الضمانات الأمنية في الشرق الأوسط مفقودة
ما دامت إسرائيل خارج سرب معاهدة عدم الانتشار
الصحفى حسين عون (الأمم المتحدة/فيينا)
كما وعدنا القراء في التقرير حول نتائج الاجتماع الأول الذي انعقد في المركز النمساوي للمؤتمرات خلال الفترة ما بين 1-11 مايو 2007، للجنة التحضيرية لمؤتمر الأمم المتحدة الاستعراضي لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية المقرر انعقاده في العام 2010، نلقي في التقرير التالي الأضواء على موقف الدول العربية خلال الاجتماع. فقد أعربت جامعة الدول العربية عن اعتقاد قوي بأن “الضمانة الأمنية” التي تقرّها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية هي “ضمانة مفقودة في الشرق الأوسط ما دامت إسرائيل ترفض الانضمام إلى المعاهدة وإخضاع جميع منشآتها النووية لرقابة نظام الضمانات الشاملة الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. وأكد مندوب الجامعة العربية وائل ناصر الدين الأسد مدير إدارة العلاقات المتعددة الأطراف في الأمانة العامة للجامعة، في الكلمة التي ألقاها باسم الدول العربية فأنه “وبالرغم من أن جميع الدول العربية بلا استثناء، وفي ضوء القرار الخاص بالشرق الأوسط الذي تبناه مؤتمر المراجعة عام 1995، والقاضي بإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، قد وافقت على التمديد اللانهائي للمعاهدة وسارعت إلى الانضمام إليها، إلا أن إسرائيل استمرت وبحجج مختلفة في رفض الانضمام للمعاهدة متجاهلةً نداءات مؤتمرات المراجعة”. ورأى وائل الأسد أن “هذا الوضع يُخّل بالضمانات الأمنية، ويساعد على زيادة عوامل التوتر في الشرق الأوسط. ولذلك فان الجامعة العربية لا تعتقد أنه من المفيد لنظام منع الانتشار أن يشعر بعض الدول بالقلق، أو الشكّ في حكمة قبولها للتمديد اللانهائي للمعاهدة، أو حتى انضمامها لها، وهو شعور يتزايد ما دامت هناك دول ما تزال خارج اطار المعاهدة، حيث يتم مكافأتها واعفائها من الالتزامات التي يُطالب بها الآخرون، بل وتقوم بعض الدول التي تمتلك التكنولوجيا النووية بالتعاون معها، مخالفة بذلك أحكام المادة الأولى للمعاهدة”.
وبعدما أشار مندوب الجامعة العربية إلى أهمية اعتبار مؤتمر مراجعة المعاهدة المنعقد عام 2000، بأن “القرار الصادر عن مؤتمر المراجعة عام 1995 بشأن الشرق الأوسط، بأنه ما زال ساري المفعول ويشكل جزءاً من عملية المراجعة حتى يتم تنفيذه”، شدّد على القول “مما لا شكّ فيه أن مخاطر التسلح النووي في الشرق الأوسط تثير موجة من القلق لدى الدول العربية، ولا سيما في ظل غياب أي تحرّك دولي نحو تنفيذ القرارات الدولية المعنية بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط”. وأوضح بأنه “في ضوء السلبيات العديدة التي أصابت منظومة منع الانتشار على الساحة الدولية خلال السنوات الماضية، تدارس القادة العرب خلال القمة العربية الأخيرة في الرياض هذه القضايا، وعبروا عن انزعاجهم الشديد من تلك السلبيات والمتغيرات على الساحة الدولية، وخصوصاً عدم التجاوب الدولي بشكل عملي مع المبادرات الخاصة بجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية”. وذكّر بأن “القادة العرب رأوا بأن السياسة التي انتهجتها الدول العربية على مدار العقود الثلاثة الماضية لاخلاء منطقة الشرق الاوسط من كافة الأسلحة النووية، باتت تتطلب مراجعة شاملة وتقييم واقعي في ظل الظروف الحالية واستمرار تغاضي المجتمع الدولي عن امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية”.
