قاسم حَوَل المخرج السينمائي العراقي يكشف في فيينا :
أبعاد وخلفيات سياسية وراء تجفيف الأهوار
المطالبة بالحفاظ على صيغة كركوك باعتبارها عراق نموذجي مصغّر
أجرى الحوار : الزميل حسين عون
أعرب قاسم حَوَل المخرج السينمائي العراقي لفيلم “الأهوار”، والذي يروي بالصوت والصورة والأرقام، اخطر عملية تجفيف وردم هائلة في تاريخ الدول العربية الحديث والقديم، وهي منطقة (الأهوار العراقية الممتدة حتى الحدود داخل إيران)، والتي تبلغ مساحتها أكثر من 16 ألف
كيلو متر مربع، أي ما يزيد عن مساحة لبنان ضعف ونصف، أعرب عن اعتقاده بأن “العراق لن يعرف أي نوع من الأمن والراحة والاستقرار والتنمية والرخاء الاقتصادي والاجتماعي والعمراني إلا بعد انسحاب قوات الاحتلال من جميع الأراضي العراقية”. واتهم قاسم حَوَل القوات الأميركية وحلفائها، والتي اعتبرها “قوات احتلال بحكم الأمر الواقع كما سماها مجلس الأمن الدولي”، بأنها منذ غزوها للعراق، بدأت وما تزال من خلال الاستخدام المفرط للقوة، وتحت شعار مكافحة أسلحة الدمار الشامل والمجموعات الإرهابية، تعمل على إتلاف الذاكرة العراقية ومحو التراث العراقي والقضاء على الإبداع العراقي والتاريخ الحضاري للعراق.
وحمّل قاسم حَوَل في حديث شامل أدلى به إلى الزميل حسين عون بعد انتهاء عرض فيلمه السينمائي الوثائقي (تجفيف الأهوار)، في العاصمة النمساوية فيينا، بحضور السفير العراقي طارق عقراوي، وحشد كبير من أبناء الجالية العراقية قوات التحالف مسؤولية استمرار تفاقم موجة العنف والتوتر في العراق، وتدهور الأوضاع الأمنية وتصاعد الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورأى أن “الحل الوحيد للأزمة العنيفة التي تعصف بالعراق منذ حوالي خمسة سنوات، لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال برمجة انسحاب قوات الاحتلال بشكل فوري أو على مراحل، ثم إعادة أجراء انتخابات عامة ونزيهة تحت رعاية ومراقبة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالحريات العامة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، باعتبارها الخطوة النوعية نحو إعادة الاعتبار للعراق كدولة مؤسسة للأمم المتحدة”.
وسخر قاسم حَوَل الذي يعيش في هولندا، من امكانية تحقيق الحد الأدنى من الإصلاح الهيكلي في العراق في ظل ما وصفه بـ “الهيمنة المذهبية والمحاصصة الطائفية والمحسوبية وسوء الإدارة في مختلف الأجهزة والدوائر الحكومية”. وشكا من “فضائح فساد خطيرة في العراق”، واتهم عدداً من الوزراء والمدرين العامين وكبار المسؤولين الذين لم يذكر أحدهم بالاسم، بحرق مبنى المصرف المركزي لاخفاء الأرقام والوثائق عن تحويل أموال بالملايين إلى الخارج من أجل شراء الفنادق والأسهم والشقق الفخمة. وبعدما حذر من مخاطر استمرار عمل الحكومة العراقية بميزانية العام 2007، في الوقت الذي تتوقف فيه غالبية المشاريع التنموية والخدمات واستمرار تشريد أكثر من خمسة ملايين طفل عراقي، أشار قاسم حَوَل إلى ما وصفه بـ “عملية مبرمجة لنهب ثروات العراق وموارد النفطية وقال “إن السلطات العراقية تعاقدت مؤخراً على شراء 7 طائرات مدنية للرئاسة بسعر خيالي تجاوز الـ 11 مليار دولار، في حين اشترت قطر 26 طائرة من نفس النوع بمبلغ 12 مليار دولار”. كما اعتبر العقود التي وقعتها حكومة كردستان العراق مع 15 شركة نفط عالمية، ومن بينها شركة النفط والغاز النمساوية بملايين الدولارات بأنها باطلة.
