محاضرة للشيخ عدنان إبراهيم إمام وخطيب مسجد الشورى
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد بن عبدالله النبي الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين ربنا افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، سيداتي سادتي أحييكم جميعا بتحية الإسلام وتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. سأتحدث أولاً في مقدمة سريعة عن موقف الإسلام من الجسد، وعن موقف الإسلام من المتعة الجسدية، ثم ستأكلم بعد ذلك عن الختان.
أولا فيما يتعلق بموقف الإسلام من الإنسان فهو يتعاطى مع هذا الإنسان في كليته، يأخذه روحا وجسداً جملة واحدة، التناول الإسلامي للإنسان لا يقبل التفكيك، يرفض اختزال الانسان الى مجرد جسد، ويرى في ذلك تخفيضاً لهذا الانسان، كما أنه في نفس الوقت يرفض اختزال الإنسان وتخفيضه الى محض روح وإن من يجازف بالتنكر لجسده ورغائبه وأشواقه في نهاية المطاف سيقع ضحية لهذا الجسد، وبالنسبة للمعاشرة الجنسية في إطار مؤسسة الزواج، فإن موقف الاسلام جد واضح وجد متفتح أيضاً، سانت أوغستين أو القديس أوغستين (ذو الأصل الجزائري صاحب مدينة الله والإعترافات) وصف اللذة الجنسية بأنها خطأ البشرية لا خطأ الرب سبحانه وتعالى، إلا أنه وصفها بأنها شيء ( مقرف )، كما أن ترتاليان أنه وصف المتعة الجنسية بأنها شيء يهبط بمستوى إنسانية الإنسان، في المقابل نجد الإسلام يقرر بوضوح: أن التبتل والرهبنة والإنقطاع عن تلبية أشواق وحاجت الجسد ليست طريقاً إلى الله، بل وجد من علماءنا كالإمام أحمد من كان يقول إن كبار المتزهدين والسائرين الى الله كبِشْر ابن الحارث مثلاً أن ما قَصَّر بهم عن بلوغ منزلة الكمال هو تركهم الزواج، قال أحمد: لو تزوج بِشْر لَتَمَّ أمره.
لا أريد الآن أن أسوق الأدلة والشواهد التي تؤكد على حق المرأة في المعاشرة الجنسية لأنها واضحة جداً وكثيرة في القرآن والسنة، إنما أريد أن أدخل الى ما هو أكثر حساسية، حق المرأة في المتعة الجنسية، هل للمرأة لها حق في الإستمتاع الجنسي، أم أن حقها يقف فقط عند حدود المعاشرة الجنسية، بمعنى أنها تمثل ميداناً سلبياً لمتعة الرجل (الزوج)؟ كلا، فإن الإسلام يقرر أنَّ حق المرأة في الإستمتاع الجنسي مكفول بل لعله يكون أعظم من حق الرجل، ذلك أن القاعدة الشرعية تنص على أن ” الخراج بالضمان ” والغرم بالغنم وطبعاً النعمة بقدر النقمة، وما معنى أن المرأة هي التي ستتحمل تبعة هذا الوقاع أو هذه المعاشرة الجنسية حملاً وولادة، إذاً من باب أولى أن يكون حقها في الاستمتاع الجنسي مؤكداً أكثر من حق الرجل، القرآن يكني – لا يستخدم لغة التصريح – عن المعاشرة الجنسية في آيات كثيرة بالمس واللمس، وبحسب علم الجنس الحديث المعاصر نعلم أن المس واللمس هو عنصر مهم جداً، في تهييج المرأة واستثارتها، فكأن القرآن يقول لنا لا حقيقة للمعاشرة إن لم تكن مساً، وفي آية أخرى أعجب يقول الله عز وجل ( نساءكم حرث لكم ) كالأرض التي تُحرث، وأنتم