رغم أن كثيرين في العالم ما زالوا تحت تأثير الصدمة من مفاجأة فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، بانتخابات الرئاسة الأمريكية, إلا أن ما حدث لم يكن مستغربا في ظل حقيقة يعرفها الباحثون والمحللون, وهي أن الاقتصاد يأتي على رأس أولويات الناخب الأمريكي, وليس السياسة الخارجية. فحملة ترامب ركزت على جذب الناخبين عبر الوعود بتوفير الوظائف, وتحسين أحوال الطبقة الوسطى, وإعادة الاقتصاد الأمريكي إلى قوته التي كان عليها قبل تفجر الأزمة المالية العالمية عام 2008, وبذلك نجح المرشح الجمهوري في جذب الأمريكيين, الذين خسر خمسة ملايين منهم بيوتهم، و15 مليونا منهم وظائفهم في السنوات الماضية.
أما كلينتون, فقد ارتكنت إلى عملها الدبلوماسي, وخبرتها في مجال السياسة الخارجية, أكثر من اهتمامها بالمشاكل الاقتصادية, واعتمدت كثيرا على استطلاعات الرأي, ولم تقترب من الأمريكيين العاديين, الذين يسعون لتحسين مستوى معيشتهم, ووجدوا أن ترامب, القادم من عالم رجال الأعمال, الأكثر براجماتية, والأقرب لتنفيذ طموحاتهم.
ولعل وعود ترامب بتحصيل أموال من جميع الدول, التي تقدم أمريكا دعما أمنيا وعسكريا لها، زادت أيضا من شعبيته, وبعثت للناخبين رسالة مفادها أن أموال دافعي الضرائب الأمريكيين, ستتوجه إلى الداخل, أكثر من استخدامها لخدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في العالم, وأن من يريد مساعدة أمريكا عليه أن يدفع أولاً.
أيضا, خطاب ترامب, الذي اتسم بالعنصرية والتطرف, وجد آذانا صاغية لدى الأمريكيين البيض, الذين يرون أنهم تضرروا من العولمة, وتحول العالم إلى قرية صغيرة, ولذا أعجبهم حديث ترامب عن ترحيل جماعي للاجئين, الذين لا يملكون إقامات شرعية, ودعوته لحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة, ومهاجمته السود واللاتينيين ومختلف الأقليات.
وبعبارة أخرى, فإن الشعار, الذي رفعه ترامب “أمريكا أولا”, لقي قبولاً واسعًا لدى كثيرين, مستغلا انتشار التطرف والعنصرية في المجتمع الأمريكي, وغيره من المجتمعات الغربية.
وتبقى حقيقة مؤكدة, وهي أن النظام السياسي الأمريكي قائم على البراجماتية والمنافع والمصالح, وليس الأخلاق والمبادئ, ولذا فإن فضيحة تباهي ترامب بالتحرش بالنساء, لم تكن مؤثرة في الانتخابات, وهذا ما حدث أيضا مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، حيث لم تتم مساءلته عن فضيحة علاقته بالمتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، بل عن “تضليل العدالة والكذب تحت القسم”, في علاقته بها.
وكانت نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية التي أجريت في 8 نوفمبر, جاءت على عكس استطلاعات الرأي وتوقعات المحللين, بعد أن حقق المرشح الجمهوري مفاجأة كبيرة بانتزاع مفاتيح البيت الأبيض، حيث أصبح الرئيس 45 للولايات المتحدة, وذلك فيما اعتبره كثيرون بمثابة “تسونامي سياسي”, خاصة أن استطلاعات الرأي كانت تظهر أن 60% من الأمريكيين لا يعتبرون المرشح الجمهوري المثير للجدل أهلا لمنصب الرئيس.
وتقدم المرشح الجمهوري دونالد ترامب على الديمقراطية هيلاري كلينتون في أصوات المجمع الانتخابي, الذي يحتاج أي من المرشحين إلى 270 من أصواته الإجمالية البالغة 538 صوتا للفوز بمنصب الرئاسة الأمريكية.
وحصل ترامب على 276 صوتا, مقابل 218 صوتا لمنافسته كلينتون, بينما يتطلب الفوز الحصول على 270 صوتا على الأقل، وذلك بعد إعلان النتائج الرسمية في أغلب ولايات الشرق والوسط الأمريكي. وفاز ترامب في ولايات أوهايو وكنتاكي وإنديانا وفرجينيا الغربية وكارولاينا الشمالية والجنوبية ومسيسيبي وتينيسي وألاباما ووايومينغ وتكساس وداكوتا الجنوبية وداكوتا الشمالية ونبراسكا وأركنساس ومونتانا، وفلوريدا وآيوا, بينما فازت كلينتون في ولايات فيرجينيا وماساشوستس وميريلاند ونيوجيرسي وديلاوير ورود آيلاند و إلينوي ونيويورك وكونكتيكت ونيفادا. ويصنف ترامب بأنه قريب من اليمين المتشدد في الحزب الجمهوري، واشتهر بعدائه للمهاجرين خصوصا المنحدرين من أصول مكسيكية, الذين يتهمهم بإغراق الولايات المتحدة بالمخدرات والعنف، ودعا لإعادة النظر في قوانين الهجرة، ووقف منح الجنسية الأمريكية للأطفال الذين يولدون فوق الأراضي الأمريكية.
