حضراتِ الوفود؛ مسؤولي المؤسسات؛ ضيوفَنا الكِرام؛ الأخوةُ الأعزاء؛ الأخواتُ الفُضْلَيات؛
أهلاً ومرحباً بكم ..
عمومُ أوروبا معنا اليوم، من أطرافِ أوروبا المطلّةِ على البحرِ الأسود إلى أقاصي الجُزُرِ البريطانيةِ وأيرلندا، من أعماقِ اسكندنافيا المتجمِّدة وحتى الجزر المتوسطية الدافئة؛ جاءت وفودُ فلسطينيي أوروبا إلى قلبِ هذه القارة، حضرت إلى فيينا، خيمتِنا الدافئة، لترسِلَ إشارةً بليغةً وبرقيّةً موحّدة إلى فِلَسطين وقلبِ فِلَسطين، من نهرِها إلى بحرِها.
إشارتُنا اليوم، رسالتُنا اليوم، هي أنّ فلسطين أرضٌ وشعب، وحدةٌ واحدةٌ لا تتجزأ.
معنا اليومَ من عايشَ أيامَ النكبة وذاقَ مرارةَ التهجيرِ القسريّ، ومعنا من تفتّحَت عيونُه في مدينةٍ أوروبيّةٍ على حبِّ فِلَسطين، وبينهما أجيالٌ تمسّكت بحقِّ العودةِ وتشبّثت به، توارثت مفاتيحَ البيوتِ المغتصبة، ووثائقَ المِلْكِيّةِ للأرضِ والدّار. معنا حشودٌ امتلأت قناعةً بأنّ يومَ العَودةِ آتٍ لا محالة، وتعبّأت بالثقةِ بأنه ما ضاعَ حقٌّ وراءَهُ مُطالِب.
نقول هذا وعيونُنا، أخواني أخواتي، تتطلّعُ إلى فِلَسطين المباركة، المحاطَةِ بالأسوار والأشواك. نقولُ هذا ونحن نَعِي جيِّداً حركةَ التاريخ، ونحنُ نَقرَأُ المؤشِّراتِ التي تقودُنا حتماً إلى القدس، كما تقودُنا بإذن اللهِ إلى يافا وحيفا وعكا وصفد، إلى فلسطين، كل فلسطين.
ورسالتُنا اليوم هي لشعبنا المصابر على أرضِه التاريخيّة، شعبِ فلسطين، في الضِّفَة التي يُمزّقها الاحتلال، في قطاع غزة، السجن الكبير، في فِلَسطينَ ثمانيةٍ وأربَعين التي تُجدِّدُ كلّ صباحٍ عَهْدَ الانتماءِ والوفاءِ، في القدسِ الشامخة، وما أدراكُم ما القدسُ؟!
رسالُتنا يا أهلَنا في فِلَسطين، كلِّ فِلَسطين: أننا معكم، الجسدُ هو الجسد، والقلبُ هو القلب، والروحُ هي الروح، والجيْبُ هو الجيْب. أننا معكم، الشعبُ واحد، والهمّ واحد، والقضيةُ واحدة. أننا معكم، نَقِفُ ظهيراً لكم وأنتم تصنَعون التاريخ في يومِكُم هذا، نقف سَنَداً لكم وأنتم ترسُمون ملحمةً إنسانيةً ستتناقَلُها الشعوب، وهي ترى الكفّ التي تُقاوِمُ المِخْرَز، وهي ترى القاماتِ الشامخةَ التي تعلو على الجدار، وهي ترى الطفلَ الذي يَهْزَأُ بالقابعين في جوْفِ الدباباتِ الحصينة.
إننا معكم يا أطفالَ فِلَسطين، معكم يا أمهاتِنا المُصابِرات، معكم يا من تطوِّقون الوطن بأرواحِكُم، ومعكم يا من تذودون عن المقدّساتِ المهدّدة بصُدورِكم، معكم يا أسرانا القابعين وراءَ الشّمس، معكَم لقاؤُنا، يوم أن تطلُعَ شمسُ الحريةِ على فِلَسطين، أرضِ الأنبياء، ودوحةِ الشّهداء، ونقطةِ التقاءِ الأرضِ مع السماء.
ورسالتُنا اليوم أيضاً هي رسالةٌ بليغةٌ إلى الذين يَحْسَبُون أنّ حقّ العودةِ قابِلٌ للطّمْسِ أو الاجتزاء، قابلٌ للبيعِ أو التنازل، نقولُ لهم: جوابُنا تجدونه لدى الطفلِ الفلسطينيِّ في أوروبا، كما تلاقونَه لدى طفلِِ المخيّم، رَدُّنا هو رَدّ الأجيالِ القابضةِ على حقِّها في العودةِ منذ سَنةِ ثمانيةٍ وأربَعين وحتى يومِ العودةِ القريب بإذن الله.
ورسالتُنا أيضاً هي لقادة أوروبا: أنِ اقطَعوا شِريانَ الحياة عن مشروع الاحتلال! أن ناصِروا حقّ الإنسانِ في فِلَسطين بالموقِفِ الحازِم! أن أوقفوا المذبحة اليومية! أن لا تغضّوا الطّرْف عن جدارٍ أسوأَ مما قَوّضَتْهُ سواعدُ الحريّة في بِرلين! أن لا تُغمِضوا الطّرْف عن مَعازِلَ عنصريةٍ أسوأَ مما عرفتها جنوبُ أفريقيا!
رسالتُنا إليكم يا قادةَ أوروبا، يا صانعي القرار، أن أوقفوا عمليةَ إسنادِ آلةِ الاحتلال! أن تنحازوا إلى جانبِ الحقِّ والعدلِ والحريّة في فِلَسطين! أن تُترجموا الشعارات الجميلة إلى مواقفَ ملموسة، وأن تُجسِّدوا القِيَمَ الإنسانيةَ التي تعتزُّون بها في حقائقَ ملموسةٍ في بؤرة العالم ودرّته، فِلَسطين، حيث المظلمةُ المتواصِلَةُ على شَعْبٍ اغتُصِبت أرضُه وهجِّر من ديارِه، وأُريدَ له أن يرزَح تحت أنيابِ مشروعٍ عُنصريٍّ بغيض.
هذه بعضٌ من الرسائل التي يبعثُ بها مؤتمرُكم هذا في عامه الثالث، ونحن على قناعة بأنّها قد وصلت إلى عناوينها.
أما الرسالةُ التي لا بدّ منها أيضاً؛ فهي رسالةُ الامتنانِ والعِرفان، لكل من ساهمَ في إنجاحِ هذا المؤتمر، ولنا في هذا المقامِ أن نَخُصّ بالتقدير كذلك؛ الجهاتِ المسؤولة في النمسا وفي مدينةِ فيينا العريقَة، التي تعاونَت معنا بكل ترحيب لإنجاحِ المؤتَمر، وأتاحت التسهيلاتِ اللازِمة لأن نَلتَئمَ هنا، بكُلِّ هذا الدِفء الذي يُذَكِّرُنا بِدِفءِ فِلَسطين.
فتحيةً لكم يا من حضرتم من أرجاءِ هذه القارة، لتكونوا بين أخوانِكم وأخواتِكم، الذين يرقُبون وإيّاكُم بعُيونٍ تُشِعّ بالأمَل يومَ العودةِ المظفّرةِ إلى فِلَسطين الحبيبة.
فمعاً نُدشِّنُ قافلةَ العودة، ومعاً نرسمُ ملامحَ مستقبلِ الحرية والكرامة لأبنائنا وبناتنا. وما ضاعَ حقٌّ وراءَه مُطالِب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.