وحمّل مندوب الجامعة العربية غالبية الدول الكبرى الحائزة على أسلحة نووية المسؤولية الكبرى في إعادة الثقة بمعاهدة عدم الانتشار وإزالة التحديات والعقبات التي تعرقل تنفيذ المعاهدة، وعبّر عن بالغ القلق لكون تلك التحديات والعقبات قد تضاعفت أمام المحافل الدولية المعنية بنزع السلاح ومنع الانتشار منذ انتهاء مؤتمر المراجعة عام 2000، وبدرجة أصبحت معها “فاعلية ومصداقية المنظمات الدولية محل الكثير من التساؤل”. وأشار إلى أن معاهدة عدم الانتشار قامت على الترابط بين ثلاثة محاور هي “منع انتشار الأسلحة النووية بين الدول غير النووية؛ والتعاون في مجالات الاستخدام السلمي للطاقة الذرية؛ وحق الدول غير النووية بالحصول على التكنولوجيا النووية وتطويرها للأغراض السلمية؛ ونزع السلاح النووي بشكل شامل”. وأكد بأنه “لم يتحقق أي تقدم على أي محور من هذه المحاورة، بل ما زالت الدول النووية تحتفظ بترسانات هائلة من الأسلحة النووية، وتقوم بتطوير أجيال وأنواع جديدة منها، بل ويعلن بعضها عن إبقاء خيار استخدامها في اطار استراتيجياتها الأمنية وسياساتها الدفاعية حتى ضد الدول غير النووية”.
وأوضح وائل الأسد أن “جامعة الدول العربية اتخذت موقفاً واضحاً من مسألة انتشار الأسلحة النووية وأسلوب معالجتها، حيث أكدت أنها ضد امتلاك أية دولة في المنطقة وبدون استثناء لتلك الأسلحة، وان المعالجة السلمية لهذه المشكلة يجب أن تتم في اطار رؤية إقليمية متكاملة وشاملة”. ورأى أن الأسلوب المستخدم حالياً في التعامل الفردي مع دول الشرق الأوسط يتسم بالانتقائية والتمييز، ولن يؤدي إلا إلى المزيد من الاحساس بفقدان الثقة في إمكانية تطبيق معايير واحدة على الجميع، وبتزايد الخلل في الأمن الاقليمي، الأمر الذي سيفقد المعاهدة من فعاليتها ومصداقيتها”. وخلص مندوب الجامعة العربية إلى التحذير بأن “العديد من الدول التي تعتبر بأن مؤتمر المراجعة عام 2010 هو بمثابة مفترق طرق أمام مصير المعاهدة، وخصوصاً بعدما فشل مؤتمر المراجعة عام 2005 بالتوصل إلى أية نتائج إيجابية، وعندها فإما نتمكن من مجابهة التحديات المختلفة وتحقيق الاهداف المرجوة، أو نكون قد أفرغنا نظام منع الانتشار النووي من مضمونه وأهدافه ومحتوياته الإيجابية، ولذلك فإن جامعة الدول العربية على ثقة بأن الغالبية العظمى من الدول الأعضاء تعي أبعاد المشكلة وتدرك تماماً بأن التزام الجميع بالمعاهدة نصاً وروحاً هو الطريق الوحيد أمام المجتمع الدولي لتكريس نظام فعال وذو مصداقية لضمان الأمن الجماعي للعالم كله”.
الدول العربية تعلق أهمية خاصة
وكان مندوبو الدول العربية الذين شاركوا في الاجتماع التحضيري للمؤتمر العالمي لاستعراض معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية المقرر انعقاده عام 2010، أكدوا بأن الاجتماع يكتسي “اهمية خاصة” لانه يأتي في فترة تتعرض فيه المنظومة الدولية المتعددة الأطراف للأمن ونظام عدم الانتشار النووي ونزع السلاح، والذي تعتبره معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ركيزتها الأساسية لكم هائل من التحديات .جاء ذلك في كلمة القاها الدكتور ابراهيم عثمان رئيس الهيئة السورية للطاقة الذرية باسم مجموعة الدول العربية امام اللجنة التحضيرية، واشار فيها إلى أن “هذا الاجتماع جاء بعد عدد من الانتكاسات التي وقعت خلال السنوات الماضية. وذكر من بينها فشل مؤتمر المراجعة السابق في الاتفاق على مشتركة أو نتائج محددة، وما رافق ذلك من جمود بل وتراجع جهود نزع السلاح النووي، وعدم تمكن القمة الستين لتأسيس الأمم المتحدة في عام 2005 من اعتماد أية توجهات في مجال نزع السلاح” .
