وحل مشكلة كركوك عبر القنوات الدستورية
حسين عون
أعرب وزير المالية العراقي المهندس باقر جبر الزبيدي عن اعتقاده القوي بأن جميع مقومات الأمن والاستقرار والسلام والوفاق الوطني الحقيقي بين مختلف أبناء الشعب العراقي ستعم مختلف انحاء العراق عاجلاً أو آجلاً، وشدّد على القول بأن “عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء مهما كانت التضحيات لمواجهة وإحباط كافة المحاولات المستميتة والعمليات الإجرامية التي يقوم بها أزلام النظام البعثي البائد والمنظمات الإرهابية وفي طليعتها ما يسمى بـ تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”. وأكد الوزير الزبيدي في حديث شامل أدلى به بعد انتهاء أعمال الدورة الـ 28 لمجلس وزراء المالية والاقتصاد في الدول الأعضاء في صندوق الأوبك للتنمية الدولية، في مدينة بورتشاخ/جنوب النمسا، أكد على القول “في الحقيقة، إن العراق وبعد مرور 35 عاماُ من نظام الحكم الاستبدادي والشمولي والقمعي والإرهابي والدكتاتوري، حيث تعرض العراقيون بكافة أطيافهم وانتماءاتهم السياسية والدينية والعرقية، سواء أكانوا من العرب السنّة أو الشيعة، أو الأكراد أو التركمان، لشتى أصناف الظلم والقمع وعمليات الإبادة الجماعية في الشمال والجنوب، وطالت اعتداءاته بعض الدول المجاورة وفي طليعتها إيران والكويت، يمر الآن في مرحلة انتقالية ومصير وحاسمة”. وأعرب الوزير العراقي عن أمله بأن “المرحلة الانتقالية الراهنة ستؤدي في نهاية المطاف إلى الخروج من مأزق العنف، ومن ثمّ تترسخ قواعد السلام والتعايش الحضاري والثقافي والعرقي في كافة أنحاء العراق”.
واعترف الوزير العراقي بأن الفترة الانتقالية الراهنة في العراق تشهد دوامة من العنف وحالة من الفوضى والعمليات الإجرامية التي يقوم بها رموز وبقايا النظام العراقي البائد، وأشار إلى من وصفهم بـ “المستفيدين من النظام السابق والمرتزقة الذين يحاولون وقف عجلة التقدّم والتطوّر وعرقلة عملية إعادة بناء العراق الجديد على أسس وقواعد ثابتة من الحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادي والسياسية، والذين يعملون من أجل اجهاض مسيرة تكريس النظام الديمقراطي والبرلماني وتعزيز سيادة حكم القانون والحقوق الأساسية للإنسان العراقي”. ونفى وزير المالية العراقي أن يكون الوضع الأمني في العراق يتدهور باطراد من سيء إلى الأسوأ. وأكد على القول بأن “قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ليست مسؤولة على الاطلاق عن تصاعد وتيرة العنف وعمليات التفجير التي تحدث بشكل يومي في العراق”. وأعرب عن اعتقاده القوي بأن “المسؤول الأول والاخير عن كافة الأعمال الإجرامية في العراق هو النظام البائد لصدام حسين وفلول حزب البعث الفاشي والتنظيمات الإرهابية وفي طليعتها منظمة القاعدة والتنظيمات المتطرفة التي تستغل الدين لأغراض سياسية، بالإضافة إلى القوي الإقليمية والدول المجاورة للعراق، والتي باتت تشعر بخطورة قيام عراق ديمقراطي حر، وبخطورة وجود القوات الأميركية والقوات الحليفة لها على الأراضي العراقية”.
واتهم الوزير العراقي بعض الدول المجاورة، والتي لم يسميها بالاسم، بدعم المنظمات الإرهابية في العراق لأنها أصبحت بدورها “تخشى من وصول حركة التطوير الديمقراطي إلى دولها، لأنه سيؤدي عاجلاً أم أجلاً إلى الإطاحة بأنظمتها”. وأشار إلى أن رموز وأنصار النظام العراقي السابق ما تزال أعدادهم كبيرة وهم يقفون وراء تنفيذ العديد من الأنشطة والعمليات الإرهابية ويمارسون شتى أنواع الضغوط من أجل إسقاط الحكومة العراقية تحت ستار مقاومة القوات الأميركية. وأعرب الوزير الزبيدي الذي سبق له أن نجا من عدة محاولات لاغتياله، عن اعتقاده بأن جميع القوى المعارضة للنظم الديمقراطي وفي طليعتها تنظيم القاعدة المدعوم من قبل بعض الدول المجاورة وبقايا أنصار حزب البعث، وسواء التقت في التوجهات السياسية أم لا، فهي تعمل وفق أجندة عمل واحدة واستراتيجية مشتركة معروفة الأهداف وهي العودة إلى السلطة في العراق، على حد تعبيره. مشيراً إلى أن “القوى الإقليمية تستغل هؤلاء وأولئك من أجل اجهاض مسيرة التطور والتحوّل الديمقراطي في العراق”.