وكشف المخرج السينمائي العراقي عن معلومات خطيرة قال فيها ان “عمليات توزير غير المؤهلين وغير الكفوئين في الحكومة العراقية”، واعتبر أن ذلك يندرج في إطار خطة مدروسة تستهدف نهب ثروات العراق والخصائص الإسلامية والعربية والمسيحية التي تمتاز بها منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة عندما غزت العراق باشرت حملة عسكرية واسعة استهدفت حرق الأبنية والمؤسسات الحكومية والجامعات والكليات والمعاهد العليا، المتاحف والآثار التاريخية والوثائق والأفلام، واتلاف كل ما له علاقة مباشرة بتاريخ الحضارات والثقافات والعلوم الإنسانية التي سادت في بلاد ما بين النهرين على حد تعبيره. وفي هذا السياق، روى قاسم حول حادثة معروفة قال فيها أن الجنود الأميركيين عندما دخلوا منطقة بابل دمروا كافة الآثار والمعالم التاريخية وحولوها إلى ركام ومتاريس لحماية مواقعهم العسكرية على الرغم من احتجاج وزير الثقافة عبد الأمير عبود آنذاك.
ورداً على سؤال حول تقييمه لمصير مدينة كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد قال قاسم حَوَل “في الواقع، أنا كمخرج سينمائي عراقي، أعتقد أنه ينبغي الحفاظ على مدينة كركوك كعراق مصغّر، تجسّد التعايش الحضاري والثقافي والعرقي والديني المتنوّع للشعب العراقي بعربه وأكراده وتركمانه ومسلميه ومسيحييه”. وأوضح قوله “ما أود أن أؤكد عليه بهذه المناسبة هو أن الشعب الكردي هو شعب شقيق وأصيل، ولا علاقة له بما يجري من مناورات سياسية خلف الكواليس، ونحن نحترم حقوقه، ولكن في اعتقادي أن مصير طموحاته في الحرية والسيادة والاستقلال هو أمر مرهون بتوافق الدول الكبرى والمجتمع الدولي. وإذا كان هناك ثمة قرار بهذا الشأن، فلا يمكن فرضه بالقوة، بل فينبغي التفاوض من أجل تحقيقه مع الدول المجاورة وهي العراق إيران وتركيا وسورية، علماً أنه من حق الشعب الكردي أن يعيش ضمن دولة آمنة ومستقلة شأنه شأن بقية الشعوب في المنطقة”.
وفي هذا السياق، تساءل المخرج السينمائي العراقي عن مغزى إصرار عدد كبير من الأكراد على اعتبار أنفسهم مواطنين عراقيين أو أتراك أو إيرانيين أو سوريين، في حين يتمسك آخرون بشخصيتهم الكردية، ودعا الشعب الكردي إلى حسم هذه المسألة المثيرة للجدل، وتحديد ولائهم وانتمائهم بشكل نهائي، ونصحهم بعدم الوقوع كمطية سياسية للآخرين، وخصوصاً في ظل طغيان ظاهرة الفساد الإداري القائم في العراق. وأعرب عن اعتقاده بأن “احتلال العراق كان نتيجة مباشرة للتصرفات غير المحسوبة من قبل قادة الأحزاب والقوي السياسية، وخاصة العرب والأكراد منهم، ولا سيما في ظل الظروف الإقليمية والدولية غير الملائمة لتلبية آمال و طموحات الشعب الكردي”.
