رفض الرياض الاعتذار.. مقاطعة عزاء «تركي».. وبيان «القطان» يكرس الأزمة بين الجانبين خطوات عدة إلى الخلف قطعتها العلاقات المصرية – السعودية خلال الفترة الأخيرة، بددت أجواء التفاؤل التي خيمت عليها؛ إثر زيارة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد إلى القاهرة مؤخرًا؛ في إطار مساعيه لتضييق فجوة الخلافات بين الحليفين الإقليميين، حيث تشهد علاقاتهما مساحة من التوتر؛ بعد تصويت مصر لصالح مشروع روسي حول سوريا، الأمر الذي ردت عليه المملكة بوقف تزويد مصر باحتياجاتها من النفط.
ورفضت السعودية الاستجابة للشروط المصرية للتطبيع بين البلدين، والتي نقلتها خلال زيارة “بن زايد” متمسكة بصدور اعتذار رسمي من الملك سلمان بن عبد العزيز، عن إساءة الأمين العام المُقال لمنظمة التعاون الإسلامي، إياد مدني للرئيس عبدالفتاح السيسي، إذ اعتبرت الرياض، أن خطوتها الاسترضائية للقاهرة بإقالته تبدو كافية لإنهاء الأزمة.
وكرّس العزاء المقتضب الذي أصدرته الرئاسة المصرية للمملكة في وفاة الأمير تركي بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان، وغياب التمثيل الرسمي المصري عن الجنازة، حالةً من البرود في علاقات البلدين، خاصةً أن القاهرة دأبت خلال السنوات الماضية على المشاركة بوفود رفيعة المستوى في أي فقيد للأسرة الحاكمة، إذ شارك المشير طنطاوي في جنازة الأمير نايف، وبعده شارك السيسي في عزاء الملك عبد الله بن عبد العزيز.
“زاد الطين بلة” إعلان القاهرة، عن التوصل إلى اتفاق مع الكويت تمد بموجبه مصر بحوالي مليوني برميل من النفط سنويًا بشروط ميسرة، وتسهيلات في السداد، فيما اعتبر رسالة منها تؤكد عدم اكتراثها بوقف الرياض تزويدها باحتياجاتها النفطية، وأن ذلك لن يجعلها تلين مواقفها فيما يتعلق بالوضع في سوريا واليمن.
ونفى السفير السعودي لدى القاهرة، أحمد القطان، احتمالات زيارة أي وفد ملكي سعودي للقاهرة خلال المرحلة القادمة؛ للبحث في سبل تطويق الخلافات، الأمر الذي يؤكد رفض الرياض للتسوية التي طرحها ولي عهد أبو ظبي على البلدين؛ لتطبيع علاقاتهما، والتأكيد على تمسك كل طرف بمواقفه، وعدم إبداء أي منهما لأي مرونة في الملفات الخلافية.
وبددت هذه الخلافات تفاؤل المراقبين بإمكانية نجاح الوساطة الإماراتية في تسوية الخلافات بين العاصمتين العربيتين الكبيرتين، لاسيما أن قيام الإمارات بهذه الوساطة جاء استشعارًا منها بصعوبة الموقف العربي؛ بعد وصول الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض، في ضوء طروحاته المتطرفة تجاه دول المنطقة عمومًا والخليج خصوصًا.
وطرح بن زايد على كل من القاهرة والرياض، تشكيل جبهة عربية موحدة؛ تمنع تحول المنطقة لـ”كبش فداء” لطموحات الساكن الجديد للبيت الأبيض، وقطع الطريق للنظر إليها كمخزن للنفط ومليارات الدولارات، التي يعتزم السطو عليها؛ لمواجهة العجز الكبير في الموازنة الأمريكية، وهو طرح لم يجد آذانا صاغية بين البلدين، إذ تعتقد الرياض أن لديها أوراقًا قادرة على لحجم “ترامب”، في ظل نفوذها لدي شركات السلاح الأمريكية، فضلًا عن أن العلاقات الذهبية للرياض مع واشنطن كانت في عهد رؤساء جمهوريين.
