وزير الدفاع النمساوي وصفها بـ (لعبة البوكر)
فيينا: اتجاه قوي نحو إلغاء صفقة المقاتلات الأوروبية!
حسين عون صحفى مقيم بفيينا ومراسل الوكالة الأيطالية للأنباء
يبدو أن كافة الدلائل والمؤشرات باتت تؤكد اتجاه النمسا نحو إلغاء صفقة المقاتلات الأوروبية (Euro-Fighter)، التي تعاقدت الحكومة النمساوية السابقة برئاسة المستشار فولفغانغ شوسيل على شراء 18 مقاتلة منها
عام 2002، بمبلغ 2 بليون يورو، وسط انتقادات شديدة من قبل ممثلي الأحزاب والقوى المعارضة آنذاك، وفي طليعتها الحزب الاشتراكي وحزب الخضر. فقد أكد وزير الدفاع النمساوي نوربرت دارابوس (عضو مجلس قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي) بأنه سيصدر تعليماته إلى السلطات المختصة بمنع هبوط الدفعة الأولى من المقاتلات الأوروبية على الأراضي النمساوية بتاريخ 23 آيار/مايو الجاري كما كان مقرراً في السابق. وكشف الوزير النمساوي النقاب عن “ثغرات في الجودة والنوعية والكفاءة، بالإضافة إلى نقاط ضعف في قوة الأجهزة وقطع الغيار والبرامج المدمجة المرفقة بالصفقة”. وبالإضافة إلى ذلك، أعرب عن اعتقاده القوي بأن الدفعة الأولى من المقاتلات الأوروبية لن تجتاز بنجاح الاختبار الذي سيجريه عدد من كبار الخبراء النمساويين في شؤون الطيران العسكري على نماذج من تلك المقاتلات في قاعدة مانشينغ الألمانية.
ويرى المراقبون، أن قرار وزير الدفاع النمساوي برفض هبوط أي من المقاتلات الأوروبية على الأراضي النمساوية جاء رداً على قرار لشركة الأوروبية المصنعة (EADS) القاضي بقطع المباحثات مع الحكومة النمساوية التي تستهدف تقليص عدد المقاتلات، وتخفيض الثمن المتفق عليه، أو إلغاء الصفقة برمتها، ولا سيما بعد العثور على قصور في كفاءة تلك المقاتلات، عدا ظهور أسباب أخرى تتعلق بدفع رشاوٍ وحصول زوجة قائد سلاح الطيران النمساوي على عمولات سخية. وكان وزير الدفاع النمساوي، وخلال المداخلة التي ادلى بها أمام اللجنة البرلمانية المشتركة التي تتولى مناقشة صفقة المقاتلات الاوروبية من مختلف جوانبها وأبعادها وخلفياتها وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد النمساوي، أشار إلى عدد من البدائل، ولكنه فضل عدم الكشف عنها في المرحلة الراهنة، واكتفى بنفى وجود مباحثات متوازية مع شركة (Saab) السويدية.
وحتى الآن لم يصدر أي تعليق رسمي من الشركة الأوروبية المصنعة رداً على تصريحات وزير الدفاع النمساوي، وخصوصاً تصريحه الذي هدد فيه بمنع هبوط الدفعة الاولى من المقاتلات على الأراضي النمساوية في 23 الجاري، نظراً لعدة اعتبارات أبرزها أنها لن تجتاز بنجاح الاختبار النمساوي على حد تعبيره. ولكن أنباء صحافية نمساوية نقلت عن الناطق باسم الشركة الاوروبية، وولفريتريش هويافالر في قاعدة غروسيتو الإيطالية قوله “نحن لا نريد أن نُعلن أي موقف بشأن أية شكوك بكفاءة وقوة المقاتلات الأوروبية من أي مصدر جاءت”.
وكانت تقارير صحافية نمساوية نشرت أمس، ذكرت أن الشركة الأوروبية المصنعة للمقاتلات قطعت المباحثات مع النمسا على خلفية طلب الحكومة النمساوية بتخفيض عدد المقاتلات ربما إلى النصف أو 12 مقاتلة. وفور ذلك، رد وزير الدفاع النمساوي بعقد مؤتمر صحافي عاجل الليلة الماضية قال فيه بأنه فوجئ بقرار الشركة الأوروبية المصنعة للمقاتلات ذات الصلة، وحذر قائلا “إذا لم يتم التوصل إلى حل توافقي بين النمسا والشركة الأوروبية بحلول منتصف الشهر الجاري، فإنه سيبادر إلى اتخاذ خطوات من جانب واحد، قد تصل إلى حد إلغاء الصفقة برمتها”.
وأوضح الوزير النمساوي قائلاً “يبدو أن المسالة أصبحت أشبه بلعبة القمار –البوكر-، ولكن الحكومة النمساوية تحمل أفضل بطاقات اللعبة”. وأشار الوزير دارابوس، الذي سبق له أن عارض الصفقة منذ البداية، إلى أن “الهدف الأساسي للمستشار ألفريد غوزنباور، والذي يترأس حكومة ائتلافية مع حزب الشعب، منذ منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، هو تخفيض ثمن المقاتلات الأوروبية إلى حوالي النصف أو إلغائها بالكامل”. وأعرب دارابوس عن اعتقاده القوي بان قرار “الشركة الأوروبية المصنعة بقطع المباحثات مع الحكومة النمساوية هو قرار أحادي الجانب، وهو بالتالي قرار غير مقبول”.
وكانت ابعاد وخلفيات صفقة المقاتلات الأوروبية تصدرت قائمة الجدل السياسي لدى مختلف الأوساط الرسمية والحزبية والشعبية والنقابية في النمسا، حيث أجمعت آراء غالبية المسؤولين السياسيين على رفض الصفقة، وحذروا من تداعيات سحب 2 بليون يورو من خزينة الدول النمساوية من أجل شراء 18 مقاتلة أوروبية ليست النمسا بحاجة إليها في ظل سياسة الحياد بين الشرق والغرب التي تعتمدها منذ الاستقلال وجلاء الجيوش الأجنبية عن الأراضي النمساوية في العام 1955، والانفتاح الشامل على العالم منذ عهد المستشار النمساوي الراحل برونو كرايسكي. كما حذروا من خطورة إرهاق المواطن النمساوي بفرض المزيد من الضرائب لتأمين شراء تلك المقاتلات.
وكان المستشار النمساوي ألفريد غوزنباور حذر بدوره حزب الشعب المشارك في الائتلاف الحكومي من مغبة الانقياد وراء مصالح حزبية أو شخصية في إطار الاستفادة من صفقة المقاتلات الاوروبية. وأعرب غوزنباور في مؤتمر صحافي عقده يوم الثلاثاء الماضي، وخصصه لتقييم إنجازات حكومته خلال الـ 100 يوم المنصرمة، عن اعتقاده بأن تشكيل اللجنة البرلمانية للتحقيق بصفقة المقاتلات الأوروبية حشر حزب الشعب، وزجّه في موقف صعب. وأشار إلى أنه كان ينبغي على حزب الشعب أن لا يتورط بشراء المقاتلات الأوروبية بمجرد انبعاث رائحة كريهة منها. وشدد على القول “يجب على حزب الشعب أن يعمل على تبني مصلحة الشعب النمساوي وليس مصلحة الشركة الأوروبية”. أما نائب المستشار ووزير المالية فيلهلم مولترار فقد وصف الحوار الجاري حول صفقة المقاتلات بأنه يفتقر إلى الجدية، وشدّد على ضرورة ابقاء المسألة سرية.