المقاتلات الأوروبية تهدد برحيل الحكومة النمساوية
تفاقم حدة الخلافات حول قانون الأجانب وصفقة
حسين عون (صحفى مقيم بفيينا)
تفاقمت حدّة الخلافات بين جناحي الائتلاف الحاكم في النمسا والمؤلف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة المستشار ألفريد غوزنباور وحزب الشعب المحافظ بقيادة نائب المستشار فيلهلم مولترار، حول العديد من القضايا المحلية والأوروبية أبرزها كيفية الخروج من مأزق “صفقة المقاتلات الأوروبية” التي عقدتها الحكومة النمساوية السابقة، والبالغ ثمن شراء 18 مقاتلة منها 2 بليون يورو، وقانون الأجانب ومنح اللجوء السياسي، بالإضافية إلى مسائل اقتصادية واجتماعية وتعليمية أخرى مثل إلغاء الرسوم الجامعية، والتي تصدرت برامج الحملات التي خاضت على أساسها الأحزاب النمساوية الانتخابات البرلمانية التي جرت في أوائل تشرين الأول/أكتوبر 2006. ولم يستبعد المراقبون هنا أن يتعرض الائتلاف النمساوي الحاكم إلى “أزمة ثقة” من شأنها أن تضع مستقبل التحالف بين الحزب الاشتراكي وحزب الشعب على المحك، والدعوة إلى انتخابات مبكرة خلال الخريف المقبل، إذا لم يبادر القادة الحكماء في الحزبين اللدودين، إلى الاتفاق على الحد الأدنى من القواسم المشتركة حول المسائل الخلافية التي تهدد بانفراط العقد الحكومي. ويشير المراقبون إلى أن الخلافات الرئيسية بين جناحي التحالف احتدمت بعد انتهاء عطلة عيد الفصح المجيد حول مسألتين أساسيتين هما: صفقة المقاتلات الأوروبية وقانون الأجانب.
وفي الشق الأول، والمتعلق بصفقة المقاتلات الاوروبية المثيرة للجدل، والتي تعاقدت على شرائها الحكومة النمساوية السابقة برئاسة المستشار فولفغانغ شوسيل، وعارضها منذ البداية كل من الحزب الاشتراكي وحزب الخضر المعارضين آنذاك، احتدمت الخلافات بين قطبي الائتلاف الحاكم بعد فشل سلسلة من المناقشات التي عقدتها اللجنة البرلمانية التي تشكلت قبل تشكيل الحكومة النمساوية الحالية، وسلسلة الاجتماعات بين عدد من كبار المسؤولين في الحزب الاشتراكي وحزب الشعب قبل وبعد تشكيل الائتلاف في التوصل إلى حل توافقي ينهى الأزمة. كما حدثت خلال هذا الاسبوع، تطورات مفاجئة تندرج في إطار أبعاد وخلفيات إبرام صفقة المقاتلات الأوروبية، واحتمال قيام الحكومة النمساوية بإلغاء الصفقة برمتها. واستناداً إلى أحدث تصريح له، فقد أعلن وزير الدفاع نوربيرت دارابوس (عضو مجلس قيادة الحزب الاشتراكي)، بأن الحزب الديمقراطي الاشتراكي قد ينسحب من جانب واحد من الصفقة. وهو ما اعتبره المراقبون مؤشراً لنهاية التحالف مع حزب الشعب. كما سبق للوزير دارابوس أن أعلن تأجيل استلام الدفعة الأولى من المقاتلات الأوروبية التي كان من المقرر خلال الصيف المقبل إلى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
وكان وزير الدفاع النمساوي أنهى يوم الثلاثاء الماضي خدمات قائد سلاح الجو الجنرال إريك وولف بعد بروز معلومات تفيد بأنه زوجته تلقت أموالاً بطريقة غير مشروعة بلغ قيمتها 88 ألف يورو من لوبي له علاقة بالشركة المصنعة للمقاتلات الأوروبية. وفي هذا السياق، ذكرت وكالة الانباء النمساوية بأن الاتهامات الموجهة إلى الجنرال وولف قد تم رفعها إلى المدعي العام لدراستها قانونياً، ومعرفة ما إذا كانت تساعد النمسا على الغاء صفقة المقاتلات الأوروبية بدون أية خسائر. كما نسبت إلى خبراء نمساويين قولهم “لقد حصل تدفق لأموال غير مسموح بها إلى الجنرال وولف، والذي سبق له أن لعب دوراً بارزاً في اختيار المقاتلات الأوروبية، وهو ما يعتبر سبباً قانونياً لإلغاء الصفقة برمتها”. ولكن الوزير دارابوس استدرك قائلاً “المسألة لم تتضح بعد، ولا بد من إجراء المزيد من المشاورات بين أعضاء الائتلاف الحاكم”.