تعلمون أن الأرض لا تحرث إلا بعد أن يُقْلب كل شبر فيها، فلا بد أن تُعطى حقها من التقليب والتهوية، وكذلكم جسد الزوجة، لا بد أن يقلب بالكامل كما تقلب الأرض، بعض الناس لم يأخذ من هذه الآية إلا الإشارة الإعجازية الى ما يعرف بالعامل المحدد للجنس لا بأس، لكنها تحدث أيضاً عن مقدمات الوِقاع أو المعاشرة الجنسية فالآية تفتح أفقاً وسيعاً أمامنا كي نتفنن في اصطناع فنون المعاشرة الجنسية، يقول تعالى ( فأتو حرثكم أنى شئتم )، أي لا تلتزموا وضعية واحدة، كل الوضعيات مسموح بها، ما دام ذلك في صمَّام واحد، أما الوضعيات فهي مفتوحة تماماً ثم تقول الآية ( وقدموا لأنفسكم ) والتقدمة هنا ما معناها؟ بحسب ما نفهم من سياق الآية وموضوعها وبحسب ما جاءت به الأحاديث الكثيرة، التي نَوَّرَت مقصد الآية، يظهر أن المقصود بها مقدمات الوقاع، ما يصطنعه الرجل والمرأة كلاهما قبل هذه العملية وهذه الأشياء جزء من العملية ذاتها، ومما يُروى عنه صلى الله عليه وسلم: ” لا يقعن أحدهم على أهله كما تقع البهيمة وليجعل بينهما رسولاً ( واسطة )، قالوا وما الرسول يا رسول الله، قال: القبلة والمداعبة، وفي رواية القبلة والكلام “. أخرجه الديلمي. الكلام لأنَّ المرأة تعشق بأذنيها وتستثار بأذنيها أكثر من باصرتها، وفي حديث آخر، أخرجه أبو يعلى الموصلي: ” ليصدق أحدكم زوجه قبل أن يأتيها، بمعنى أن يعطيها صدقة، ما المراد بالصدقة؟ هدية صغيرة، الرسول يريد أن يجعل من كل مناسبة جنسية ومن كل عملية اتصال حميم ليلة زفاف جديدة، فإن قضى حاجته فلا يعجلها قبل أن تقضي حاجتها “، وكما هو معلوم أن خط المرأة منحن، أما خط الرجل فمستقيم ينكسر في لحظة، الرجل يصل الى درجة الذروة Orgasm سريعاً، أما المرأة فلا تبلغها الا في شكل منحن، وقد جعل النبي عليه الصلاة وأفضل السلام تقصير الرجل فى مراعاة هذه النقطة من العجز، فيقول: ” ثلاث في الرجل من العجز، وذكر منها أن يأتي أهله فيقوم عنها قبل أن تقضي حاجتها، وفي ضوء هذا الفهم نتعامل مع الحديث المخرَّج في الصحيحين، حديث جابر بن عبدالله: ” هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك ” ليست المسألة مسألة ميكانيكية، ثم قال له: ” فالكيس الكيس “، العلماء فسروها بطلب الولد أما نحن فترجح لدينا أن المقصود: إصطنع الوسائل التي تحقق لزوجك المتعة واللذة المشروعة، لقد كان لنساء المسلمات أكثر جرأة من نساء اليوم.
وفي الصحيحين البخاري ومسلم، جاءت امرأة تشتكي زوجها وأبو بكر وسعيد بن العاص شاهدين: يا رسول الله، كنت تحت رفاعة القرظي، فطلقني وبت طلاقي فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير، وليس عنده الا مثل هدبة الثور – كناية عن لين وارتخاء عضوه وفهم النبي مقصدها فقال: تريدين أن تعودي لرفاعة؟ قالت: نعم، قال: لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته، والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم كنَّى عن الجماع بالعسيلة، مصغَّر قطعة العسل.