كما أشار عثمان على خطورة التصريحات العلنية التي أدلى بها رئيس الحكومة الإسرائيلية مؤخراً، والتي اعترف فيها بامتلاك إسرائيل أسلحة نووية؛ والى التطورات التي وصفها بأنها “تثير قلق المجموعة العربية وغيرها من الدول الأطراف، الملتزمة بمبادئ الشرعية الدولية وفي مقدمتها أحكام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية”. وأعرب المتحدث باسم الدول العربية عن اعتقاد قوي بان “جدوى ومصداقية أية ترتيبات دولية تعتمد على ما تحققه من مكاسب متوازنة لجميع أطرافها، وعلى مدى التزام أعضائها بقواعدها وأهدافها. كما عبر عن الاسف البالغ لما وصفه بـ” التراجع الواضح عن تنفيذ الالتزامات الرئيسية الواردة في المبادئ والأحكام الأساسية لمعاهدة عدم الانتشار، وعن قرارات دورات المراجعة السابقة، بل وظهور توجهات معاكسة للمبادئ الأساسية للمعاهدة؛ الامر الذي اثار موجة من القلق والشكوك حول مدى فاعلية ومصداقية نظام عدم الانتشار وجدواه في تحقيق الأمن لجميع دول الأطراف”
وركز مندوبو الدول العربية ثلاث ملاحظات اعتبرها رئيسية وأساسية في الموقف الموحد للدول العربية وهي، أولاً: إن عالمية المعاهدة، التي تعدّ من الناحية القانونية والعملية ركناً رئيسياً لفاعليتها ومصداقيتها، لم تتحقق بعد، حيث عملت بعض الدول النووية على تكريس ذلك من خلال مكافأة دول لم تنضم بعد إلى المعاهدة والتعاون معها في تطوير برامجها النووية من جهة، بينما تعمل على التضييق على الدول الأطراف التي أبرمت وتنفذ اتفاقات الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتسعى إلى تحميلها بمزيد من الالتزامات من جهةٍ أخرى؛ وهو ما يتناقض مع روح ونص المعاهدة؛ ثانياً: إن مؤتمر نزع السلاح لا يزال مجمدا من الناحية العملية بسبب استمرار تنصل عدد من الدول النووية من التزاماتها في إطار المادة السادسة للمعاهدة، ومحاولة تفسير هذه المادة على أنها تكرس وضعها كدول حائزة على السلاح النووي وليس عليها أي التزام بالعمل على نزع أسلحتها النووية، مما أدى إلى مرحلة من الجمود الذي بات يعرض بقاء المنظومة بأسرها للخطر، مع الأخذ في الاعتبار بأنه لا خلاف على كون نزع السلاح وعدم الانتشار هما وجهان لعملة واحدة؛ ثالثاً: إن التقاعس من قبل بعض الأطراف الدولية عن متابعة تنفيذ قرارات ونتائج المؤتمرات الاستعراضية السابقة، ومحاولة التفرقة في مدى الزاميتها، رغم أن هذه النتائج والقرارات ذاتها تعتبر جزءاً لا يتجزأ من آليات تنفيذ المعاهدة، يشكل مساساً بمصداقيتها، ولاسيما عندما نخص بالذكر قرار الشرق الأوسط الصادر عن مؤتمر المراجعة عام 1995، علماً بأن صفقة تمديد العمل بالمعاهدة لأجل غير مسمى لم تكن لتتم دون تصويت لولا اعتماد هذا القرار.
