لا سلام حقيقي في الشرق الأوسط في المستقبل المنظور
“حماس” وقعت في الفخّ الإسرائيلي.. و”فتح” لم تنجب مفكراً فلسطينياً واحداً منذ إنشائها
إذا استخدمت إسرائيل السلاح النووي فستكون نهايتها ولن تغامر بشن حرب جديدة ضد لبنان
أجرى الحوار : الزميل حسين عون
أعرب الدكتور محمد ربيع الخبير الفلسطيني في شؤون الشرق الأوسط، عن اعتقاده بأنه لا توجد في الأفق المنظور أي حل للقضية الفلسطينية نظراً لعدة اعتبارات أهمها رفض إسرائيل لكافة مبادرات وقرارات السلام، وإصرار الحكومة الإسرائيلية بشقيها السياسي والعسكري، على تنفيذ خطتها التي تهدف إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية والاستيلاء على الضفة الغربية وعزل قطاع غزّة تمهيداً لانشاء كانتونات فلسطينية متشرذمة ومقطوعة الأوصال والتمهيد لطرد الفلسطينيين. ولم يستبعد الدكتور محمد ربيع وهو مؤلف وباحث ومؤرخ تابع دراسته
العليا في جامعات مصر وألمانيا والولايات المتحدة، والحائز على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هيوستن، أن يتحوّل سكان المخيمات وما وصفه بـ “الكانتونات الفلسطينية” إلى مجرد عبيد وعمال لتنظيف الشوارع وأعمال بناء المستوطنات اليهودية، والسماح لهم بإنشاء بعض الصناعات المحدودة مثل الغزل والنسيج والخدمات. ورأى الدكتور ربيع في حديث أدلى به إلى الزميل حسين عون في فيينا بعد انتهاء المحاضرة التي القاها في فيينا تحت عنوان “نهاية النكبة وأسباب فشل تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي”، أن الخطة الإسرائيلية تركز بالدرجة الأولى على المراهنة على عدة عوامل واعتبارات أساسية أهمها تمييع الوقت حتى وفاة غالبية القادة الفلسطينيين، أو تصفيتهم من خلال مواصلة حرب التطهير العرقي لتفريغ الضفة الغربية وقطاع غزّه من الفلسطينيين، وقطع الطريق على نشوء جيل جديد من القادة الفلسطينيين الذين يؤمنون بخيار المقاومة كطريق وحيد لتحرير فلسطين”.
وأكد الدكتور ربيع، وهو مؤلف 22 كتاباً باللغتين العربية والإنكليزية أن “الشعب الفلسطيني وقادته، وإزاء ما يواجهونه من مخاطر وتهديدات وتحديات مصيرية أصبحوا في ورطة كبيرة، ولا سيما بعدما أصبح لا هم للدول العربية وحكوماتها سوى الاحتفاظ بكراسي الحكم، وفي الوقت الذي تنشغل فيه الشعوب العربية بالخلافات والانقسامات والنزاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. وأعطى الأكاديمي الفلسطيني مثلاً على حالة التردي في العالم العربي فقال “هناك اختلاف كبير بين ثقافة المواطن العربي الغني وبين ثقافة المواطن العربي الفقير من جهة، وبين ثقافة المواطن العربي المتزمت وبين ثقافة المواطن العربي المتحرر من جهة ثانية”. وشدّد على القول “وفي جميع الحالات، لا بدّ أن نأخذ في الاعتبار أن العرب بشكل عام ليس لديهم ثقافة عربية أو إسلامية ذات هوية قومية موحدة، بل لديهم ثقافات مختلفة، وإن جمعتهم اللغة العربية الواحدة”. ولاحظ محمد ربيع أنه “عندما يتجزأ أي مجتمع كان، يصبح من الصعب، لا بل من المستحيل التوصل إلى حل توافقي حول أي خطة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية”. وبعدما أعرب عن اعتقاده بأن الشعوب العربية أصبحت اشبه بقطيع تائه في الصحراء ولا يعرف نهاية الطريق أو كيفية الخروج من المأزق الراهن وتجاوز الكم الهائل من التحديات، أشار إلى ما وصفه بـ “كبت الحريات العامة وخاصة حرية التعبير في العالم العربي” وقال “أي مفكر أو أديب أو شاعر أو باحث عربي اصبح يتعرض للاستجواب أو السجن أو الطرد إذا تجاوز الخطوط الحمر في انتقاداته للأنظمة والحكام”.