كما أطلق ترامب تصريحات مثيرة للجدل فيما يخص السياسة الخارجية الأمريكية المرتبطة بالعالم العربي، من قبيل دعوته لإعادة احتلال العراق والاستيلاء على حقول نفطه للتصدي لتنظيم الدولة, وأكد أيضا دعمه المطلق لإسرائيل واعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وعدم اهتمامه برحيل النظام السوري.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة “الجارديان” البريطانية مؤخرا, قال ترامب :”ما علينا التركيز عليه هو داعش، وليس سوريا”، مشيرا إلى أن التدخل الأمريكي في الصراع السوري له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة, لأنه قد ينتهي إلى حرب عالمية ثالثة.
وتابع ” التدخل في سوريا يعني الحرب مع روسيا, وهي بلد نووي”، وبالنسبة لي، فإن الأسد مسألة ثانوية, مقارنة بتنظيم الدولة”.
وفي مقابلة أخرى مع صحيفة “نيويورك تايمز” في مارس 2016 , قال ترامب :”أنا لا أقول الأسد رجل جيد، لأنه ليس كذلك، ولكن مشكلتنا الكبيرة ليست الأسد، بل تنظيم الدولة “.
وحسب “الجزيرة”, أطلق ترامب أيضا على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تصريحات ضد الفلسطينيين, وقال :”لقد قلت في مناسبات عديدة إنه في عهد إدارة ترامب (إذا أصبح رئيسا), فإن الولايات المتحدة ستعترف بأن القدس هي العاصمة الوحيدة والحقيقية لإسرائيل”.
كما نشرت حملة ترامب بيانا قالت فيه إن ترامب يرى “أن القدس هي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام”, حسب زعمه.
وخلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سبتمبر 2016 بنيويورك، قال ترامب إن السلام لن يكون إلا حين يتخلى الفلسطينيون عما سماه الكره والعنف ويقبلون إسرائيل دولة يهودية.
وفي مناسبة أخرى، قال ترامب في خطاب أمام المؤتمر السنوي للجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك) في مارس 2016 بواشنطن، إنه في حال انتخابه رئيسا سيقيم تحالفا قويا بين بلاده وإسرائيل، وأضاف أن أي اتفاق تفرضه الأمم المتحدة على إسرائيل سيكون “كارثة”، متهما المنظمة الأممية بأنها ليست صديقة لتل أبيب.
كما قال مستشار ترامب لشئون إسرائيل ديفيد فريدمان إن المرشح الجمهوري “لا يعتقد بأن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية”، فيما دافع مايك بينس نائب ترامب عن استخدام “إسرائيل للقوة المفرطة” في حربها على قطاع غزة.
وبالنسبة للنفط العربي, صرح ترامب بأن الولايات المتحدة لو كانت سيطرت على نفط العراق قبل الانسحاب في 2011، فإن تنظيم الدولة ما كان لينشأ، خاصة أن النفط في شمال العراق كان يمثل المصدر الأساسي لدخل التنظيم وموارده, حسب تعبيره. وأشارت مجلة “فورين بوليس” الأمريكية في مقال منشور في 14 أكتوبر 2016 , إلى أن الربيع العربي عندما بدأ في 2011 واندلعت الثورة ضد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، تحدث ترامب عن سرقة نفط ليبيا، وقالت إنه صرح لمحطة “فوكس نيوز” برغبته في الذهاب إلى ليبيا للحصول على النفط.
كما ألمح ترامب في حوار مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إلى “إمكانية” التوقف عن شراء النفط من دول مثل السعودية في حال لم تقم بنشر قوات برية في المعركة ضد تنظيم الدولة, أو أن تدفع للولايات المتحدة مستحقاتها لدورها في الحرب.
ويبدو أن الأسوأ بانتظار العرب والمسلمين, خاصة أن الأغلبية في الكونجرس الأمريكي ستكون أيضا من حزب ترامب, بعد أن فرض الحزب الجمهوري سيطرته على مجلسي النواب والشيوخ عقب ظهور نتائج الانتخابات التشريعية, التي تزامنت مع انتخابات الرئاسة.
وحسب “الفرنسية”, فإن الحزب الجمهوري حاز على 236 مقعدا في مجلس النواب مقابل 199 للحزب الديمقراطي، كما تمكن مرشحه دونالد ترامب من التغلب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بحصده 276 من أصوات المجمع الانتخابي. ويعني هذا الفوز أنه سيكون من السهل على ترامب تمرير التشريعات بعد فوزه بالرئاسة.
وكان الحزب الجمهوري أكد أيضا عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) أنه احتفظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ. ويهيمن الجمهوريون منذ 2014 على مجلس الشيوخ, الذي يؤدي دورا حاسما في آلية تسمية قضاة المحكمة العليا وكبار المسؤولين الحكوميين.