وشددت الدول العربية على القول أن “منطقة الشرق الأوسط ما زالت المثال الصارخ لقصور فاعلية المعاهدة في تحقيق الأمن لأطرافها، لأنها المنطقة الوحيدة التي لم تشهد جهوداً دولية فعلية لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، خاصة مع وجود إسرائيل الدولة الوحيدة التي تمتلك قدرات نووية عسكرية متطورة خارجة عن أية رقابة دولية”. وحذر مندوب الجامعة العربية من “خطورة استمرار الصمت الدولي الدول تجاه موقف إسرائيل هذا، والذي شجعها على الانتقال من سياسة الغموض النووي إلى التصريح بامتلاك أسلحة نووية دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً، وهو ما ينبغي إدراك خطورته على رد الفعل الإقليمي، وانعكاساته على الأمن والسلم الدوليين”. ورأى إن “انسياق بعض الدول النووية وراء وجهة النظر الإسرائيلية التي تدفع إلى ضرورة التوصل إلى السلام الشامل أولاً قبل النظر في إمكانية إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية يعد خطأً جسيماً، من شأنه أن يشكك بجدوى معاهدة عدم الانتشار كمنظومة تحقق الأمن المتبادل لأطرافها، ويساهم بتقويض فكرتها الأساسية، لأنه يدعم المنطق القائل بأن امتلاك الأسلحة النووية يحقق الأمن للدول”. وتابع قائلا ” إن استمرار تقاعس المجتمع الدولي، ولا سيما الدول النووية، عن معالجة التهديد الذي تمثله القدرات النووية الإسرائيلية، وعن السعي الجاد إلى تحقيق عالمية المعاهدة وعن إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، يشكل مساساً بمصداقية المعاهدة وقد يدفع المنطقة بأسرها إلى سباق للتسلح يهدد أمن الدول العربية والسلم والأمن الدوليين.
وأكد الدكتور عثمان التزام الدول العربية بكافة المبادئ الاحكام والأهداف الواردة في معاهدة عدم الانتشار النووي وقرار القمة العربية الاخيرة في الرياض، ومطالبة المجتمع الدولي بتطبيق كافة معايير النظام الدولي لعدم انتشار الأسلحة النووية تجاه إسرائيل، التي لم تنضم إلى المعاهدة ولم تخضع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة. وقال إن استمرار التمييز والازدواجية لن يؤدى سوى إلى تقويض نظام عدم الانتشار وهدم دعائمه والإخلال بمصداقية المعاهدة. وكانت مجموعة الدول العربية ركزت على النقاط التالية:
1: الدول العربية، التي ساندت جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من برنامج إيران النووي السلمي، تؤكد على ضرورة مواصلة الحوار لاستيضاح المسائل العالقة بما يمكن المجتمع الدولي من الاطمئنان حيال الاستخدامات النووية الإيرانية وفسح المجال أمام إيران لممارسة حقها وفقا للمادة الرابعة من المعاهدة واستخدام الطاقة الذرية في كافة المجالات السلمية، وذلك تحت إشراف الوكالة الدولية دون أية قيود تؤدي إلى إعاقة التنمية فيها.
2: لقد أثبتت الدول العربية على مدار العقود الماضية صدق نواياها والتزامها غير المشروط بأهداف النظام الدولي لعدم الانتشار. وتعتبر المبادرات العربية الجماعية والفردية المتكررة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية أكبر دليل على ذلك. وللأسف فإن هذه الجهود لم تقابل سوى بالتعنت من جانب إسرائيل، وعدم الاهتمام بشكل جدي من جانب القوى الدولية الفاعلة. بل أن هذه الدول تحرص على توفير المظلة السياسية للموقف الإسرائيلي في مختلف المحافل الدولية؛ وآخر مثال على ذلك إعاقتُها، خلال الدورة الخمسين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2006، مناقشة البند المتعلق بالقدرات النووية الإسرائيلية ومخاطرها المدرج على جدول أعمال مؤتمرات الوكالة، وهو ما نعتبره تقليصاً لدور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتراجعاً عملياً عن قراراتٍ مُلْزِمَةٍ سبق اتخاذُها في هذا الشأن في الجمعية العامة ومجلس الأمن ومؤتمر مراجعة ومد معاهدة عدم الانتشار عام 1995، فضلاً عن قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذات الصلة.
3- لقد أعربت القمة العربية في اجتماعها الأخير في الرياض بالمملكة العربية السعودية في مارس 2007، عن انزعاجها من المتغيرات السلبية في مجالات ضبط التسلح ونزع السلاح على الساحة الدولية خاصة ما يتعلق بعدم الاستجابة بشكل عملي للمبادرات العربية لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. وقرر القادة العرب إجراء تقييم شامل للسياسة العربية في ضوء هذه المتغيرات السلبية.
