرتبة أستاذ كرسى أرليج بورك فى الشئون الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. إلى جانب عمله محللاً عسكريّاً لشبكة أخبار (إيه.بى.سى). وقد برزت تحليلاته إبان حرب الخليج 1990/1991، وعمليات ثعلب الصحراء، والصراع فى البوسنة، والصومال، وكوسوفو، والحرب فى أفغانستان، والحرب الأخيرة فى العراق.
كما شَغل كوردسمان عديداً من المناصب العليا بوزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ووزارة الطاقة، ووكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتطورة. كما شغل منصب المساعد المدنى لنائب وزير الدفاع، ومدير التقييم المخابراتى للدفاع، وممثل وزير الدفاع فى مجموعة عمل الشرق الأوسط. وعمل مساعداً للأمن القومى للسيناتور جون ماكين (مرشح الحزب الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية 2008)، بلجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ.
فى تقرير بعنوان «الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط الكبير»، أشار كوردسمان إلى ستة تَحديات تواجه الولايات المتحدة الأمريكية فى الشرق الأوسط، تتمثل فى إمكانية تصدير الطاقة والأمن. وتسوية الوضع العسكرى فى العراق والخليج. وقرار كيفية التعامل مع الانتشار النووى الإيرانى، ونمو إمكانات الحرب اللامتماثلة، واستخدام التفويضات. وغياب الآمال فى عملية السلام بين العرب وإسرائيل، واحتمالات الصدامات العسكرية فى لبنان وبين إسرائيل والفلسطينيين وسوريا. والتأثير الكبير لحركات التطرف الإسلامى السلفى، وانتشار نفوذ القاعدة داخل وخارج المنطقة. والتعامل مع الحرب فى أفغانستان، واحتمال زعزعة استقرار باكستان النووية، وتأثيره فى عدم الانتشار النووى والتطرف الإسلامى فى الشرق الأوسط.
وتحت عنوان «إعادة النظر للعلاقات الاستراتيجية الأمريكية: التعاون الأمنى فى الشرق الأوسط»، أشار إلى أن التعاون الأمنى فى الشرق الأوسط معقد للغاية، وأنه يتطلب إجراء تغييرات رئيسية فى الطرائق التى تنفذ بها الولايات المتحدة وحلفاؤها وأصدقاؤها مخططات قواتهم الأمنية. لمواجهة المشكلات التى تعترض المنطقة مثل مقاومة الإرهاب، ومقاومة التمرد، والحرب اللامتماثلة.
ويؤكد كوردسمان على أن منطقة الخليج ذات أهمية كبيرة بالنسبة للأمن القومى والمصالح الأمريكية. ولذا أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لابد أن تعمل على عدم التفرقة بين إسرائيل وحلفائها العرب حتى لا تدفع بذلك إلى تهديد مصالحها الوطنية. وأن واشنطن لن تستطيع تحقيق أمن الخليج دون مساعدة حلفائها. ذلك ما أوضحه فى مقال معنون بـ«أسلحة الحماية الشاملة».
وفى تقرير بعنوان «عروض مبيعات الأسلحة للخليج: ورقة خلفية»، أشار إلى أن كلاّ من دول الخليج العربى وإسرائيل يرون أن إيران تمثل تهديداً حقيقيّاً. ويشير إلى أن صفقات الأسلحة الأمريكية المقترحة تركز على احتياجات دول الخليج. وأنها تأخذ فى اعتبارها احتياج إسرائيل للاحتفاظ بهامش تفوقها النسبى أمام أى هجوم من جيرانها. كما أشار إلى التفاصيل الكاملة عن مقترحات عروض بيع الأسلحة لم تعرض بعد، لكنَّ هناك عروض بيع رئيسية تم الإعلان عنها.
