أثارت مبادرة “الجماعة الإسلامية”، التي تدعو فيها خصوصًا إلى الإفراج عن المعتقلين، وعقد مؤتمر وطني للتوصل إلى المصالحة الوطنية، جدلاً واسعًا، وفيما أثنى سياسيون عليها، باعتبارها سبيلاً لخروج مصر من أزماتها، استبعد آخرون أن تحظى بموافقة طرفي النزاع: النظام، و”الإخوان المسلمين”.
ووصف الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، المبادرة بأنها “من حيث المبدأ تعد منطقية”، مؤكدًا إمكانية تنفيذها إذا وجدت أذانًا صاغية. وأوضح دراج أن “البلاد لن تستطيع أن تخرج من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية الحالية، في ظل الإقصاء والكراهية المفرطة الموجودة داخل المجتمع”.
وأضاف: “من سلك طريق العنف أو صدر ضده حكم جنائي يجب ألا تشملهم المبادرة”، مطالبًا بـ “إضافة بند آخر إلى المبادرة، وهو إلغاء القانون الذي يتيح مد فترة الحبس الاحتياطي والذي كان سببًا في إيداع عدد من المواطنين بالسجون دون تحديد مدة حبسهم الاحتياطي”.
وأشار إلى أن “النظام إذا كان عاقلاً ولديه بعض الحكمة من الممكن أن يفتح المجال للتفاوض، أما إذا ظل النظام يسير في الاتجاه الواحد الذي يسير عليه الآن سيرفضها وسيتحايل عليها بشتى الطرق”.
وتابع: “البلد تحتاج لعقلاء خاصة في ظل التقلبات التي تحدث داخل الدولة والتي لا تعد في صالح النظام”، قائلاً إن على النظام أن يتخذ خطوات جادة لتنفيذ المبادرة.
من جانبه، رأى السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، والقيادي بـ “التيار الشعبي”، إنه لا يوجد شي في السياسة يحدث بمجرد التمني، مشيرًا إلى أن الدعوة للمصالحة لابد أن يكون في إطار ما نص عليه الدستور وقانون العدالة الانتقالية، والذي يشمل الفترة من الخامس والعشرين من يناير وحتى هذه اللحظة.
وأوضح مرزوق أن “الحديث عن مصالحه لا يصح إلا بعد مناقشة وعرض لكل الجرائم التي ارتكبت في حق المواطن المصري، ومحاسبة مرتكبيها”. وأشار إلى أن “الدعوة في ظاهرها لا يختلف عليها أحد، لأن الجميع يريد أن يحدث التصالح ولتخفيف حدة الاحتقان بين المواطنين، إلا أن تنفيذ المبادرة لابد أن يتم وفقا للنسق السياسي والقانوني”.
بدوره، رأى خالد الزعفراني، الباحث في الحركات الإسلامية، والمنشق عن جماعة “الإخوان”، أن “هذه المبادرة تعد بارقة أمل جديدة من أجل تخفيف الاحتقان الزائد الذي تشهده الحالة السياسية في مصر، وخاصة قبيل الدعوات للتظاهرات 11 /11 المقبلة المعروفة إعلاميا بـ”ثورة الغلابة”.
وأضاف الزعفراني أن “مثل هذه المبادرات من شأنها أن تحرك الماء الراكد في المشهد السياسي”، موضحًا أن “الجماعة الإسلامية تثبت بما لا يدعي الشك أن لديها استعداد دائمًا لتقريب وجهات النظر بين الأطياف المختلفة”.
وأردف: “هذه المبادرة إيجابية لما تحمله من بنود لا يختلف عليها كل ذي عقل لبيب”، مطالبًا الجميع بالوقوف خلفها من اجل الوطن واستقراره.
واستبعد أن تلقى المبادرة تأييدًا من جانب النظام، إذ قال إن “النظام سيعترض عليها لأنها خارجة من جانب التيار الإسلامي وسيعتبر هذا ضعف منه أن يملى عليه بنود ويقبل بها”.
وتابع: “النظام يريد أن يكون هو صاحب المبادرات وصاحب الكلمة العليا”.
وقال سامح عيد، الباحث في الحركات الإسلامية، إن “أي مبادرة من جانب التيار الإسلامي في هذا التوقيت بعيدا عن كلمة “الشرعية” تعد إيجابية ومقبولة” في ظل الوضع الغائم”.
وأضاف عيد “الإفراج عن المعتقلين الذي تتحدث عنه الجماعة يجب أن يقيد ببند ما لا يتم اتهامهم بأعمال عنف أو سفك دماء أو تفجيرات”.
وأوضح أن “الشحن الحاد من جانب المؤيدين للنظام السياسي القائم وبين مؤيدي الإخوان سيكون من أكبر العوائق أمام تمرير هذه المبادرة”.
وأشار إلى أن “النظام السياسي القائم لن يقبل بتلك المبادرات في هذا التوقيت في العلن، وإنما من الممكن أن يقبلها في الخفاء بعيدًا عن أعين الشعب حتى لا يحدث ما لم يتوقعه بعد ذلك”.
وحول مدى قبول الإخوان من عدمه بتلك المبادرة، قال عيد إنه “من المستحيل قبول جماعة الإخوان المسلمين أي مبادرات من شأنها التنازل على ما يسمونه الشرعية وخاصة لدى قواعد التنظيم بسبب الانقسامات التي تشهدها الجماعة، كما أنهم ليس لديهم شخصية متواجدة الآن جامعة مانعة”، متابعًا: “مثل هذه المبادرات ستصنع تصدعًا أكبر داخل التنظيم”.
من جانبه، قال سامح عبدالحميد، القيادي السلفي إن “المصالحة المقبولة من الإخوان هي طلب العفو من الشعب المصري عن جرائمهم وأنهم كانوا سببًا رئيسيًّا في زعزعة الأمن وإتاحة الفرصة للإرهاب والعنف، وعليهم أن يُعلنوا تخليهم عن الأفكار الضالة، وغلق قنواتهم التي تُشوه مصر في الخارج وتأوي هاربين من أحكام قضائية”.
وأضاف “جماعة الإخوان تشهد انقسامًا حادًا في هذه الفترة، متسائلاً: “فمع أي فريق يكون التصالح..؟
وتابع: “الجماعة فشلتْ في المُصالحة مع نفسها ؛ وتُعانى الانشقاقات والانقسامات وتبادل اتهامات بين قياداتها”. وأضاف: “الأولى بمن يقترح المبادرات أن يطرح مبادرة بعمل مراجعات داخل الإخوان ومحاسبة أعضائهم الذين انحرفوا عن السلمية وتورطوا في العنف ضد وطنهم”.