عالم من علماء مصر الذين برعوا في علم الجيولوجيا وحقق العديد من الانجازات ووصل إلي ارفع المناصب العلمية له العديد من الأبحاث والانجازات العلمية .
ولادته ونشأته
وُلِد د. فاروق في الأول من يناير عام 1938م من أسرة بسيطة الحال في قرية طوخ الأقلام من قرى السنبلاوين في محافظة الدقهلية، شجَّعه الوالدان على التدرج في مراحل التعليم المختلفة، حيث كانا يؤمنان دائمًا بقدراته ونبوغه.. كان والده أول من حصل على التعليم الأزهري في قريته.. وكانت أمه رغم بساطتها عونًا له في اتخاذ قراراته المصيرية؛ حيث كانت تمتلك ذكاء فطريًّا على حد وصف د. فاروق.
كانت أمنيته أن يكون طبيبًا جراحًا للمخ.. ولكن آماله باءت بالفشل حينما لم يسمح له مجموعه الكلِّي بالالتحاق بكلية الطب؛ فاضطر بروح أقل حماسة إلى الالتحاق بكلية العلوم – جامعة عين شمس – واختارها دون كلية طب الأسنان؛ لأنها كانت أقرب إلى مسكنه، ويستغرق المشي إليها ساعة ونصف، وهو ما يساعده على عدم إهدار القروش في الذهاب إليها بالمواصلات العامة.. رغم أنه كان يهوى منذ الصغر الذهاب إلى الرحلات الكشفية وجمع العيِّنات الصخرية، فلم يسمع عن علم الجيولوجيا – منبع نبوغه – إلا حينما التحق بكلية العلوم.
حصل على شهادة البكالوريوس (كيمياء – جيولوجيا) في عام 1958م، وقام بتدريس مادة الجيولوجيا بجامعة أسيوط حتى عام 1960م، حينما حصل على منحة لاستكمال دراسته بالولايات المتحدة. نال شهادة الماجستير في الجيولوجيا عام 1961م من معهد علم المعادن بميسوري الأمريكية.. وحصل على عضوية فخرية في إحدى الجمعيات الهامة (Sigma Xi) تقديرًا لجهوده في رسالة الماجستير، نال شهادة الدكتوراة في عام 1964م وتخصَّص في التكنولوجيا الاقتصادية.. واستطاع خلال هذه الفترة زيارة المناجم الهامة، وجمع آلاف العيِّنات من بلاد العالم التي زارها.
كانت عيون د. فاروق متجهة دائمًا إلى مصر طوال فترة إقامته بأمريكا. جمع عيِّناته وأبحاثه ورجع إلى بلاده، وكلُّه أمل في إنشاء معهد عالٍ للجيولوجيا في بلده الحبيب.. إلا أن المفاجأة كانت في انتظاره.. “عليك استلام عمل كمدرس للكيمياء في المعهد العالي بالسويس”، هكذا بكل بساطة بعد ثمانية أعوام في دراسة الجيولوجيا يدرِّس الكيمياء في معهد لم يسمع عنه من قبل.
رغم صدمته واندهاشه، لم يفقد الأمل.. وانطلق إلى المسئولين بالوزارة لكي يسمعه أحد، ولكن جهوده باءت بالفشل بعد ثلاثة أشهر من المثابرة.. واضطر إلى الذهاب لاستلام عمله في هذا المعهد الغامض؛ أملاً منه في أن يسمعه أحد بعد استلام وظيفته الجديدة.
ولكنه تقابل هناك قَدَرًا بصديق جعله الله سببًا لتغيير مسار حياته، التقى بأحد زملائه الفيزيائيين، وكان حاصلاً على الهندسة النووية من روسيا، واضطر إلى تدريس مادة الصوت والضوء، حيث نصحه بعدم استلام عمله حتى لا يفقد كل شيء.. فاحتال د. فاروق وسحب أوراقه بعد دقائق من تقديمها إلى إدارة المعهد.