أما كلام الفقهاء فيما يتعلق بموضوعنا، فقد ذكروا أنَّ متعدياً تعدى بقطع شفري إمرأة أي الشفتين الكبريين أو الشفتين الصغريين ، طبعاً الشفتان الصغريان أهم في العملية الجنسية وأكثر حساسية، لو قطع الشفرين ففيها الدية كاملة، كأنَّه قتلها خطأً، والعجيب عللوا بقولهم: لأن قطعهما يمنعها من اللذة، ونحن نؤكد بممارساتنا المقبوحة للأسف الشديد أن التذاذ المرأة هو جريمة.
يقول الإمام ابن جريج رحمة الله عليه في ما روي عبد الرزاق الصنعاني: إجتمع لعمر بن عبدالعزيز – أي اجتمع عنده العلماء على هذا الرأي – على ماذا أجمعوا ؟ إجتمعوا على أن في العفلة الدية كاملة، ما معنى العفلة؟ نتوء أو تدرن يصيب قبل المرأة من جراء ضربها، إذا ضربت ضربة معينة وأصيبت بهذا النتوء الشائه، ففيه الدية كاملة، وعللوا بذات التعليل، منع اللذة، كما نقل ابن حزم: ” في العفلة الدية كاملة “.
نأتي الآن الى مسألة الختان؛ الحكم على شيء فرع تصوره، بعض الناس حين يتحدث عن الختان يقصره أو يختزله فيما يعرف بختان السنة وهو قطع جزء بسيط من أعلى البظر، وأحب هنا قبل أن استطرد أن أفتح مزدوجين لأسجل ملاحظة مهمة جداً، لو عدنا الى مدونات الفقهاء فلن نقع على نص صريح أن الذي يُقطع هو جزء من البظر، ما يُقطع منه هو الغشاء البسيط الذي يغطي البظر. حين نختن الرجل هل نقطع جزءا من عضوه؟ أبداً، إنما نقطع الجلدة التي تغطي الحشفة، أي رأس العضو، وأود هنا أن أسجل ملاحظة أخرى قلقة وهي أن بعض العلماء قديماً وحديثاً تناولوا القضية دون أن يستصحبوا معهم تصوراً علمياً دقيقاً لها، وسأضرب مثالاً بمحدِّث عظيم إنه أمير المؤمنين في الحديث في عصره الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، صاحب فتح الباري في ثلاثة مواضع من الفتح، حين تعرض لضبط وتفسير مصطلح أو لفظة البظر، قال فيه في موضع البظر هو ما يبقى بعد قطع العضو من المرأة، وهذا غيرُ صحيح، في الموضع الثاني قال البَظر بفتح الباء وتسكين الظاء المشالة هو محل القطع من الأنثى، وليس العضو وهذا غير صحيح، لكنه أصاب في المرة الثالثة، قال البظر هو العضو الذي يٌأخذ منه عند الختان، لذلك …يجمل.. بالفقيه قبل أن يتكلم في هذه المسألة أن يسأل علماء التشريح وعلماء وظائف الأعضاء وعلماء الجنس، ويقول لهم أعطوني فكرة واضحة، ما هو هذا العضو الذي يقطع منه ؟ وما معنى الشفرين أو الشفتين الصغريين والشفتين الكبريين؟ ما الفرق بين المهبل والفرج؟ ماهو الدهليز؟ ما هو العناب؟
وهل البظر عضو زائد مثل الزائدة الدودية، ما وظيفته وما الغرض منه؟ هذا العضو علمياً مثل عضو الرجل تماماً، المنشأ التكويني أو الجنيني واحد، لكن يقف عند المرأة في مرحلة معينة ولا يتطور، ويستمر التطور في الرجل الى مرحلة أبعد فقط، وهذا العضو يشبه عضو الذكر تماماً أيضاً، ويغطى بهذا الغلاف كما يغطى أيضاً عضو الرجل، وفي رأسه نهايات عصبية شديدة التحسس، شبكة أعصاب قوية جداً، أكثر مما عند الرجل بثلاثة أضعاف على الأقل، والعلماء الإخصائيون يقولون: ليس لهذا العضو وظيفة إلا الإمتاع الجنسي، أما الشفران الصغيران فهما أيضاً يتحسسان لكن أقل من تحسس البظر، لكنهما الأكثر تحسساً بعد البظر للجس أو اللمس أو التناول باليد، كثير من الرجال يظنون أن أهم نقطة في هذه العملية هي عنق الرحم في قعر مهبل المرأة و هذا غير صحيح، بل هذه المنطقه تقريباً معدومة الإحساس، ولو كان فيها إحساس لماتت المرأة عند الوضع، الله جعلها معدومة الاحساس لكي لا تموت المرأة من الألم في ساعة الولادة، ولذلك أعتقد بعد أن نفهم وظائف هذه الاعضاء أننا سنتوقف طويلاً قبل أن ندلي برأي في استحسان قطع جزء من البظر أو قطعه كله.