2
الأهم من السخرية والتنكيت، كما قلنا، هو تأمل كيف أوصلنا استهتار وغباء بعض من تولوا الحكم فى دويلات لا تستحق الذكر إلى تعاظم نفوذ القوات الأمريكية فى المنطقة العربية، بالصورة التى جعلتها تحتل مناطق واسعة بشكل مباشر أو غير مباشر. إذ إن حجم الجيش القطرى، الضئيل والهزيل هو الذى دفع الشعب القطرى لابتلاع الذل والقبول بأن يتمتع بحماية أمريكية وأن يتم احتلال بلاده بقواعد القوات الأمريكية. وأن يقف موقف المتفرج وهو يرى من يحكمونه يسلمون مفاتيح بلدهم وينفقون ثرواتهم على أكبر قاعدتين عسكريتين لأمريكا فى العالم، قاعدة العديد وقاعدة السيلية، والتى طبقاً لما ورد فى تقرير للكونجرس الأمريكى دفعت قطر أكثر من مليار دولار لبناء قاعدة العديد جنوب غرب الدوحة فى تسعينيات القرن الماضى خلال فترة حكم الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، حيث لم يكن لدى قطر سلاح جوى فى تلك الفترة، وحصل مهندسو الجيش الأمريكى على أكثر من 100 مليون دولار فى عقود بناء المنشآت الجوية العسكرية لبناء أماكن للطائرات الأمريكية، ومرافق السكن والخدمات.. ولإنشاء القواعد الأمريكية فى قطر قصة وجذور، فهى لم تنشأ من فراغ بل مثلت نقطة التقاء مصالح أمريكية-قطرية.
«لن نضع قواتنا فى أماكن لا يتم الترحيب فيها بنا».
بهذه الكلمات أجاب وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد على سؤال وجه إليه بخصوص مستقبل القواعد العسكرية الأمريكية فى منطقة الخليج وفى المملكة العربية السعودية خاصة..وقد كان لدخول القوات الأمريكية إلى بغداد تداعيات كبيرة تشهدها وستشهدها المنطقة العربية، لعل أخف هذه التداعيات هو مستقبل الوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج.
فبعد دخول القوات الأمريكية إلى بغداد كشفت صحف أمريكية عديدة عن نية الإدارة الأمريكية إنشاء قواعد عسكرية دائمة أو طويلة الأمد فى العراق وهو الأمر الذى نفاه رامسفيلد. وبعد هذه الأنباء صرح رامسفيلد عن سعى أمريكا لسحب قواتها من السعودية ونقلها إلى قطر الأمر الذى سيؤدى بلا شك إلى تغيير شكل الوجود الأمريكى فى الخليج ومما لا شك فيه أثره كذلك.
قبل عدة أشهر من حرب العراق كتب صحفى أمريكى بارز مقالاً فى مجلة “اتلانتيك” أوضح فيه أن أحد أهداف حرب العراق هو إعادة توزيع القواعد الأمريكية المتواجدة فى الخليج والمنطقة العربية.
وأشار إلى أن توزيع القواعد الأمريكية لما وراء البحار الذى عززت به الولايات المتحدة وضعيتها خلال الحرب الباردة لم يأتِ نتيجة تخطيط بقدر ما كان قائماً على ما صادف أن وصلت إليه قوات الحلفاء عندما انتهت الحرب العالمية الثانية وتوابعها؛ فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها تتمتع بحق إقامة القواعد فى ألمانيا الغربية واليابان وكوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط وغيرها.
ثم أشار أيضاً إلى أن مثل هذا السيناريو -لكن بغموض معين- يمكن أن يعقب حرب العراق.
وأوضح كذلك أن العراق يعتبر المكان الأكثر منطقية لإعادة تكوين تمركز القواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط فى القرن الحادى والعشرين، ولا يرجع هذا الاستنتاج إلى النزعة الإمبريالية إنما من نقيضها، ووفقاً لتصريحات محللين ومسئولين أمريكيين فإنه نتيجة لإدراك أنه ليس القواعد الأمريكية فى المملكة العربية السعودية وحدها تواجه مستقبلاً قاتماً، إنما كذلك الشرق الأوسط عموماً يقف على عتبة مرحلة انتقالية خطيرة ستؤدى إلى إضعاف النفوذ الأمريكى فى أماكن كثيرة منه.
