رئيس كلية الحقوق والقانون الدولي في جامعة زغرب في حديث شامل:
البروفسور أورفيتش يستبعد لجوء
الإدارة الأميركية للخيار العسكري ضد إيران
المجتمع الدولي فوّت بعد الحرب العالمية الثانية فرصتين لتسوية أزمة الشرق الأوسط
الزميل حسين عون (الأمم المتحدة/فيينا)
استبعد الدكتور البروفسور زاليكو أورفيتش رئيس كلية الحقوق واستاذ القانون الدولي في جامعة زغرب في كرواتيا امكانية لجوء الولايات المتحدة إلى استخدام الخيار العسكري، أو شن حرب صاروخية وغارات حربية تستهدف تدمير أي من المرافق أو المفاعلات النووية سواء التي قيد الإنشاء أو العمل في إيران خلال الفترة المتبقية من حكم الرئيس جورج بوش، واكد باللغة العربية وبلهجة مصرية “هذا مش ممكن
أبداً”، لا الآن وفي المستقبل”. ورأى الدكتور أورفيتش أن “عدة أسباب رئيسية تمنع الولايات المتحدة من اللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران، أبرزها المأزق الذي تعانيه القوات الأميركية والحليفة لها في العراق، ووجود الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشكل عام، والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل خاص، والتي تتولى الآن تسوية آخر مسألة من المسائل النووية الإيرانية العالقة، وهي مسألة الدراسات المزعومة، والتي تتضمن سلسلة تهم حول حقيقة ما قامت به إيران من أبحاث نووية وتجارب صاروخية على استخدام منصات سريعة الارتداد، لم تُعلن عنها خلال العشرين سنة الماضية، ولم تُبلّغ الوكالة بها في حينه.
جاء ذلك في حديث شامل أدلى به الدكتور أورفيتش وهو مشرّع قانونيي ودبلوماسي كرواتي سابق إلى الزميل حسين عون مراسل وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء بمقر الأمم المتحدة في فيينا، وأكد فيه أنه لا يؤيد الذين يعتقدون باحتمال قيام الولايات المتحدة بشن حرب مباغتة ضد إيران، لا الآن ولا بعد عشر سنوات نظراً لعدة اعتبارات إقليمية ودولية”. وأعرب عن اعتقاده بأن “المشكلة القائمة بين الولايات المتحدة وإيران هي مشكلة ثنائية، ولكنه شدّد على القول “الخطر لا يكمن في من يملك القدرات النووية، او من هو الذي سيلجأ إلى استعمال السلاح النووي وضد أي دولة من دول العالم، لأن أي هجوم من هذا النوع ومن أي مصدر كان سيؤدي إلى اندلاع حرب نووية كفيلة بتدمير العالم”. ولكن الخبير الكرواتي بالقانون الدولي أشار إلى أن الحرب قد تندلع فجأة وفي أي وقت تبرز فيه حوافز مشجعة على مسرح الأحداث الإقليمية أو الدولية، وترى فيها بعض الدول التي تملك ترسانات هائلة من أسلحة الدمار الشامل، فرصة مؤاتية لتعزيز مصلحتها. وهنا أعطى الدكتور أورفيتش مثلاً على ذلك فقال “الصين التي يبلغ عدد سكانها حوالي 1.3 بليون نسمة، أصبحت من أكبر الدول المصدرة في العالم، حيث نجد أن غالبية السلع والمنتجات الغذائية والإليكترونية هي من صنع الصين، ومن واجبات الحكومة الصينية تأمين الحماية الكاملة للشعب الصيني”. وأضاف قوله “ولكن ليس من المستبعد أن يؤدي احتدام التنافس التجاري وتفاقم النزاع حول مصادر الطاقة ومراكز النفوذ إلى اندلاع الحرب بين دولتين، واتساعها في وقت من الأوقات لتشمل عدة دول”.
وفي هذا السياق، أورفيتش والذي سبق له أن ترأس وفد كرواتيا إلى مفاوضات صياغة اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الثلاثة الملحقة بها في أواخر التسعينات بمقر الأمم المتحدة في فيينا، أشاد بأهمية الدور البارز التي تقوم به الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وخصوصاً الوكالة الدولية للطاقة الذرية على صعيد تكريس استخدام الطاقة الذرية للاغراض السلمية وقال “ولذلك أنا على قناعة تامة بأن المهام والصلاحيات الموكولة إلى الوكالة الذرية تنحصر في حماية العالم، وهي ليست طرفاً ضد أي طرف، لأن طبيعة عملها يمتاز بالحياد والتجرد والنزاهة وحماية الأمن والسلم الدوليين ومنع أي تحريف لأية مواد أو أية أنشطة نووية محظورة لأغراض عسكرية”. ولكن الخبير الكرواتي بشؤون القانون الدولي ومكافحة الجريمة المنظمة والعدالة الجنائية حذر من خطورة ما وصفه بـ “تفاقم الصراع الإقليمي والدولي” على خلفية خمسة عناصر اعتبرها أساسية وهي السباق المحموم للسيطرة على مصادر الطاقة في العالم وخصوصاً بمنطقة الشرق الأوسط؛ واستمرار أنشطة إنتاج الأسلحة النارية والاتجار بها بطريقة مشروعة وغير مشروعة؛ وتصاعد موجة الفقر والجوع والجريمة المنظمة في ظل اتساع الفجوة القائمة بين الشمال والجنوب؛ واحتدام ظاهرة الإرهاب بمختلف أشكاله؛ وتفاقم النزاعات المسلحة سواء داخل الدول أو بين بعضها البعض؛ وتزايد سعي العديد من الدول لحيازة وإنتاج الأسلحة النووية.