ورداً على سؤال حول كيفية الخروج من المأزق الحالي في العراق قال الوزير الزبيدي “طبعا يتم ذلك من خلال وحدة الشعب العراقي وتضامنه في إطار بوتقة العراق الديمقراطي الحر. ولا بدّ هنا من التأكيد مجدداً بأنه لا يمكن الاستسلام لا إلى تنظيم القاعدة ولا إلى رموز وبقايا فلول حزب البعث. كما أن الشعب العراقي بكافه شرائحه وأطيافه لن يسمح لهم بالعودة للسلطة مهما كانت التحديات. وهناك اجماع وتوافق بين مختلف القوى السياسية والحزبية التي تساهم في مسيرة التطور الديمقراطي على اجتثاث تلك القوى الإجرامية والتخريبية والإرهابية من الساحة العراقية”. وبعدما اعترف الوزير العراقي بأن “المخاطر والتهديات والعقبات ما تزال كبيرة”، شدّد على القول “أياً كانت تلك التحديات فإن النور سيشع عاجلاً أم آجلاً في نهاية النفق، وعندها سيعم الأمن والسلام والاستقرار كافة الربوع العراقية إن شاء الله”
ورداً على سؤال آخر حول السبل الكفيلة بتسوية النزاع حول مدينة كركوك بين القوى والأحزاب العراقية قال الوزير الزبيدي “في اعتقادي بأن اللجنة الدستورية تعكف الآن على اجراء دراسة شاملة حول هذه المسألة، آخذةً في الحسبان كافة الأبعاد والخلفيات ذات الصلة، وخصوصاً أوضاع المواطنين العراقيين الذين هجِّروا أو نزحوا قسراً من كركوك وجوارها، مع الحرص الشديد على حماية التركيبة السكانية للمدينة التي تجسّد عراقاً مصغراً من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. وعبّر الوزير العراقي عن ثقته التامة بأن اللجنة الدستورية سترفع تصوراً شاملاً للحل التوافقي إلى الحكومة العراقية، والتي سترفعه بدورها إلى الجمعية الوطنية (البرلمان) لمناقشته واقراره بعد ادخال التعديلات اللازمه عليه، حسب الدستور العراقي الجديد الذي أيده أكثر من 12 مليون مواطن عراقي ينتمون إلى مختلف الأحزاب والقوي السياسية والدينية والعرقية، وبحيث يحظى ذلك الحل بدعم جميع الأطراف العراقيين المعنيين، على حدّ تعبيره.
ورداً على سؤال حول تعليقه على توجّه عراقي يطالب باجراء استفتاء شعبي بموجب الدستور لحسم النزاع حول مدينة كركوك بين العرب والأكراد قال الوزير الزبيدي “نعم، هناك من يدعو إلى اللجوء إلى مثل هذا الخيار. ولكن هناك الكثيرون من أبناء الشعب العراقي يرون بأنه لا حاجة إلى اجراء استفتاء شعبي حول مصير كركوك، لأن كل ثلاث محافظات عراقية تملك حق النقض –الفيتو- من أجل إجهاض أي حل لا تراه مناسباً، علماً بأنه لا يوجد لحد الآن رفض لأي مادة من مولد الدستور العراقي، لانه لاجراء أي تعديل في الدستور ينبغي أن الحصول على تأييد أغلبية سكان ثلاث محافظات عراقية. وفي اعتقادي بأن اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي حول تحديد مصير كركوك قد لا يساهم في حل المشكلة في المرحلة الراهنة، بل ربما زادها تعقيدها ولا سيما إذا أخذنا الوضع الأمني بعين الاعتبار. من هذا المنطلق، أنا أرى بأننا لسنا بحاجة الآن إلى اجراء استفتاء شعبي بقدر ما نحن بحاجة كي تمر المسألة حسب الدستور العراقي”. وأوضح الوزير العراقي بأن أي ثلاث محافظات عراقية يرفض ثلثا سكانها تمرير أي قانون من خلال استفتاء شعبي يصبح ذلك القانون باطلاُ، مشيراً إلى أن “الاستفتاء الشعبي ينبغي أن لا يشمل فقط المحافظات الكردية أربيل ودهوك والسليمانية”. وفي ختام حديثه شدّد الزبيدي على ضرورة التوصل إلى حل توافقي شامل يكرّس الأمن والسلام بين مختلف أبناء الشعب العراقي، وحثّ على أن يتم عبر القنوات الدستورية والحوار المتعدد الأطراف العراقية.