ورأى كثير من المحللين الأمريكيين أن هناك سببين رئيسيين لإعادة توزيع القوات الأمريكية وإخراجها من السعودية، الأول هو الرفض الشعبى والإسلامى لوجود هذه القوات فى قلب المملكة العربية السعودية التى تضطلع “أى المملكة” بحماية الأماكن المقدسة. والسبب الثانى: القضية الفلسطينية وهيمنة الإسرائيليين على ثلاثة ملايين فلسطينى فى الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبهذا الشكل، كانت قطر هى أفضل بديل مناسب للقوات الأمريكية فى الخليج، حيث الترحيب الرسمى منقطع النظير، أما على المستوى الشعبى فأهم ما يميز قطر كقاعدة أمريكية هو ضعف التأثير والغضب الشعبى، وهو ما أشار إليه كينيث بولاك المحلل العسكرى السابق فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى كتاب عنوانه «نذر العاصفة الوشيكة»، والذى أكد فيه أن شعوب دول الخليج مستاءة بشكل عام من وجود القوات الأمريكية باستثناء قطر!
عملية إعادة ترتيب أوضاع القوات الأمريكية فى الخليج اعتمدت على مبدأ كان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد قد بدأ بطرحه قبل وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 بشأن إعادة تنظيم أوضاع القوات الأمريكية العاملة خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
ووقتها، كانت هناك مناقشات بشأن تخفيض أعداد القوات الأمريكية فى شرق آسيا، وسحب القوة الأمريكية المشاركة فى عملية حفظ السلام «MFO» فى شبه جزيرة سيناء، إلا أن عقبات مختلفة حالت دون ذلك.
لكن تطبيق هذا المبدأ حالياً فى الخليج يرتبط إضافة إلى خلفيته السابقة بحقائق ما بعد الحرب على العراق فى ظل قدرة غير محدودة لرامسفيلد على تحويل تصوراته إلى واقع، فالعراق الذى كان مصدر التهديد الرئيسى لمصالح الولايات المتحدة فى الخليج قد انتهى اليوم بحيث أصبحت المنطقة حسب تصريحاته أكثر أمناً.
ولذلك بدا من التصريحات الصادرة عن المسئولين فى البنتاجون والتى تزامنت مع بداية عملية ترتيب أوضاع القوات فعلياً أن التفكير يتجه نحو «عملية شاملة» تتضمن ثلاثة اتجاهات فرعية هى تقليص حجم الوجود العسكرى الأمريكى. وإعادة نشر (تمركز) القوات التى سيتم الإبقاء عليها. وإعادة هيكلة التشكيلات العسكرية العاملة فى المنطقة خلال الفترة القادمة.
بالنسبة للحجم، كان هناك إدراك دائم لدى المسئولين الأمريكيين بوجود تناقض كبير بهذا الشأن فى الخليج. فهناك حساسية من جانب بعض الدول كالسعودية بشأن «التواجد كبير الحجم» للقوات الأمريكية بها، أو بصورة أدق «الظهور الواضح» لها على نحو أدى إلى نشرها فى قواعد منعزلة نسبياً، والحد من الاحتكاك بالمواطنين.
فى المقابل، يؤدى تقليص حجم القوات الأمريكية إلى بروز قلق لدى بعض الدول إزاء مدى الالتزام الأمريكى تجاه أمنها، فى ظل وجود تصورات مختلفة لدى بعض العواصم الخليجية بشأن «مصادر تهديد» أمنها الخاص، فقطر الصغرى تخشى جارتها الكبرى السعودية، والكويت تخشى من عدوها اللدود العراق، والإمارات تخشى من الأطماع الإيرانية، والبحرين تخشى من قلاقل الشيعة.
