الجبل فى المعجم “اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال من الأعلام والأطواد والشناخيب وأما ما صغر وانفرد فهو من القنان والقور والأكم والجمع أجبل وأجبال وجبال.”
قال الله تعالى “والجبال أوتادا” “النبأ آية 7” وصف القرآن الجبال فى تسع وثلاثين آية صريحة منها هذه الآية التى تصف الجبال بالأوتاد، وكما أن الوتد مدفون فى الأرض، وأقله ظاهر على السطح ووظيفته التثبيت فقد اكتشف علماء الأرض مؤخرا أن هكذا الجبال، فكل نتوء فوق سطح الأرض له امتداد فى داخلها يتراوح طوله بين 10 الى 15 ضعف ارتفاعه فوق مستوى سطح البحر فكلما كان الارتفاع فوق سطح الأرض كبيرا تضاعف الجزء الغائر فى الأرض امتدادا الى داخلها، ليخترق الغلاف الصخرى للأرض بالكامل ويطفو فى نطاق الضعف الأرضي، وهو نطاق شبه منصهر، المادة فيه لدنة، عالية الكثافة عالية اللزوجة، تطفو فيها أوتاد الجبال كما تطفو جبال الجليد فى مياه المحيطات، تحكمها فى ذلك قوانين الطفو، فكلما برت عوامل التعرية قمم الجبال، ارتفعت تلك الجبال الى أعلى حتى تخرج امتداداتها الداخلية من نطاق الضعف الأرضى بالكامل، وحينئذ تتوقف الجبال عن الحركة حتى يتم بريها، فيظهر فى أعماقها من الثروات الأرضية مالا يمكن أن يتكون الا تحت مثل تلك الظروف الاستثنائية من الضغط والحرارة، التى سادت فى أعماق الجبال.
هذا البيان القرآنى المعجز الذى يصف كلا من الشكل الخارجى للجبل وامتداده الداخلى ووظيفته فى كلمة واحدة “أوتاد” يظهر تفوق القرآن الكريم على جميع المعارف الانسانية التى لا تزال الى يومنا هذا تورد تعريف الجبل فى أكثر القواميس العلمية واللغوية انتشارا على أنه نتوء فوق سطح الأرض، يختلف العلماء فى تحديد ارتفاعه بأكثر من 310 مترا ومن 620 متر فوق سطح الأرض من حوله.
أما الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم فلا يجوز أن يوظف فيه إلا القطعى الثابت من الحقائق العلمية، وذلك لأن الاعجاز العلمى هو موقف تحد، والمتحدى لابد وأن يكون واقفا على أرضية صلبة.
وذلك لأننا نقصد بالاعجاز العلمى للقرآن الكريم هو سبق هذا الكتاب الخالد، بالاشارة الى عدد من حقائق الكون وظواهره لم تكن معروفة لأحد من البشر فى زمن تنزله، ولا لقرون متطاولة من بعد تنزله، وإثبات أن القرآن الكريم، الذى أوحى به الى نبى أمي، صلى الله عليه وسلم، فى أمة أمية قبل أربعة عشر قرنا “والآن أصبح خمسة عشر قرنا” يحوى من حقائق هذا الكون مالم يتمكن الانسان من الوصول اليه الا منذ عقود قليلة، وبعد مجاهدات طويلة عبر عدد من القرون المتواصلة.
وهذا لا يمكن لعاقل أن يتصور إمكانية حدوثه إلا بوحى من الله الخالق الباريء المصور.
ويستثنى من هذه القاعدة آيات الخلق والافناء والبعث بما فى ذلك خلق الكون، وخلق الحياة، وخلق الانسان، لأنها من القضايا التى لم يشهدها الإنسان، وفى ذلك يقول الحق، تبارك وتعالى “ما أشهدتم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا” “الكهف آية 50”.
ومن هذا المدلول يمكن لنا أن نفهم الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم. لنعود الى الجبال يقول الله تعالى “والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم” “النازعات آيتان 33-32” ويقول سبحانه أيضا “وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون” “النحل آية15” والآيات القرآنية فى إرساء الأرض بالجبال كثيرة “عشر آيات” ولم تعرف هذه الحقيقة إلا منذ ثلاثة عقود فقط، فتمزق الغلاف الصخرى للأرض بشبكة الصدوع يقسم ذلك الغلاف الى عدد من الألواح واللويحات “الألواح الصغيرة” التى تطفو فوق نطاق الضعف الأرضي.
وتتحرك مع دوران الأرض حول محورها حركة سريعة منزلقة فوق نطاق الضعف الأرضي، كما تتحرك باتساع قيعان البحار والمحيطات واندفاع ملايين الأطنان من الطفوح والمتداخلات النارية عبر صدوعها لتدفع قيعان تلك البحار والمحيطات تحت كتل القارات مما يجعلها تميد وتضطرب بصورة لا تسمح لتربة أن تتجمع، ولا لماء أرضى أن يخزن ولا لنبتة أن تخرج، ولا لعمران أن يقام، ولا تهدأ هذه الحركة إلا بتكوّن الجبال التى تثبت بامتداداتها العميقة كتل القارات فى قيعان البحار والمحيطات وإذا تلاشى قاع البحر الفاصل بين قارتين فانهما تصطدمان مكونتين أعلى السلاسل الجبلية على حافة القارة الراكبة فتقوم الامتدادات العميقة للجبال بربط كتلتى القارتين المتصادمتين وتتوقف حركتهما فى هدوء يسمح بالعمران “كما حدث فى ارتطام شبه القارة الهندية بالقارة الآسيوية وتكون جبال الهيمالايا، وهى من أحدث السلاسل الجبلية وأعلاها ارتفاعا فوق سطح البحر”