يحكي كل عمود قائم بها حكايات تاريخ أكثر مما تحويه الكُتب، وبين جدرانها يصلي الكثيرين، ويتلون من كتابهم المقدس ما تهدأ به أرواحهم، ولكن جاء ما نثر الدماء على كتبهم ونشر الضجيج الصاخب بعد سكون صلاوتهم، وسقط منهم الجدة والابنة والأم والرضيعة لتعود أرواحهم وترقد في سلام، داخل الكنيسة البطرسية التي تحمل من عبق التاريخ الكثير.
عُرفت الكنيسة –ذات الطراز الايطالي- بالبطرسية لتولي عائلة «بطرس غالي باشا»، بنائها فوق ضريحه في العباسية عام 1911، على نفته الخاصة بعد اغتياله على يد ابراهيم ناصف الورداني في فبراير 1910، لتصبح الكنيسة الوحيدة المملوكة لعائلة في مصر.
فنيًا، لها أهمية كبيرة وتاريخية حيث صُممت المباني والزخارف، على يد مهندس السرايات الخديوية للخديوي إسماعيل «أنطون لاشك بك»، واتسمت ببنائها على الطراز «البازيليكي»، ويبلغ طولها 28 مترًا وعرضها 17 مترًا، ويتوسطها صحن الكنيسة والذي يفصل بينه وبين الممرات الجانبية صف من الأعمدة الرخامية في كل جانب.
ويعلو صف الأعمدة مجموعة من الصور رسمها الرسام الإيطالي «بريمو بابتشيرولي»، الذي أمضى 5 سنوات في تزيين الكنيسة بهذه اللوحات الجميلة والتي تمثل فترات من حياة السيد المسيح والرسل والقديسين.
وتضم الكنيسة العديد من لوحات الفسيفساء التي قام بصناعتها «الكافاليري إنجيلو جيانيزي» من «فينسيا» مثل فسيفساء التعميد، والتي تمثل السيد المسيح ويوحنا المعمدان في نهر الأردن، ويوجد أمامها حوض من الرخام يقف على أربعة عمدان، كما توجد صورة بالفسيفساء في قبة الهيكل تمثال للسيد المسيح العرش وعلى يمينه السيدة العذراء وعن اليسار «مارمرقس الرسول».
اشتهرت العائلة البطرسية في العصر الحديث بشكل كبير وأفردت لها مكتبة الإسكندرية موسوعة خاصة بعنوان: «العائلة البطرسية: سيرة عائلة قبطية»، تتضمن أكثر من ألف وثيقة نادرة وعشرات الصور، فهي عائلة مصرية قبطية سطَّر أبناؤها العديد من صفحات تاريخ مصر.
وشاركت العائلة في تحديد مصير مصر في عدة فترات مهمة منذ الثورة العرابية، وتوقيع إتفاقية السودان، مرورًا بثورة 1919، واتفاقية 1936، ووصولاً إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ومباحثات كامب ديفيد، وحاز واحد من أبنائها على منصب الأمين العام للأمم المتحدة كأول مصري وعربي يصل إلى تلك المكانة الهامة والبارزة.
وهو الآن يرقد في سلام في الحديقة المجاورة للكنيسة التي استهدفها الارهاب الغاشم صباح اليوم.
ونأتى إلى حادث التفجير الإرهابى، فقد ذكرت مصادر، أن عدد ضحايا انفجار الكاتدرائية بلغ 40 قتيلاً، وغالبيتهم من السيدات.
وأضافت المصادر، وفقاً لفضائية “سي بي سي إكسترا”، أن معظم الوفيات من النساء والأطفال، تم نقلهم إلى مستشفيات عين شمس ودار الشفاء والدمرداش.
وأوضحت أن القنبلة كانت في مقاعد السيدات داخل الكنيسة، وتسببت في تدمير جميع الملامح التاريخية للكنيسة القديمة. وأكدت المصادر أن المتواجدين داخل الكنيسة، اليوم، الأحد، كانوا يؤدون صلاة القداس، بينما قوات الأمن تقوم بتفريغ جميع الكاميرات لمعرفة ملابسات الحادث.