مسألة إعادة نشر أو تمركز القوات الأمريكية بقدر أكبر من الوضوح، فعلى الرغم من أن الجنرال تومى فرانكس يشير إلى أنها لا تزال قيد الدراسة فيما يتعلق باختيار «الأماكن» التى تحقق أقصى عائد عسكرى، فإن التصريحات غير الرسمية الصادرة عن مسئولى البنتاجون بشأن معايير نشر القوات تشير إلى محددات واضحة لذلك أهمها مستوى المشاعر المعادية للولايات المتحدة الأمريكية فى الدول المستضيفة. ومدى سماح «الدول المستضيفة» بحرية حركة القوات البرية والجوية فى استخدامها لأراضيها. وحجم الاستثمارات المالية العسكرية التى تم إنفاقها فى كل موقع. والأهمية «الجيوسياسية» للدولة المضيفة.
وقد أوضحت التفاعلات التى أحاطت بعملية نقل مركز العمليات الجوية التابع للقيادة المركزية من السعودية إلى قطر أهمية تلك المعايير فى تحديد اتجاهات رياح نشر القوات، كما هو واضح فى مسألة المشاعر الداخلية المعادية، والسماح باستخدام القواعد فى العمليات الحربية، فى الوقت الذى يتم التجاوز فيه عن بعضها، كالإنفاق المالى فى ظل وجود تصور أمريكى بأن قاعدة «العديد» فى قطر أكثر ملاءمة من الناحية السياسية على المدى الطويل، مع أهمية المعيار الأخير فى استكشاف اتجاهات التفكير فى البنتاجون بشأن «عمل القوات» فى المستقبل.
فاتجاهات إعادة نشر القوات فى اتجاه الكويت والعراق تشير بوضوح إلى الاقتراب من إيران وسوريا، ولو عبر الاحتفاظ بقوة قريبة تتيح خياراً عسكرياً نظرياً يعمل طوال الوقت لدعم الضغوط السياسية العنيفة ضد الدولتين مع ضبط الأمور بين دول الخليج ذاتها.
ولا توجد فى هذا السياق اتجاهات شديدة التحديد بشأن إعادة هيكلة القوات فى الخليج، لكن خبرة الحرب وتقارير البنتاجون، والتصريحات القليلة الصادرة، تشير إلى احتمالات حدوث عملية خفض واسعة النطاق فى عدد «القوات غير المقاتلة» العاملة ضمن أفرع الوحدات المختلفة خاصة أن حجم «المتعاقدين الفنيين»، وهم من المدنيين أساساً يصل إلى ما بين 25 و30% من قوة الجيش الأمريكى.
لكن المسألة برمتها لا تبدأ وتنتهى عند جوانبها العسكرية، فمع تحول خريطة الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة تحولت المعادلات الحاكمة لشكل العلاقات والتحالفات الاستراتيجية الأمريكية فيها. وعلى الرغم من الحرص الشديد الذى أحاط بالتصريحات الأمريكية-السعودية خلال عملية إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى فى قاعدة الأمير سلطان الجوية والذى تم -حسب ما قيل- باتفاق الجانبين بفعل عدم وجود حاجة لبقاء القوات لم يتمكن الطرفان من إخفاء أن ما حدث «شىء كبير» بصورة اعتبرها البعض مؤشراً على تصدع العلاقات بين البلدين
3
هكذا، تحولت الدويلة إلى كيان محتل يقدم خدماته الأمنية والعسكرية والإعلامية ويمارس أبشع أنواع السمسرة والوساطات السياسية القذرة ويبدد ثروات الشعب القطرى فى استثمارات وصفقات لا هدف لها غير ضمان رضا المحتل عن رجال ونساء الدويلة الصغيرة. بل ووصل الأمر حد أن تجاهر الدويلة وتفاخر بتقديم خدماتها للولايات المتحدة وإسرائيل وقيامها بمنح تنظيم الإخوان والمجموعات التكفيرية المسلحة التابعة لها خدمات إعلامية ودعاية ضخمة تخطت كل حدود الصفقات المتعارف عليها. وقامت بتحويل «جزيرة موزة» إلى ماكينة دعاية ضخمة تعمل لصالح قادة تنظيم الإخوان الدولى والمجموعات الإرهابية المسلحة، وأياً كان الأمر فالدور المرسوم لقطر يجعل من هذه المشيخة منطلقاً لمغامرين شواذ يمارسون لعبة خطرة بين الكبار وذلك من أجل حماية مكاسبهم التى حصلوا عليها بعد أن استولوا على البلاد.