وهنا نصح قاسم حَوَل القادة السياسيين الأكراد، إذا كانوا بالفعل يريدون أن يساهموا في خدمة شعبهم، وإيجاد حل للأزمة الحالية داخل العراق والشرق الأوسط أن يهتموا بتطوير الحياة الاجتماعية للشعب الكردي، وأن يركزوا في وسائل إعلامهم على أهمية ترسيخ الهوية الثقافية الكردية والأخوة العربية الكردية في المرحلة الراهنة، مشيراً إلى أن الأكراد يعيشون في العراق منذ مئات السنين وأصبحوا جزءاً أساسياً من تركيبة المجتمع العراقية. وبعدما أكد حول أنه يحب الشعب الكردي، ويؤيد حقه في الحياة الحرة الكريمة ضمن كيان خاص به، أشار إلى أنه سبق له أن تعرض للسجن والتعذيب والتهجير بسبب الأكراد؛ ولكنه حذر من خطورة وقوع قادته السياسيين كأداة بأيدي القوات الأجنبية ووعودها المزيفة وتحقيق أطماعها الاستعمارية، وبالتالي خسران أهدافهم الاستراتيجية على حد وصفه.
ورداً على سؤال حول قراءته للهجوم الذي شنته قوات الجيش التركي في إطار مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردي داخل كردستان/العراق قال قاسم حَوَل “في اعتقادي، لقد جاءت تحركات الجيش التركي البرية والجوية نتيجة للأخطاء والممارسات غير المحسوبة للقادة السياسيين والحزبيين الأكراد، سواء في العراق او تركيا. وأنا كمخرج سينمائي عراقي لدي نصيحة أخوية أود أن أسديها إلى الأخوان الأكراد وهي: لا تدعوا الأجانب يغرونكم بالوعود المزيفة، وحذار من الوقوع بمطباتهم السياسية، وإلا فإن شعبكم، وعلى المستوى الاستراتيجي، سيدفع ثمناً غالياً من أبنائه وتراثه”. وأعرب عن أن أمله أن يكون القادة الأكراد عند مستوى المسؤولية التاريخية في المرحلة الراهنة، وأن لا يقعوا بـ “فخ الاستقلال”، مع الأخذ في الاعتبار أن إنشاء وطن كردي مستقل ضمن حدود آمنة ومعترف بها لا يمكن فرضه فرضاً على بقية دول وشعوب المنطقة، على حد تعبيره. وبعدما حثّ السياسيين الاكراد على عدم الحديث عن اعتبار مدينة كركوك بأنها تشكل “قدس كردستان”، على غرار الشعار الذي طرحه ياسر عرفات عندما وصف مدينة القدس بـ “الخط الأحمر”، قال قاسم حَوَل “القدس الآن محتلة، وكذلك الضفة الغربية وقطاع غزّة، وإذا طرح الأكراد شعارات بدون حسابات سياسية ومدروسة، فعند ذلك الطامة الكبرى، ولن تخدم القضية الكردية حتماً”.
وكان قاسم حَوَل روى في بداية الحديث أبعاد وخلفيات لجوء صدام حسين إلى تجفيف الأهوار، ورأى أن ذلك تم بعد دراسة أوروبية شارك فيها علماء وخبراء هولنديين، وذلك في إطار مشروع طرحه الانتداب البريطاني على الملك فيصل في بداية القرن العشرين، ولكنه رفضه لأنه اعتبر العراق بدون الأهوار ليس عراقاً. وأعرب قاسم حَوَل عن اعتقاده القوي بأن صدام حسين هو المسؤول الأول والأخير عن عملية تجفيف الأهوار، وهي عملية سياسية وعسكرية وذات أبعاد إقليمية ودولية تستهدف تجفيف الذاكرة العراقية ومحو التراث العراقي. وخلص المخرج السينمائي العراقي قاسم حَوَل إلى التحذير من أن الحرب المقبلة في الشرق الأوسط ستكون حرباً من أجل الاستيلاء على ينابيع المياه والانهار، وليست حرباً من أجل منابع النفط، كما تشير إلى ذلك معلومات المنظمات الدولية ومن بينها اليونيسكو، على حد تعبيره.