فلنمضي الآن إلى الحديث عن الموقف الفقهي من هذه المسألة على أن ختان الإناث ليس يرتقي إلى درجة السنية المحضة ولم في هذا الباب اصطلاح مفرد ” مكرمة ” ليس له مثال في كل المدونة الفقهية، لكن ما معنى ” المكرمة “؟ لدينا الحرام والحلال ولدينا الواجب ولدينا المستحب ولدينا المكروه ولدينا العفو عند بعضهم، أين توجد مرتبة المكرمة، قالوا شيء أقل من مستحب أقل من مندوب أقل من سنة اسمه مكرمة، نعم الشافعية فقط الذين قالوا ختان الإناث واجب، والفتوى عند الحنابلة ليس بواجب، وأكثر العامة لا يعرفون أن ختان الذكور ليس واجباً عند بعض العلماء، فختان الذكور سنة عند المالكية والحنفية.
وإذا أحببنا أن نستعرض الآن أدلة ختان الإناث فلنبدأ بالكتاب العزيز، ليس هناك أي دليل في القرآن الكريم على الختان بشكل واضح، لا ختان الذكور ولا ختان الاناث، فلنتغاضَ إذن عن هذه النقطة، بالنسبة للسنة فهناك حديثان مشهوران عند العامة، الحديث الأول ويعرفه الكافة، حديث أم عطية الأنصارية، الذي أخرجه أبو داوود في آخر كتابه ( السنن )، أخرجه بإسناده عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية الأنصارية واضطرب فيه – في إسناده – لأنه قيل أن أم عطية هي التي قال لها النبي ذلك، رواية أبو داوود تقول لا لم تروه أم عطية بل النبي قال هذا لختَّانة، لامرأة أخرى ليس لأم عطية، اضطراب في السند واضح، المهم سواء قال النبي لأم عطية أو أم عطية تروي أن النبي قالها لمرأة أخرى ختانة، قال لها: لا تنهكي وفي رواية أخرى أشمي ولا تنهكي فإنه أسرى وفي رواية أنور وفي ثالثة أضوء للوجه وأحظى للبعل وفي رواية أحب للبعل أو الزوج، والفقهاء فسَّروا المراد بـ” أشمي ” بخذي من أعلى الجلدة التي تغطي العضو، وليس من العضو نفسه، ما كان يحدث ولا يزال، المهم كانوا يأخذون الموسى أو الشفرة ويقطعون الجريب أو هذا الغشاء بالطول، موجود في كتب، فاذا قطعوه بالطول، فيجور هذا القطع على البظر، فهم ليس جراحي تجميل وفي هذا جناية، وخطأ كبير، واليوم لو أراد أحدهم أن يطبق هذا الختان بالوصفة الفقهية الدقيقة، فلابد له أن يأخذ من الجلدة بشكل دائري ودقيق، وهذا يحتاج الى جراح تجميلي، لصغر البظر، لأنَّه بوصة واحدة فقط – انش واحد – ثم هل هذا الحديث صحيح؟ لا، أبو داوود نفسه قال : وهذا الحديث لا يصح، لأنَّ فيه محمد بن حسان، ومحمد بن حسان لم يعرفوه، شخص مجهول، ووافق أبا داوود على تجهيل محمد بن حسان الإمامان ابن عدي والبيهقي، خالفهم الإمام العظيم المقدسي رحمة الله عليه وقال: بل هو الزنديق المصلوب في الزندقة، ليس مجهولاً لأن المجهول سُمي له كوفي، أما الشامي فقال أحمد قتله المنصور وصلبه في الزندقة، وفي كلتا الحالتين فالحديث مردود وله شواهد أخرى كلها لا تخلو من