وتراهن الرياض كذلك على أن وصول “ترامب” للسلطة وموازين القوى داخل واشنطن سيلجم كثيرًا من تهوره، بل يجعله يتبنى خطوات مغايرة؛ لاسيما أن الكونجرس الأمريكي ذات الأغلبية الجمهورية قد أقر فرض عقوبات على الدول الداعمة للنظام السوري، بما فيها مصر وروسيا وإيران، بشكل يؤكد أن رهان القاهرة على ربيع يسود علاقاتها مع واشنطن، أمر مبالغ فيه بشكل يصب في النهاية لصالح الرياض.
مع هذا، رأى مراقبون، أن وجود “ترامب” في البيت الأبيض، وتبنيه مواقف معادية للمنطقة قد يدفع البلدين العربيين الكبيرين إلى البحث عن تسوية لخلافاتهما، والبحث عن سبل تمنع تغول الإدارة الأمريكية في التصرف بنهج عدائي ضد الدول العربية؛ في ظل ما تملكه البلدان من أوراق مهمة، منها الحرب على الإرهاب، والنفط بشكل قد يسيل لعاب الساكن الجديد للبيت الأبيض؛ للحفاظ على مصالح دول المنطقة.
ورجحت مصادر دبلوماسية، أن تسهم مخاوف دول الخليج من توجهات “ترامب” في تخفيف حدة مواقفها تجاه مصر، وفي مقدمتها السعودية الراغبة في إيجاد تحالف قوي عربي وإسلامي يوجه خطابًا موحدًا للرئيس الأمريكي المنتخب، بضرورة وضع المصالح العربية والخليجية ضمن أولوياته بعد تسلم السلطة، بشكل يرجح معه اتخاذ خطوات تقارب مع القاهرة قد يكون من بينها استئناف ضخ المشتقات النفطية، وتقديم معونات لإقالة الاقتصاد المصري من عثرته إذا اتخذت القاهرة خطوات تطمئن الرياض، لاسيما فيما يتعلق بالملفين اليمني والسوري.
ويدعم هذا الطرح السفير، إبراهيم يسري، مساعد وزير الخارجية الأسبق، مرجحًا أن يساهم “ترامب” بشكل غير مباشر في تحسن العلاقات المصرية السعودية؛ بسبب تخوف النظام السعودي الحالي من رئاسة “ترامب”.
وأضاف يسري أن “السعودية ستعود إلى أحضان النظام المصري الحالي؛ بسبب تخوفاتها بشأن تصريحات “ترامب”، أثناء حملته الانتخابية، والتي حملت كراهية للإسلام والمسلمين، بالإضافة إلى دول الخليج ومن بينها السعودية”.
من جانبه، أكد السفير معصوم مرزوق، الدبلوماسي السابق، أن وصول “ترامب” إلى البيت الأبيض سيدفع القاهرة والرياض لإجراء مراجعة للعلاقات بينهما، ووضع أساس جديدة تقبل الخلافات، وتعيد تطبيع العلاقات لمواجهة تهور الساكن الجديد للبيت الأبيض.
أوضح معصوم، أن “ترامب يميني متطرف وله موقف معادٍ من النظام السعودي الحالي قبل أن يتولي الحكم”، مؤكدًا أن “أمريكا تنظر إلى السعودية على أنها خزانة وقود فقط”.
غير أنه رجح دخول واشنطن على خط العلاقات المصرية السعودية؛ لمنع أي تقارب بين القاهرة والرياض؛ باعتبار التقارب خصمًا من أرصدة واشنطن، على كلامه بتصريحات “ترامب”، والتي قال فيها إن أمريكا لن تحمي أحدًا دون مقابل، وإن السعودية يجب أن تدفع ثمن حماية عرشها، واصفًا الأول بأنه متسرع ومتهور، إلا أن جماعات الضغط المتواجدة في واشنطن ستخفف من تهوره.