“لم أتخيل يومًا أن أهاجر بعيدًا عن بلدي”.. قالها د. ألباز وهو يحكي قصة هجرته؛ ففي ديسمبر من عام 1966م وبعد سنة من المعاناة، قرَّر أن يسافر سرًّا إلى أمريكا؛ خوفًا من الظروف السياسية الشائكة التي كانت في مصر آنذاك. وهناك بدأ في رحلة شاقة للبحث عن عمل، ونظرًا لوصوله بعد بدء العام الدراسي، فلم تقبله أي جامعة من الجامعات؛ فأخذ يبعث طلبات التحاق إلى الشركات جاوزت المائة في عددها، إلى أن بعثت له “ناسا” التي كانت تطلب جيولوجيين متخصصين في القمر الموافقة وسط دهشة د. فاروق.
والعجيب أنه لم يكن يعلم شيئًا عن جيولوجيا القمر، ودخل ناسا وهو لا يعلم أنه سيكون له فيها شأن. وقد وفَّقه الله إلى أحد المؤتمرات الجيولوجية والتي تحدَّث فيها علماء القمر عن فوَّهاته ومنخفضاته وجباله. لم يفهم شيئًا، وهو ما قيل طيلة ثلاثة أيام متواصلة، وحينما سأل أحد الجالسين عن كتاب يجمع هذه التضاريس، أجابه قائلاً: “لا حاجة لنا إلى أي كتاب فنحن نعرف كل شيء عنه”.. حرَّكته الإجابة إلى البحث والمعرفة، ودخل المكتبة التي ضجَّت بالصور القمرية التي يعلوها التراب، وعكف على دراسة 4322 صورة طيلة ثلاثة أشهر كاملة، وتوصل إلى معلومات متميزة.
الانجازات
اكتشف د. الباز أن هناك ما يقرب من 16 مكانًا يصلح للهبوط فوق القمر، وفي المؤتمر الثاني الذي حضره. كان د. الباز على المنصَّة يعرض ما توصَّل إليه وسط تساؤل الحاضرين عن ماهيته، حتى إن العالِم الذي قال له من قبل نحن نعرف كل شيء عن القمر قام وقال: “اكتشفت الآن أننا كنا لا نعرف شيئًا عن القمر”.
دخل الباز تاريخ ناسا، وأوكلت له مهمتين رئيسيتين في أول رحلة لهبوط الإنسان على سطح القمر: الأولى هي اختيار مواقع الهبوط على سطح القمر، والثانية تدريب طاقم روَّاد الفضاء على وصف القمر بطريقة جيولوجية علمية، وجمع العيِّنات المطلوبة، وتصويره بالأجهزة الحديثة المصاحبة.
تقديرًا لأستاذه؛ بعث “نيل آرمسترونج” برسالة إلى الأرض باللغة العربية، واصطحب معه ورقة مكتوب عليها سورة الفاتحة ودعاء من د. فاروق تيمنًا منه بالنجاح والتوفيق.
بانطلاق أبوللو ونجاح مهمته سطع نجم د. فاروق الباز، بعد مشاركته فيه من عام 1967م إلى 1972م، وبدأ اسمه يأخذ مكانًا في الصحافة العلمية والتلفزيون الأمريكي.
بعد انتهاء مهمة أبولُّلو، شارك مع معهد Smithsonian بواشنطن في إقامة وإدارة مركز أبحاث الكون في المتحف الدولي للفضاء.
وفي عام 1973م عمل كرئيس الملاحظة الكونية والتصوير في مشروعApollo- soyuz الذي قام بأول مهمة أمريكية سوفييتية في يوليو 1975م.
وفي عام 1986م انضم إلى جامعة بوسطن، مركز الاستشعار عن بُعد باستخدام تكنولوجيا الفضاء في مجالات الجيولوجيا، الجغرافيا، وقد طوَّر نظام الاستشعار عن بُعْد في اكتشاف بعض الآثار المصرية.
توجَّه د. الباز بعد ذلك إلى دراسة الصحراء.. وخلال 25 عامًا قضاها في هذا المجال حتى الآن، اهتم بتصوير المناطق الجافة خاصة في صحراء شمال أفريقيا، وجمع معلوماته من خلال زياراته لكل الصحراء الأساسية حول العالم.. كان أكثرها تميزًا زيارته للصحراء الشمالية الغربية في الصين، بعد تطبيع العلاقات مع أمريكا عام 1979م.. وبسبب أبحاثه انتخب زميلاً للمعهد الأمريكي لتقدم العلوم AAAS.