وأعرب الدكتور ربيع عن اعتقاده القوي بأن “الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج قد فقد ثقته بالقيادة الفلسطينية، بسبب فشل الرئيس محمود عباس في احتواء الخلافات الفلسطينية، مما أدى إلى انقلاب حماس وسيطرتها على قطاع غزّة، بالإضافة إلى اخفاقه بمكافحة موجة الفساد الإداري في أجهزة السلطة، واستمرار في اعتماد أسلوب المراوغة والمماطلة في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني وعدم رغبتها في إقامة سلام حقيقي”. كما وجه الدكتور ربيع انتقادات حادة لحركة فتح وعاب عليها عجزها في إنجاب مفكر فلسطيني واحد منذ تأسيسها بقيادة ياسر عرفات في العام 1965، وتوقع أن “فتح” لن تدوم، لأنها خرجت عن الثوابت الفلسطينية وأصبحت لا تخطط للمستقبل بل تعمل خارج إطار الزمن وما يجري في العالم وتجاوزت الأهداف الوطنية والأساسية التي أنشئت من أجلها على حد وصفه. كما حمل الأكاديمي الفلسطيني بعنف على حركتى حماس والجهاد لاعتقاده بأنهما وقعتا في “كمين خطة استراتيجية أميركية إسرائيلية تستهدف إدخال الشعب الفلسطيني في دوامة حرب أهلية”. كما اتهم محمد دحلان رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق بتأجيج النزاع المسلح بين حركتي فتح وحماس في قطاع غزة، وانتقد فشل اتفاق أوسلو الذي وصفه بـ “كارثة محمود قريع”، لأنه تم التوقيع عليه بدون استشارة الشعب الفلسطيني.
كما رأى الدكتور ربيع أن “قادة حماس والجهاد يعتمدون في المقابل على خطة تخدم أهداف إسرائيل وتعطيها الذريعة للرد بعنف شديد على قصف المستوطنات اليهودية بالصواريخ، وشن غارات حربية وتدمير المنازل والمخيمات ومواصلة مصادرة الأراضي الفلسطينية وتجريف الأشجار وتصفية قادة المقاومة الفلسطينية وبناء الجدار الأمني، في الوقت الذي أصبح فيه اكثر من 80 % من الفلسطينيين في قطاع غزّة عاطلون عن العمل، وحوالي 75 % منهم يعيشون تحت مستوى الفقر”. واعتبر المفكر الفلسطيني أن من يقاومون إسرائيل بشن عمليات انتحارية، إنما يساهمون في زيادة آلام وأحزان ومآسي الشعب الفلسطيني، الذي أصبح بحاجة ماسة إلى ثقافة صمود واتحاد تساهم في تغيير كافة القادة والوجوه الذين كبدوا الفلسطينيين الهزيمة تلو الأخرى، وليس إلى ثقافة مقاومة عشوائية في المرحلة الراهنة على حد تعبيره.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت إسرائيل تعد العدة لشن هجوم جديد ضد لبنان بعد المناورة العسكرية الأخيرة قال الدكتور ربيع “لا أعتقد أن قادة إسرائيل من سياسيين عسكريين في الوقت الراهن مستعدون للقيام بأن مغامرة عسكرية جديدة ضد لبنان، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت لا يستطيع ضمان أية نتائج إيجابية أو أي انتصار كاسح”. وفي هذا السياق، أعرب الأكاديمي الفلسطيني عن اعتقاده بان “حزب الله حصل على أسلحة جديدة، وأن مقاتليه الذين هم على أتم الاستعداد، سيضربون بقوة أكثر العمق الإسرائيلي، وبالتالي شنّ حملة أقوى من الحملة التي شنوها ضد إسرائيل خلال حرب تموز/يوليو 2006”. ولكن الدكتور ربيع لم يستبعد قيام حالة وحيدة يتفق فيها حزب الليكود وحزب العمل على القيام بمغامرة عسكرية مفاجئة ضد لبنان قبيل موعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. وشدّد ربيع على القول “إن أي مغامرة إسرائيل ضد لبنان لن تكون مضمونة النتائج، ولا سيما في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة تشجيع إسرائيل على القيام بأي عمل عسكري ضد لبنان في المرحلة الراهنة، نظراً لعدة اعتبارات أهمها استمرار تدهور الاوضاع الأمنية في العراق، وتصاعد موجة الغليان في الشرق الأوسط”.
