اجماع على تأكيد حقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف
ودولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس وسلام حقيقي بالشرق الأوسط
الصحفى حسين عون (الأمم المتحدة-فيينا في 29 نوفمبر/تشرين ثاني/2008)
أقامت اللجنة الدولية المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، والمنبثقة عن الأمم المتحدة احتفالاً كبيراً بمقر الأمم المتحدة في فيينا الليلة الماضية، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني حضره سفراء الدول العربية والأسلامية والأوروبية وعدد من كبار موظفي المنظمات الدولية وحشد من أبناء الجالية العربية والفلسطينية. وقد ترأست الاحتفال السيدة نورما غويغوشيا إستينوز سفيرة كوبا لدى النمسا ورئيسة البعثة الكوبية الدائمة لدى الأمم المتحدة، والتي تترأس بلادها الدورة الحالية لمجموعة دول حركة عدم الانحياز.
وبعد الوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح الضحايا الأبرياء الذين قضوا منذ بدء نكبة فلسطين في العام 1948، تلا مدير مكتب الأمم المتحدة في فيينا رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي/مون، الذي أكد أن “السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية هو اقرار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي طليعتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقبلة فلسطين وتعيش بأمن وسلام جنباً إلى جنب إسرائيل، وذلك تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ذات الصلة”.
واعترف بان كي/مون أن “ملايين الفلسطينيين، وخصوصاً الذين ما زالوا يعيشون في المخيمات سواء في الداخل أو في الدول العربية المضيفة وهي الأردن وسورية ولبنان، في ظروف مأساوية، ومحرومون من حقوقهم في الحياة الحرة الكريمة منذ وقوع نكبة فلسطين قبل ستين عاما”. وعبر الأمين العام للأمم المتحدة عن “الأسف البالغ” لأن توصيات مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط الذي استضافته الولايات المتحدة في مثل هذا الوقت من العام 2007، والتي تعهدت بقيام دولة فلسطينية مستقلة في موعد أقصاه قبل نهاية العام 2008، لم يتّم تطبيقها حتى الآن، وحتى أنه لم يتّم احرا التقدم المنشود في المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي”. ولكن بان كي/مون استدرك وأشار إلى ما وصفه بـ “التقدم الطفيف” الذي تحقق وتمثل في استمرار عقد اللقاءات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت خلال العام الحالي.
وشدّد الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة التضامن مع الشعب الفلسطيني، على ضرورة “تسوية كافة المسائل العالقة، والتي ما تزال تعرقل احراز التقدم المطلوب في القضايا الأساسية، خلال المفاوضات بين ممثلي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وفي طليعتها تحديد مصير القدس والحدود النهائية للدولتين، ومصير اللاجئين والمستوطنات. وشجب ما وصفها بـ “دوامة العنف” المتواصلة، والتي يذهب ضحيتها العديد من المواطنين الأبريا من الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، حسب تعبيره. ودعا بان كي/مون إسرائيل إلى وقف جميع اجراءاتها التعسفية وفي طليعتها وقف بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وعمليات التهويد التي تعتبر باطلة بموجب قرارات الأمم المتحدة والجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية.
كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة، إسرائيل بضرورة إنهاء الحصار الذي تفرضه قواتها على قطاع غزّة، والمبادرة إلى فتح جميع المعابر وتسهيل دخول المواد الطبية والمساعدات الغذائية، مشيراً إلى أن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية والاقتصادية بشكل خطير في قطاع غزّة يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان الفسطيني وكرامته. وفي نفس الوقت شجب بان كي/مون عمليات إطلاق الصواريخ الفلسطينية من قبل حركتي حماس والجهاد على المستوطنات اليهودية، وحثّ جميع الفصائل الفلسطينية على ضرورة التوحد تحت لواء السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، معرباً عن اعتقاده أن الانقسام الفلسطيني/الفلسطيني ساهم في عدم تحقيق توصيات مؤتمر أنابوليس، وفي طليعتها قيام دولة فلسطينية مستقلة، على حد قوله.
وبعدما اعترف الأمين العام للأمم المتحدة أن المنظمة الدولية واجهت عاماً حاسماً وحافلاً بالمشاكل والعقبات والتحديات والأزمات خلال العام 2008، خلص إلى التأكيد بأن الأمم المتحدة ستواصل العمل بجد واجتهاد وبدون كللٍ أو مللٍ، حتى يتم تحقيق حلٍ عادلٍ لقضية الفلسطينية وإقرارسلام دائم وشامل في الشرق الأوسط.
ثم ألقت سفيرة كوبا كلمة منظمة دول حركة عدم الانحياز، فأكدت أن الحركة كانت ولا تزال وستبقى تتضامن مع كفاح الشعب الفلسطيني حتى يتمكن من استعادة حقوقه الوطنية المشروعة وفي طليعتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة فلسطين بعاصمتها القدس.