ورداً على سؤال حول رؤيته لواقع ومستقبل النزاع القائم في الشرق الأوسط منذ أكثر من ستين عاماً، وكيفية الخروج من المأزق القائم بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني أنحى الدكتور أورفيتش باللائمة على التاريخ بكل افرازاته وانعكاساته السلبية، واتهمه بأنه المسؤول الأساسي عن استمرار مشكلة فلسطين وأزمة الصراع العربي الإسرائيلي، مشيراً إلى أن كافة الحروب التي وقعت بين إسرائيل ودول المواجهة العربية، إنما وقعت على خلفية رواسب تاريخية متوارثة من جيل إلى جيل على حد وصفه. ورأى أن غالبية الأنظمة العربية، ومنذ قيام دولة إسرائيل بقرار من مجلس الأمن في العام 1984، ما انفكت تخدع شعوبها نظراً لعدة اعتبارات أبرزها: غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة. وأوضح أن “النكسة التي منيت بها مصر وسورية في حرب حزيران/يونيو 1967، كانت نتيجة خطأ ارتكبه التاريخ، وليست ناجمة عن خطأ ارتكبه جمال عبد الناصر أو عبد الحكيم عامر”.
وبعدما أشار الخبير القانون الدولي إلى أنه كان في بور سعيد إبان حرب 1967، أكد القوات المصرية لم تكن مجهزّة آنذاك بأسلحة دفاعية أو هجومية قادرة على تحقيق النصر، وذلك بسبب اختلال موازين القوى بين الجانبين المصري والإسرائيلي، حيث كانت الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية والأوروبية تدعم الجيش الإسرائيلي وتوفر له أحدث الأسلحة المتطورة براً وبحراً وجواً. وفي هذا السياق، أعتبر أورفيتش ان الشعب اللبناني مخدوع الآن بفكرتين مختلفتين حول توزيع المسؤولية بشأن الحق والحقيقة اللذين يتمسك بهما كل طرف من النزاع في الأزمة السياسية اللبنانية، وطالب بضرورة توفير وسيط نزيه ومحايد للمساهمة في تسوية النزاع اللبناني. وأعرب أورفيتش عن اعتقاده بأن الخروج من دوامة المأزق الحالي في الشرق الأوسط ليس ممكناً في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، ولكنه لم يستبعد حصول ذلك بعد عشر أو عشرين سنة. وشدّد على القول أنه “لا يحق لأي حاكم دكتاتوري أو أي نظام دكتاتوري أن يدّعي بأنه يطبّق الديمقراطية في الوقت الذي يمعن فيه بقمع شعبه”.
ورأى أورفيتش أن “حالة عدم الاستقرار، حتى ولو كانت في أكثر البلدان عراقة في الديمقراطية، هي نتيجة طرح شعارات مزدوجة المعايير عن الديمقراطية وتطبيقها الخاطئ”. ولاحظ أن التجارب التاريخية أثبتت وجود وجهين للديمقراطية، الأول الديمقراطية السيئة، والثاني النظام الدكتاتوري الذي يدّعي أنه نظام ديمقراطي. ولم يستبعد أن تتواصل الحروب والنزاعات من أجل التحكم بمسار ثلاثة عناصر أساسية هي الطاقة النفطية، وخصوصاً في منطقة الخليج والشرق الأوسط الذي يملك أكبر احتياطي استراتيجي نفطي في العام، والسيطرة على عائدات إنتاج وتسويق الأسلحة النارية والمخدرات التي تدخل عنصراً أساسياً في الحروب، ومكافحة شبح الفقر والمجاعة الذي يهدد أكثر من نصف سكان العالم”.
كما أشار الخبير الكرواتي ألى فشل العالم في اغتنام فرصتين أساسيتين لحل الكثير من المشاكل والأزمات في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ومن بينها أزمة الشرق الأوسط، ومن ثمّ تكريس الأمن والسلام الاستقرار وقال “ولكن تلك الفرصتين سرعان ما تلاشتا مع دخول الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق فيما بعد مرحلة الحرب الباردة، حيث دفعت شعوب الدول العربية ويوغسلافيا وهنغاريا وفييتنام وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وأفغانستان، وما تزال فاتورة تلك الحرب”. وفي هذا السياق، أوضح اورفيتش أن القطبين الأساسيين انقسما تجاه الشرق الأوسط، فالاتحاد السوفييتي دعم الفلسطينيين، في حين تعهدت الولايات المتحدة بدعم إسرائيل مادياً ومعنوياً، واعتبرت المقاتلين الفلسطينيين إرهابيين بمن فيهم ياسر عرفات والذي تقاسم فيما بعد جائزة نوبل مع أسحق شامير بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو.
وبعدما أكد أن حدوث سلسلة تطورات ومتغيرات إقليمية ودولية إيجابية لم تفضِ إلى إقامة سلام حقيقي في الشرق الأوسط بسبب حاجة الولايات المتحدة وأوروبا لنفط دول الخليج، اعتبر أورفيتش أن إسرائيل ليست المصدر الأساسي لاستمرار دوامة النزاع والتوتر في الشرق الأوسط، وحمّل التاريخ وخداع التاريخ وتزييفه مجدداً المسؤولية والأسباب التي يتوارثها الناس المعنيين جيلاً بعد جيل، على حد تعبيره. وخلص إلى القول “المصادر الأساسية للأزمة القائمة في الشرق الأوسط منذ ستين عاماً هي نفس المصادر والأسباب التاريخية، ولذلك لا أستطيع أن أتوقع أن حلاً ما للقضية الفلسطينية سيظهر في أفق المستقبل المنظور، ولهذا فإن التاريخ سيتحمل مسؤولية كل ما يجري في العالم من مشاكل وحروب ونزاعات”.