4: من هذا المنطلق، فإن الدول العربية ترى أن التمهيد لاتخاذ خطوات عملية تجاه تحقيق أهداف إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية يعد شرطاً رئيسياً للخروج بنتائج إيجابية من هذا الاجتماع، ونطالب في هذا السياق الدول النووية الخمس وفي مقدمتها الدول المودع لديها، بإعادة تأكيد الالتزام بقرار الشرق الأوسط الصادر عن مؤتمر المراجعة والمد عام 1995، وبالاتفاق على خطوات عملية لتنفيذه خلال دورة المراجعة الحالية. وإننا على ثقة من تفهم الدول الأعضاء لما توليه الدول العربية من أولوية محورية لهذا الموضوع الهام.
5: وفي هذا الإطار، فإننا نؤكد على ضرورة إتاحة الوقت الكافي لمناقشة الموضوع، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمتابعة تنفيذ قرار إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية خلال أعمال جميع دورات اللجنة التحضيرية وصولاً إلى مؤتمر المراجعة ذاته عام 2010 الذي نتطلع لأن يتخذ توصيات عملية في هذا الخصوص.
6- أن أولوية جعل الشرق الأوسط خالياً من الأسلحة النووية في اهتمامات الدول العربية لا يعني بأي حال من الأحوال تقليلا من الأهمية التي توليها للموضوعات والمسائل الأخرى المطروحة على جدول الأعمال. وتعتبر الدول العربية أن جميع القضايا المرتبطة بالتفعيل المتوازن للمحاور الثلاثة للمعاهدة قضايا مركزية تتوقف عليها فاعلية المعاهدة، وجدواها، ومصداقيتها. وفي هذا الإطار فإننا نود أن نوضح مواقف الدول العربية المبدئية تجاه تلك القضايا على النحو الآتي:
أولاً: نزع السلاح
تطالب الدول العربية المجتمع الدولي وفي مقدمته الدول النووية الخمس الحائزة على أسلحة نووية بإعادة تأكيد التزامها بهذا الهدف الرئيسي للمعاهدة والتزامها بالتحرك الفعال لتنفيذ الخطوات العملية الثلاثة عشر التي أقرها مؤتمر المراجعة عام 2000 كأساس لقياس التقدم في هذا المجال. كما ندعوها إلى الالتزام بإجراءات خفض الأسلحة النووية بشكل خاضع للتحقق، وغير قابل للتراجع بما في ذلك خفض الترسانات الحالية، والامتناع عن الإنتاج مستقبلاً والتخلص من المخزون. ونشعر بالقلق تجاه ما أعلنته بعض الدول النووية مؤخراً حول تجديد ترساناتها النووية، وتحديث وسائل نقل الرؤوس النووية، وتجاه ما طرحه البعض الآخر من مبررات جديدة لإضفاء المشروعية على امتلاك واستخدام الأسلحة النووية، واستمرار التعاون في المجال النووي بين بعض هذه الدول ودول غير أعضاء في المعاهدة. ونؤكد بهذه المناسبة ضرورة التوصل لصيغة قانونية مُلْزِمَةٍ لضمانات الأمن للدول الأطراف غير النووية، تجاه استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضدها.
ثانياً: عدم الانتشار:
إن الدول العربية، التي أصبحت جميعها أطرافاً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ترى إن التهديد الحقيقي لعدم الانتشار يتمثل في عدم تحقيق عالمية المعاهدة، وبصفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي أتاح الفرصة لإسرائيل تطوير قدراتها النووية العسكرية خارج أية منظومة رقابية دولية.
إن الدول العربية التي تدعم جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتؤكد على أهمية الحفاظ على فعاليتها ومصداقيتها، تساند من الناحية المبدئية تعزيز نظام الضمانات الشاملة الهادف إلى التحقق من عدم استعمال المواد أو التقنيات النووية لأغراض عسكرية في الدول الأطراف. وتعتبر الدول العربية في هذا الخصوص أن البروتوكول الإضافي أداةً هامة لتعزيز التحقق، لكنه أداةً طوعية مكملة؛ يتوقف تعميمها على تعميم الأصل الذي تكمله: أي تعميم اتفاقات الضمانات الشاملة، وتعميم معاهدة عدم الانتشار ذاتها أولاً. كما نرى أن تحميل الدول غير النووية بالمزيد من الالتزامات المضنية دون تحقيق تقدم على صعيد محور نزع السلاح يعد إخلالاً واضحاً بالتوازن المنشود الذي يضمن فاعلية ومصداقية المعاهدة.