ثم تحدث الدكتور هيلموت بوك الممثل الدائم للنمسا لدى الأمم المتحدة، فأكد بدوره استمرار دعم النمسا رئيساً وحكومةً وشعباً للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، مشيراً إلى عمق علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين الشعبين النمساوي والفلسطيني. كما استعرض مواقف النمسا والاتحاد الأوروبي في تقديم المساعدات المادية والمعنوية للسلطة الفلسطينية. وخلص إلى مطالبة الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى وقف دوره العنف، واللجوء إلى تسوية كافة المسائل التي ما تزال عالقة عن طريق الحوار والمفاوضات السياسية، والمساهمة في تطبيق قرارات الشرعية الدولية واللجنة الرباعية وخارطة الطريق وتوصيات مؤتمر أنابوليس.
ثم تلا الدكتورميخائيل وهبة مدير مكتب جامعة الدول العربية لدى النمسا والأمم المتحدة في فيينا رسالة من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وقال فيها: يأتي الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام في ظل استمرار الاحتلال والحصار المفروضين على
الشعب الفلسطيني بأشكال مختلفة، وخاصة على قطاع غزّة، بالإضافة إلى امعان إسرائيل في تكثيف سياستها الاستيطانية وتهويد القدس ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل واقتلاع الأشجار وتدمير المنشآت، الأمر الذي قوّض الجهود العربية والدولية المبذولة لاحياء عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ووضع المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على مسار مجهول نتيجة لعمليات الاستيطان وعربدة المستوطنين واعتداءاتهم المستمرة على الفلسطينيين وذلك تحت حماية الجيش الإسرائيلي”.
وبعدما أشار عمرو موسى إلى أن عملية السلام والمفاوضات تدور الآن في حلقة مفرغة نتيجة تعنت إسرائيل ومماطلتها وتهربها من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، أكد تمسك الدول العربية بمبادرة السلام العربية التي تضمن إقامة سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط. وخلص إلى القول “إن ما يسعى إليه الجانب العربي هو سلام حقيقي غير منقوص، سلام يعيد الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وهو السلام الذي يضمن الاستقرار والأمن للجميع، وهي مسؤولية المجتمع الدولي وخاصة مجلس
الأمن في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي الفلسطيني والعربية المحتلة وتطبيق القرارات الدولية التي تضمن رفع الحصانة والحماية عن الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العدوانية”.
ثم تلا الدكتور زهير الوزير سفير فلسطين لدى النمسا ورئيس البعثة الفلسطينية الدائمة لدى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والتي استعرض فيها جوانب مختلفة من المعاناة المأساوية وشتى أنواع القمع والاضطهاد والإذلال والعذابات التي يعانيها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية
وقطاغ غزّة تحت الاحتلال الإسرائيلي. وأكد عباس تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه الوطنية المشروعة وغير القابلة للتصرف، وفي طليعتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة فلسطيني بعاصمتها القدس، تعيش بأمن وسلام جنباً إلى جنب إسرائيل، وذلك تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 194.
وأوضح عباس أن السلطة الفلسطينية تمسكت بمبادرة السلام العربية، لأنها تعتبر مدخلاً مهماً لتطوير سلام إقليمي شامل يقدم لإسرائيل اعترافاً وتطبيعاً عربياً مقابل الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة، والالتزام بالحل القائم على إنشاء دولتين. واستدرك قائلاً “غير أننا لم نلحظ من الجانب الإسرائيلي الاستجابة الواضحة لمبادرة السلام العربية الشجاعة، وقد تمسكنا بمنطلقات مؤتمر أنابوليس، وشرعنا في مفاوضات جادة ومعمقة مع الجانب الإسرائيلي للوصول إلى تسوية لكل قضايا الحل النهائي، ولكننا لم نصل إلى تسوية مرضية لأي من تلك القضايا، بسبب إصرار إسرائيل على فرض حل لا يضمن للفلسطينيين استعادة حقوقهم، وبناء دولة متصلة جغرافياً وقابلة للحياة”.
وخلص الرئيس الفلسطيني إلى المطالبة باقرار حل حقيقي للقضية الفلسطينية التي تعتبر جوهر الصراع العربي الإسرائيلي والأزمة في الشرق الأوسط وقال “إننا إذ نقصد بالحل العادل والدائم والشامل، لأنه ينهي النزاع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وينهي العنف في هذه المنطقة وإلى الأبد، ولذلك فإننا لنعتبر الحل المجتزأ والمشوّه بمثابة البيئة الخصبة لصراع مشؤوم أكثر عنفاً ودموية قد يندلع في هذه المنطقة، لا سمح الله، إن لم نبادر جميعاً إلى تطويقه وإنهاء أسبابه”