ولا نكشف سراً لو قلنا إن تفاصيل تلك الصفقة شبه معلنة!!.. وسبق أن تساءل البعض فى الولايات المتحدة، خلال الأيام التى سبقت زيارة تميم: «لماذا يلتقى أوباما بزعيم دولة تدعم الإرهابيين». وقاموا وقتها بالتحذير من أن مليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة الأمريكية لقطر قد تمكن الدولة الخليجية من دعم التنظيمات الإرهابية البارزة وحلفائها، وفقا لخطاب إلى الإدارة تم توزيعه فى الكابيتول. وهو الخطاب الذى قال بوضوح إن قطر، كبرى حلفاء أمريكا العسكريين فى الشرق الأوسط، تمول وتقدم ملجأ لعدد متزايد من الجماعات الإرهابية ومن بينهم داعش.
الخطاب الذى قام بتوزيعه النائب الجمهورى دوج لامبورن، العضو فى لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب، وصف قطر بأنها الملاذ الآمن فى العالم للجماعات الإرهابية وقادة الميليشيات، ويحث المسئولين الأمريكيين على إعادة تقييم وتقدير التحالف العسكرى معها والذى يقدر بمليارات الدولارات.
وجاء فى الخطاب الموجه إلى وزير الدفاع الأمريكى الجديد آشتون كارتر أن «البصمة العسكرية الأمريكية فى قطر قد تمكن نظام آل ثان من تقديم أراضيه كمركز لجمع الأموال للإرهابيين فى المنطقة.. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية تنامى قطر كمحور عام للعملاء الإرهابيين ولتمويل الإرهاب».
وأشار الخطاب إلى أن حكومة الدوحة تغض الطرف عن جمع التمويل الإرهابى للقاعدة وداعش، كما أنها مولت بنشاط ودعمت، على الأقل حتى وقت قريب، حركة حماس، المصنفة إرهابية فى الولايات المتحدة، وهى العلاقة التى قال عنها الخطاب إن الدوحة أجبرت على مراجعتها بعد زيادة الضغوط من دول الخليج وليس الولايات المتحدة.
وهناك أيضاً أدلة كثيرة ومؤكدة على أن قطر قد سلحت بشكل مباشر أو مولت عدة جماعات إسلامية فى المنطقة بما يقوض الأهداف الأمريكية فى دول حيوية مثل مصر وليبيا وسوريا بدفع تلك المناطق نحو التطرف العنيف، وفقاً لما ورد بالخطاب، الذى أضاف أن قادة بارزين بجماعة الإخوان المسلمين وطالبان قد وجدوا ملاذاً آمنا فى قطر، حيث كان لهم الحرية فى تنسيق الأنشطة المتطرفة، وفى بعض الأحيان الإرهابية، فى المنطقة دون تدخل. ومضى الخطاب قائلاً: إن اعتماد الولايات المتحدة على دعم قطر، والقاعدة العسكرية الموجودة بها قد جرأ القطريين على الاعتقاد أن بإمكانهم أن يقوضوا ويضروا بالمصالح والجهود الأمريكية فى المنطقة دون عواقب، ولا يجب أن تكون المصالح الاستراتيجية الأمريكية قيد الأسر.
إنها حالة تثير الاشمئزاز وتدعو للشفقة على الشعب القطرى الذى نتمنى له أن يتحرر من الاحتلال الأمريكى الذى أوكل شئون الدويلة لـ«موزة» وخدمها!!
القاهرة – ياسر بركات