وجدير بالذكر أن حزب الشعب، والذي تولي زعيمه قيادة الحكومة السابقة، كان من بين أشد المؤيدين لابرام صفقة شراء المقاتلات الأوروبية منذ البداية، في حين عارضها وبشدة كل من الحزب الاشتراكي وحزب الخضر المعارضين. وأعرب أحد أبرز صناع القرار في الحزب الشعب وهو يوزيف برول وزير الزراعة والبيئة عن اعتقاده القوي بأن “الأمور تتجه نحو الأفضل بعد قرار وزير الدفاع بتنحية قائد سلاح الطيران”. ولكنه استدرك قائلاً “من السابق لأوانه إطلاق أية أحكام”. أما وزير الاقتصاد مارتن بارتنشتاين، فقد حذر من فداحة الخسائر التي ستدفعها النمسا في حال إلغاء صفقة المقاتلات الأوروبية. ولم يستبعد أن تصل تلك الخسائر إلى رقم 3 بلايين يورو، أي بزيادة بليون يورو عن ثمن المقاتلات. ومن المتوقع أن تشهد الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة تطورات قد تكون مفاجئة لمختلف الأوساط السياسية.
أما في الشق الثاني، المتعلق بقانون الأجانب، فقد تفاقم الخلاف بين أقطاب التحالف على خلفية تصفية حسابات قديمة بين وزراء الحزب الاشتراكي الديمقراطي ووزراء حزب الشعب الذين يتقاسمون الحقائب الوزارية بالتساوي، على الرغم من رجحان كفة الوزراء المحافظين الذين يسيطرون على عدد من اهم الوزارات في الحكومة النمساوية الموسعة، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر الخارجية والمالية والاقتصاد الوطني والداخلية. وفي الخلافات الجوهرية، تفيد المعلومات شبه المؤكد، أن الحزب الاشتراكي يصر على إجراء “تعديلات جذرية” في قانون الأجانب ومنح اللجوء السياسي، لاعتقاد عدد من كبار المسؤولين فيه بأنه أصبح، وبالصيغة التي أقرتها الحكومة السابقة قانون منع اللجوء السياسي، بالإضافة إلى المطالبة بإلغاء عدد من البنود التي لا تتسق مع سياسة على صعيد احترام حقوق الإنسان والتسامح. في حين يتمسك حزب الشعب بالقانون الجديد نصاً وروحاً ويرفض إجراء أية تعديلات فيه.
وكان الخلاف بين الحزب الاشتراكي وحزب الشعب حول قانون الأجانب برز مجدداً على السطح بعدما أكدت رئيسة البرلمان الاتحادي باربارا برامر (الحزب الاشتراكي)، بأن القانون الجديد يتضمن عدداً من الشوائب التي لا تنسجم مع سياسة النمسا القائمة مند الاستقلال، على أسس التسامح والتعايش الحضاري والثقافي واحترام حقوق الإنسان. وقد رد نائب المستشار النمساوي فيلهلم مولترار (عضو مجلس قيادة حزب الشعب)، وقال “لم يعد هناك أي مجال لإجراء أية تعديلات في بنود القانون بعدما أقرّه مجلس البرلمان الاتحادي السابق، ودخل حيّز التنفيذ اعتباراً من أول العام 2005”.
أما المستشار النمساوي غوزنباور فقد أعرب عن تأييده القوي لإعادة تقييم عدد من القوانين التي أقرتها الحكومة أو البرلمان السابقين، ومن بينها قانون الأجانب ومنح اللجوء السياسي، والذي يتضمن بنود مثيرة للجدل من شأنها أن تسهم بتشويه صورة النمسا، وخصوصاً الأحكام التي تنص على سجن طالبي اللجوء الذين فشلوا في الحصول على حق اللجوء ولعدة مرات، بالإضافة إلى ترحيل أي لاجئ سياسي سبق له أن رفض طلبه في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي إلى البلد الأول الذي قدم فيه طلب اللجوء. وكذلك البند المتعلق بترحيل اللاجئين السياسيين المرضى أو الذين يعانون من أمراض خطيرة والذين كانوا من بين اللاجئين الذين يتمتعون بتسهيلات وحماية كاملة في السابق. كما ينص قانون الأجانب الذي دخل حيز التنفيذ عام 2005، على فرض عقوبات شديدة على أولئك المتورطين بتهريب المهاجرين، وكذلك الذين قاموا بترتيب عقود زواج بين اللاجئين واللاجئات الأجانب مع نساء ورجال نمساويين، وضد المواطنين النمساويين الذين يقومون بتبني أجانب من أجل تسهيل حصولهم إذن الإقامة أو الجنسية النمساوية.
وكان مسؤولون في حزب الخضر المعارض صبوا جام غضبهم على قانون الأجانب ومنح اللجوء السياسي، ووصفوه بـ “القانون الجائر”، لأنه يساهم في تمزيق مئات العائلات وتشريدها. وأشاروا إلى أنه بموجب هذا القانون، بات الأطفال الأجانب الذين ولدوا في النمسا أصبحوا تحت طائلة التهديد بالترحيل عن البلاد. أما حزب الأحرار اليميني المتطرف، فقد نحا نحواً أكثر تشدداً وطالب باتخاذ تدابير صارمة أكثر للحد من تدفق المهاجرين بطريقة مشروعة أو غير مشروعة.