ثالثاً: الاستخدامات السلمية:
تعتبر الدول العربية أن حق الدول الأطراف في الحصول على التكنولوجيا النووية وتوظيفها للأغراض السلمية حقٌ غيرُ قابل للتصرف وفقاً لأحكام المادة الرابعة من المعاهدة، ويمثِّلُ نقطة ارتكاز رئيسية للمعاهدة. لذا، فإننا نتحفظ على أية محاولة لإعادة تفسير نصوص المعاهدة بشكل ينتقص من هذا الحق أو يُقَيِّدُ استخدامَه. وفي هذا الإطار، ندعو المجتمع الدولي، وخصوصاً الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدول المتقدمة في المجال النووي لتوفير المساعدة والدعم التقني اللازم لجميع الدول الأطراف في المعاهدة بما فيها الدول العربية التي أعلنت اعتزامها العمل على توظيف التكنولوجيا النووية في إنتاج الطاقة وفقاً لأحكام المعاهدة. ونود أن نعبر عن القلق من استمرار وتزايد القيود على تصدير المواد والمعدات للأغراض السلمية للدول الأطراف الملتزمة بالمعاهدة، وبنظام الضمانات الشاملة. ونؤكد ضرورة الدراسة المتأنية للأبعاد القانونية والسياسية المتعلقة بأية مبادرات جديدة لإنشاء آليات دولية لضمانات الوقود، حتى يتم التأكد من اتساق هذه المبادرات مع نصوص المعاهدة وفي مقدمتها المادة الرابعة، وحتى لا تتحول هذه الآليات إلى قيود تكرس احتكار دول بعينها للتكنولوجيا النووية، أو تضع شروطاً جديدة لاستخدامها لأغراض سلمية .وخلص الدكتور إبراهيم عثمان إلى تأكيد استعداد الدول العربية الكامل وغير المشروط للتعاون من اجل تحقيق الاهداف والمبادئ الأساسية لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية على نطاق عالمي.
وتتمسك بشرق الأوسط خالٍ من الأسلحة النووية
كما عبرت مجموعة الدول العربية عن “القلق الشديد لفشل تحقيق عالمية معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية منذ فتح باب التوقيع عليها قبل 37 عاماً، بسبب رفض بعض الدول الانضمام إليها أو المصادقة عليها”. كما اتهمت مجموعة الدول العربية تلك الدول بمواصلة تطوير أسلحة نووية بدون أية رقابة أو محاسبة أو ضغوط دولية عليها، وحذرت من “الخطورة والتهديد اللذين يشكلهما البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي على الأمن والسلم في الشرق الأوسط”. وأكدت بأن “إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي ترفض الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية أو إخضاع جميع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة للوكالة الذرية، وبذلك تعرقل إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط”.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها عميد السلك الدبلوماسي العربي سالم بن محمد الريامي سفير سلطنة عمان باسم الدول العربية خلال الجلسة التي عقدتها اللجنة التحضيرية لمؤتمر معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية قبل ظهر يوم الخميس الواقع في 10مايو/2007، في المركز النمساوي للمؤتمرات، والمخصصة لمناقشة تنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر المراجعة عام 1995 بشأن الشرق الأوسط. وأكدت مجموعة الدول العربية في بيان مشترك أنه “وبالرغم من المبادرات المختلفة التي اطلقتها الدول العربية في العديد من المحافل الدولية ذات الصلة بجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، وبالرغم من صدور العشرات من القرارات الدولية التي تدعم هذا القرار، بقيت إسرائيل تتمتع بحرية تامة في تطوير قدراتها النووية العسكرية دون ضغط حقيقي، بل واصلت بعض القوى الدولية بتوفير غطاء سياسي لحماية إسرائيل من أية ضغوط”. وبعدما أشار البيان المشترك إلى أن “مجموعة الدول العربية ما كانت لتوافق على التمديد اللامحدود لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ما لم يتخذ مؤتمر المراجعة عام 1995، قراراً واحداً هو قرار الشرق الأوسط، والذي كان جزءاً لا يتجزأ من الصفقة الشاملة، جاء مؤتمر المراجعة عام 2000، وأكد في وثيقته الختامية أن قرار الشرق الأوسط سيبقى جزءاً من عملية المراجعة حتى يتمّ تنفيذه، كما طالب المؤتمر إسرائيل بالاسم بالانضمام إلى المعاهدة لأنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لم تنضم إليها بعد، وإخضاع كافة منشآتها النووية لنظام ضمانات الشاملة للوكالة الذرية، ومع ذلك ترفض إسرائيل ذلك في تحدٍ سافر لتلك القرارات”.