كان مما يميز د. الباز استخدامه التقنيات الحديثة في دراسة الصحراء؛ حيث استخدمها أولاً في الصحراء الغربية بمصر، ثم صحراء الكويت، قطر، الإمارات، وغيرها.
وقد فنَّدت أبحاثه المعلومات السابقة أن الصحراء كانت من نتائج فعل الإنسان، وأثبت أنها تطور طبيعي للتغيرات المناخية للأرض.
اختاره الرئيس المصري أنور السادات مستشارًا علميًّا لحكومته عام 1978م –1981م، وكلَّفه بمهمة اختيار أماكن صحراوية تصلح لإقامة مشروعات عمرانية جديدة. وقد شرح بطريقة علمية دقيقة كيفية الاستفادة من الموارد الطبيعية لبلده مصر. دعا إلى أهمية دراسة المياه الجوفية، والتي يهدر منها الكثير في البحار والمحيطات دون استخدام، وطبَّق التكنولوجيا الفضائية لدراستها ودراسة مسارات البحيرات الناضبة.
نادى – وما زال ينادي – “بقمر خاص متخصص للصحراء”؛ لأن كل الصور الفضائية المعمول بها إنما تكون لدراسة الغطاء النباتي، ولكوننا أولى الناس بدراسة أراضينا الصحراوية من الغرب الذي لا يمتلك شيئًا منها، وقد عمل على إنشاء مراكز تدرس التصوير الفضائي والاستشعار عن بُعْد في كل من قطر، مصر، السعودية، الإمارات.
حشد الشهادات والميداليات
انتخب د. الباز كعضو، أو مبعوث أو رئيس لما يقرب من 40 من المعاهد والمجالس واللجان.. منها انتخابه مبعوثًا لأكاديمية العالم الثالث للعلوم TWAS في 1985م، وأصبح من مجلسها الاستشاري في 1997م، وعضوًا في مجلس العلوم والتكنولوجيا الفضائية، ورئيسًا لمؤسسة الحفاظ على الآثار المصرية، وعضوًا في المركز الدولي للفيزياء الأكاديمية في اليونسكو، مبعوث الأكاديمية الأفريقية للعلوم، زميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم بباكستان، وعضوًا مؤسسًا في الأكاديمية العربية للعلوم بلبنان.. ورئيسًا للجمعية العربية لأبحاث الصحراء.
كتب د. الباز 12 كتابًا، منها أبوللو فوق القمر، الصحراء والأراضي الجافة، حرب الخليج والبيئة، أطلس لصور الأقمار الصناعية للكويت.. ويشارك في المجلس الاستشاري لعدة مجلات علمية عالمية.
كتب مقالات عديدة، وتمت لقاءات كثيرة عن قصة حياته وصلت إلى الأربعين.. منها “النجوم المصرية في السماء”، “من الأهرام إلى القمر”، “الفتى الفلاح فوق القمر”.. وغيرها.
حصل د. الباز على ما يقرب من 31 جائزة، نذكر منها على سبيل المثال: جائزة إنجاز أبوللو، الميدالية المميزة للعلوم، جائزة تدريب فريق العمل من ناسا، جائزة فريق علم القمريات، جائزة فريق العمل في مشروع أبوللو الأمريكي السوفييتي، جائزة ميريت من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات، جائزة الباب الذهبي من المعهد الدولي في بوسطن، الابن المميز من محافظة الدقهلية، وقد سمِّيت مدرسته الابتدائية باسمه.. وهو ضمن مجلس إمناء الجمعية الجيولوجية في أمريكا، المركز المصري للدراسات الاقتصادية، مجلس العلاقات المصرية الأمريكية.
وقد أنشأت الجمعية الجيولوجية في أمريكا جائزة سنوية باسمه أطلق عليها “جائزة فاروق الباز لأبحاث الصحراء”.
تبلغ أوراق د. الباز العلمية المنشورة إلى ما يقرب من 540 ورقة علمية، سواء قام بها وحيدًا أو بمشاركة آخرين.. ويشرف على العديد من رسائل الدكتوراة.