مطعن ولم تزده الا ضعفاً، وعوداً إلى الإئمة، أبو داوود وابن عدي وابن عبد البر حافظ المغرب رحمة الله عليه في التمهيد والبيهقي أبي بكر في السنن الكبرى وفي معرفة السنن والآثار، وضعفها الإمام ابن حجر العسقلاني لأنني قرأت لبعض المعاصرين للأسف الشديد ( من كذب على ابن حجر وزعم أن ابن حجر في التلخيص الحبير قال وللحديث طريقان يتحسن بهما ) وفي الحق أنه لم يقل هذا لا في التلخيص الحبير، ابن حجر ضعَّف الحديث وضعف أيضاً طرقه، أبو بكر بن المنذر مجتهد الشافعية في عصره رحمة الله عليه وهو من المتقدمين، قال لم يصح في هذا الباب – باب ختان البنات – لا خبر يرفع ولا سنة تتبع، الشوكاني من المتأخرين أيضاً ومن قبل الحافظ العراقي، ضعَّف حديث ختان البنات، يقول لنا بعضُ الناس هناك حديث آخر أنت ألمحت إليه، وهو حديث الختان واجب في الرجال ومكرمة للنساء، ويرويه بعضهم مكرمة في النساء، هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده والامام البيهقي رحمة الله عليه في السنن الكبرى، وآفته عند من أخرجهم قالوا: هذا آفته حجاج بن أرطأة القاضي الكوفي النخعي الذي كان صدوقاً لكنه كان كثير الخطأ والتدليس، هذه مصطلحات ربما لا يحتاجها كل الناس، لكن المهم كثرة الخطأ من هذا الإمام القاضي وكثرة التدليس يسقط حديثه مباشرة وقد اضطرب فيه اضطراباً شديداً يرويه مرة عن ابن مليح عن أسامة بن عمير عن رسول الله، اضطرب فيه، ويرويه مرة عن أبي المليح ابن اسامة بن عمير عن شداد بن أوس ويرويه بطريقة ثالثة ورابعة نفسه، فهذا اضطراب شديد، ويرويه مرة عن مكحول عن أبي المليح، وهذا شيء غريب جداً، ومرة عن أبي أيوب وليس عن أسامة ولا عن شداد، فيه اضطراب شديد، لذلك قال الحافظ بن عبد البر: هذا الحديث مداره على حجاج وليس حجاج ممن يحتج به إذا انفرد، ولذلك رفض هذا الحديث، نعم له طريقان أخريان، الطريق الأولى عند ابن عدي والطريق الثانية عند أبي بكر البزار، لكن رواية البزار فيها مندل ابن علي ضعيف عند كل علماء الرجال فهي طريق لا تعضد الحديث وأنتم تعلمون أنه لكي يشهد لك أحد لا بد أن يكون أصدق منك أو أعدل منك، إن كان مثلك في التهمة فكيف يشهد لك، لا يزيدك إلا ضعفاً، لذلك قال العلماء: الحديث إذا كان ضعيفاً لا يتقوى بمجرد كثرة الطرق. كثرة الطرق أحياناً تزيده ضعفاً، نعم إذا جاءت طرق أحسن من الطريق الضعيفة، قد ترتقي به وهذا ما لم يحدث في هذين الحديثين، لذلك لا تغتروا بتصحيح الشيخ الالباني رحمة الله عليه من المعاصرين، لأن طريقته للأسف التي التزمها في أكثر تصحيحاته هي أنه يصحح بكثرة الطرق مع إغفال هذا الملحظ، فطريق الإمام أبي بكر البزار كان فيها مندل بن علي ضعيف، وطريقة الإمام ابن عدي فيها خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل فالحديث لا يصح، أما حديث أم حبيبة في الختان لا مخرج له، غير وارد في أي كتاب حديثي، أن النبي قال لمهاجرة في المدينة: يا أم حبيبة، هل الذي كان في يدك لا يزال في يدك – يعني الصنعة كانت ختانة – قالت نعم، فأوصاها أن تخفض ولا تنهك، الحديث ليس له مخرج أصلاً، هناك من يحتج أن النبي قال: إذا التقى الختانان – وهذا حديث في الصحيحين – قد وجب الغسل، إذا التقى الختانان لا حجة في هذا، لأنه جار على عادة العرب في التغليب ورد الأدنى الى الأعلى والأثقل الى الأخف، يقولون القمران يعني الشمس والقمر، بدلاً أن أقول الشمس والقمر أقول قمران، العمران أبو بكر وعمر، الظهران الظهر والعصر، الجديدان وهكذا، تغليب وإلا – وهذه معلومة مهمة – قد راجعت بنفسي بحمد الله القواميس والمعجمات العربية الوثيقة جداً، بدأ من ” العين ” للنضربن شميل وأستاذه الخليل، مروراً بالجمهرة لابن دريد، أيضاً ” المحكم ” و ” المحيط الأعظم ” لابن سيده والمخصص له قاموس الفيروز آبادي، كل هذه المعجمات والقواميس ذكرت قولاً واحداً، الختان موضع القطع من الذكر وليس من الأنثى، من زعم أن ما عند المرأة يسمى ختان فقد غلط على العربية ولم يورده إلاَّ ابن منظور في لسان العرب نقلاً عن أبي منصور محتجاً بالحديث، مسألة ليست سماعية إنما اجتهادية في اللغة أخطأ فيها ابو منصور الأزهري رحمة الله عليه، فتنبهوا هذه نقطة دقيقة جداً، إذاً هذا لا حجة فيه، الأعجب والذي يضحك أن بعض الناس يحتج بأن حمزة بن عبدالمطلب الذي وقع شهيداً في أحد، قال للمشرك سباع حين برز له مطالباً المبارزة، والحديث في الصحيحين، فنهض له – أي وقف – حمزة وقال: يا سباع يابن أم أنمار مقطعة البظور، أم أنمار حجة في التشريع.
رحمة الله على شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت وكان له موقف متنور جداً وهو علامة كبير وفقيه مشهور، قال الشيخ الشلتوت في هذه المسألة: الذين يقولون أن الختان لأجل شرف المرأة وعدم اغتلامها وعدم ثوران شهواتها نقول لهم يقع من المختونات من الجنح و المفاسد الأخلاقية أكثر مما يقع من غيرهن كما هو مثبت، إسرافاً وحيدةً عن المنهج العلمي أن تقول إن الشرف يتم باستئصال أعضاء أو باستبقاء أعضاء، الشرف هو خيار أخلاقي حر ناجم عن تربية وعن وعي وعن سلوك حميد، عن قناعات، و إلا فإن الشخص الذي فقد قدرته الجنسية ذكراً كان أم أنثى قد يكون أقرب من غيره إلى الإنحراف من باب الإثبات، أن يثبت لنفسه أنه قادر.
لقد لاحظ المستشرق فنسنك في الموسوعة الإسلامية أنَّ هذا الموضوع لم يستحوذ على اهتمام الفقهاء الا في نطاق جد ضيقٍ وهذا حق، فالفقهاء لم يعرضوا لهذا الموضوع في المدونات المُوَسَّعة الا في سطر أو سطرين فقط.
الحمد لله وكفى وسلام على نبينا المصطفى