ورداً على سؤال حول تقييمه لأهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به الاتحاد الأوروبي على صعيد تحريك عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط باعتباره عضواً في اللجنة الرباعية قال الدكتور ربيع “في الحقيقة، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي القيام بدور أساسي، لأن مواقفه بشكل عام ظلت خجولة، وتتسق مع توجهات السياسة الأميركية. ولذلك أرى أن الاتحاد الأوروبي ليس مستعداً للتخلي عن مواقفه المؤيد للولايات المتحدة في المرحلة الراهنة، ولاعتقاده بأن كل من يخالف واشنطن أو ينتقد القبضة الحديدية لإسرائيل سيتعرض للعديد من المشاكل والتهديدات كما حصل بالنسبة إلى العراق، وأدى إلى تصدع مواقف الدول الأوروبية، علماً أن التجربة أثبتت العكس وأكدت أن كل من وقف مع السياسة الخارجية للرئيس جورج بوش الابن، قد مُنّي بالفشل الذريع وسقط في الانتخابات”. ورأى ربيع أن “القاسم المشترك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقوم على أساس مسايرة اللوبي الصهيوني وتجنب أية ضغوط من قبل إسرائيل، مع الأخذ في الاعتبار هنا إصرار واشنطن على نشر شبكة الصواريخ الدفاعية في بولندا ومحطة الانذار المبكر في التشيك، والخلافات التي أدت إلى انسحاب روسيا من معاهدة تخفيض الأسلحة التقليدية في أوروبا”. وأشار إلى أن الولايات المتحدة ليست وسيطاً نزيهاً، بل وسيطاً منحازاً لإسرائيل، نظراً لعدة اعتبارات أهمها استخدام الولايات المتحدة إسرائيل كرأس جسر لحماية مصالحها واستمرار توتير الأوضاع في الشرق الأوسط من أجل تهيئة الأجواء للاستيلاء على مصادر النفط، على حد تعبيره.
واتهم الدكتور ربيع الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما بأنهم وراء استمرار تدهور الأوضاع الامنية في الشرق الأوسط وخاصة في فلسطين والعراق ولبنان والخليج. وأعرب عن اعتقاده بأن “السياسة الأميركية الإسرائيلية هي التي تتسبب بنمو تياري التطرف والأصولية في العالم العربي”. وشدّد على القول “لو جرت انتخابات حرة ونزيهة في جميع الدول العربية وخاصة في مصر لحقق مرشحو الأحزاب والقوى الإسلامية فوزاً ساحقاً”. وبعدما أكد أن سياسة إسرائيل ستظل تشكل العقبة الأساس أمام اقامة سلام حقيقي في الشرق الأوسط خلص الدكتور محمد ربيع إلى القول “إذا لجأت إسرائيل إلى استخدام السلاح النووي ضد أي من الدول العربية فسيشكل ذلك بداية نهايتها، وفي الوقت الذي لا يظهر فيه حل حقيقي في الأفق للقضية الفلسطينية التي تشكل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، يظل الرهان معقوداً على الزيادة السكانية للفلسطينيين سواء في إسرائيل أو الضفة الغربية وقطاع غزّة، حيث تشير الاحصائيات إلى أن عدد الشعب الفلسطيني سيتساوى مع عدد الشعب الإسرائيلي في غضون السنوات الخمس المقبلة”.