ووجهت مجموعة الدول العربية انتقادات شديدة اللهجة للمجتمع الدولي، واتهمته بانتهاج سياسة تقوم على أساس”ازدواجية المعايير، وإتباع إجراءات صارمة ضد أية دولة يشكّ في احتمال خرقها لنظام منع الانتشار، في حين يغض البصر عن الخطر القائم فعلاً في منطقة الشرق الأوسط والذي تمثله البرامج العسكرية والأسلحة النووية الإسرائيلية”. ثمّ تطرق عميد السلك الدبلوماسي العربي إلى أهمية تأكيد القمة العربية التي انعقدت مؤخراً في الرياض، التمسك بدعم نظام منع الانتشار النووي على المستويين الإقليمي والدولي، وأشار إلى أن القادة العرب عبروا عن الاستياء من الأوضاع الدولية التي أدت إلى عرقلة الجهود الرامية إلى إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وأوضح السفير الريامي بأن “القادة العرب قرروا إجراء تقييم السياسة التي انتهجتها الدول العربية خلال العقود الماضية في ضوء المتغيرات الدولية، وإعادة النظر فيها في هذا المجال ومراجعتها إذا استمرت الأوضاع على هذا الطريق”. وفي هذا السياق، أكدت مجموعة الدول العربية أنها “تعتبر مسألة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط أساساً وشرطاً هاماً لتحقيق منع الانتشار النووي في المنطقة، وتمثل معالجة إقليمية لمخاطر الانتشار النووي، ومن شأنه أن يحقق الأمن المتبادل بين دول المنطقة. خصوصاً أن الأسلوب المتبع حالياً في التعامل مع مسالة الانتشار النووي يتسم بالتمييز والانتقائية وازدواجية المعايير”.
وبعدما أعربت مجموعة الدول العربية عن “بالغ الأسف” لعدم احراز أي تقدّم على الاطلاق في تنفيذ قرارات مؤتمر المراجعة ذات الصلة بالشرق الأوسط، أكدت أنه “ليس مقبولاً أن نذهب إلى مؤتمر المراجعة عام 2010، لنراجع تنفيذ قرار الشرق الأوسط بعد 15 عاماً من اتخاذه”. وأعلن السفير الريامي بأن مجموعة الدول العربية تقدمت بورقة عمل إلى الاجتماع الاول اللجنة التحضيرية أكدت فيها مجدداً موقفها تجاه قرار الشرق الأوسط، وضمنتها ثماني مقترحات اعتبرتها خطوات عملية لبدء التحرك الجدي نحو تنفيذ القرار.
وجاء في أهم مقترحات الدول العربية ما يلي: تجديد عزم المجتمع الدولي من أجل تنفيذ قرار الشرق الأوسط لمؤتمر عام 1995؛ وإنشاء هيئة فرعية ضمن اللجنة الرئيسية الثانية لمؤتمر المراجعة لعام 2010، لمناقشة تطبيق القرار المتعلق بالشرق الأوسط وتحديد آلية لمتابعته وتنفيذه؛ إنشاء لجنة دائمة مؤلفة من أعضاء مؤتمر المراجعة المقبل بغية القيام بين الدورات لمتابعة تنفيذ التوصيات المتعلقة بالشرق الاوسط، ولا سيما انضمام إسرائيل لمعاهدة منع الانتشار ونظام ضمانات الوكالة الذرية؛ دعوة الأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي وفقاً لبند إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط؛ التأكيد على الدول الحائزة على أسلحة نووية بتنفيذ كافة الالتزامات المترتبة عليها والواردة في المادة الاولى والفقرة السابعة من ديباجة المعاهدة وتقديم تعهد بعدم نقلها أسلحة أو أجهزة أو معلومات أو مساعدات نووية إلى إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة؛ ومتابعة ومراقبة تنفيذ هذه الالتزامات من خلال تقارير شفافة تقدمها الدول الاطراف إلى مؤتمر المراجعة الذي سيعقد عام 2015.