عقد رؤساء روسيا وإيران وأذربيجان فلاديمير بوتين، حسن روحاني، وإلهام علييف اجتماعا ثلاثيا في العاصمة الأذربيجانية باكو، أمس، وعلى الرغم من القضايا السياسية الهامة والحساسة التي كانت مطروحة على طاولة النقاش، فإن قضية اقتصادية بالغة الأهمية كانت الهدف الرئيسي للقمة، وهي مشروع إنشاء ممر دولي يصل بين الشمال والجنوب، ومن المتوقع أن يؤثر هذا المشروع في حال إنشائه سلبًا على قناة السويس المصرية، خاصة أن القناة الجديدة توازي قناة السويس من حيث الطبيعة الجغرافية لكنها تختصر الكثير من الوقت وتقلص النفقات المادية لنقل البضائع، كما أن مشروع ممر الشمال الجنوب المزمع إنشائه لا يقتصر على البعد البحري بل يتضمن خطوط نقل برية وسكك حديد.
موقع الممر الجديد
الحديث عن ممر النقل (الشمال-الجنوب) الذي يمر من آسيا عبر بحر قزوين وروسيا وصولا إلى أوروبا بدأ قبل عدة عقود، وتصاعد الحديث عنه في نهاية القرن العشرين، حيث وضعت بالفعل خارطة لهذا الممر عام 2000 من قبل إيران والهند وروسيا، إلا أن العقوبات المفروضة على كل من طهران وموسكو حالت دون إتمام بناء الممر، وبعد زوال العقوبات المفروضة على إيران، بعد توقيع الاتفاق النووي معها في يوليو من العام الماضي، أصبح الحديث عن إتمام هذه القناة أمرا ممكنا.
بالأمس اتفق كل من روسيا وإيران وأذربيجان على تكثيف المحادثات بشأن إقامة ممر “الشمال-الجنوب” للنقل، الذي سيمر جزء منه على طول الساحل الغربي لبحر قزوين من روسيا إلى إيران عبر الأراضي الأذربيجانية وصولًا إلى الهند.
يصل طول الممر، الذي سيربط بين مدينتي سان بطرسبورغ الروسية ومومباي الهندية، إلى 7200 كيلومتر، ومن المتوقع أن يقلص هذا الممر وقت وصول سفن من الهند إلى منطقة آسيا الوسطى وروسيا.
ويهدف مشروع القناة الجديدة إلى نقل الشحنات والبضائع بالترانزيت من الهند وإيران، عبر بحر قزوين، إلى روسيا ، ومنها إلى شمال وغرب أوروبا، حيث سيزداد تداول الشحنات بين بلدان الشرقين الأدنى والأوسط وكذلك الهند من جهة وبين أوروبا من الجهة الأخرى.
ويقوم المشروع على أساس قانوني هو الاتفاقية الحكومية بشأن ممر النقل الدولي “الشمال- الجنوب” التي وقعتها كل من روسيا والهند وايران عام 2000.
انعكاسات الممر على قناة السويس
يعد مشروع قناة ممر (الشمال-الجنوب) من أضخم مشروعات النقل الدولية في القرن الـ21، فهو يعد ممرًا مفصليًا بين آسيا الجنوبية وأوروبا، وتكمن خطورته في أن مسألة اختصار الوقت الذي تستغرقه نقل البضائع تقع على رأس أولويات المشروع الجديدة، الأمر الذي سيشكل عبئًا جديدًا على إيرادات قناة السويس، فبحسب تقديرات بعض الخبراء، فإن القناة الجديدة تشكل بديلًا واقعيًا عن طريق النقل البحري عبر قناة السويس، فطريق القناة الجديدة الذي يمر من المحيط الهندي ويمر عبر إيران وبحر قزوين وروسيا إلى بلدان شمال وشرق أوروبا، أقصر بكثير من طريق قناة السويس من ناحية الوقت.
في عام 2014، تم اختبار عملي لنقل البضائع من الهند إلى باكو الأذربيجانية وأستاراخان الروسية عبر ميناء بندر عباس جنوب إيران، حينها أشارت النتائج إلى أن تكاليف النقل تقلصت بمقدار 2500 دولار مقابل كل 15 طن، إضافة إلى أن عملية النقل استغرقت 14 يوماً، مقابل 40 يوماً إذا ما تم نقلها عبر قناة السويس، الأمر الذي يوفر بديلا فعالا من حيث التكلفة والوقت للطريق البحري عبر قناة السويس.
وعلى الرغم من أن مشروع القناة الجديد بممراته البحرية والبرية مازال قيد الدراسة، إلا أن وكالة “سبوتنيك” الروسية قالت إن حجم مرور البضائع في الممر المائي لوحده بلغ حوالي 7.3 مليون طن عام 2015، بزيادة 4.1% عن العام الأسبق، حيث يتكون مشروع ممر “الشمال-الجنوب” من خطوط بحرية وبرية وسكك حديد ويضمن نقل البضائع من روسيا عبر أوروبا إلى البحر الأبيض المتوسط ومنه عبر قناة السويس إلى الهند التي تعود لترتبط بروسيا عبر البر.
وفيما يخص الخط البري لهذا المشروع، فقد تم المضي قدمًا بإنشاء سكة حديد تمتد على مسافة 165 كم تربط بين إيران وأذربيجان ومن المتوقع أن تنتهي في وقت قريب، حيث يتضمن هذا المشروع بناء خط (رشت – استارا) للسكك الحديدية الذي سيربط خطوط السكك الحديدية بين روسيا وأذربيجان وإيران، وتطوير البنية التحتية الجديدة لتسهيل التبادل التجاري، ونقل البضائع بين دول أوروبا، وجنوب آسيا.
تغير التحالفات في المنطقة
في الوقت الراهن يبدو أن خارطة جديدة من التحالفات الدولية والإقليمية بدأت تتشكل على أساس المصالح السياسية والاقتصادية، فحتى فترة قريبة شكل تقارب الدول العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني الغاشم بالإضافة للأحداث السياسية الإقليمية الجارية محور ضم كلًا من (إسرائيل، تركيا، المملكة السعودية، مصر) وهذا المحور محسوب على الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، في المقابل تشكل محور آخر ضم (روسيا، إيران، أذربيجان)، اللافت في المحور الأخير هو انضمام تركيا إليه، فزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا بالأمس، فتحت صفحة جديدة بعد أن كانت قد أغلقت على خلفية إسقاط تركيا للقاذفة الروسية نوفمبر الماضي، وقبل زيارة أردوغان إلى موسكو بيوم اتفق الرئيس الإيراني مع بوتين في القمة الثلاثية الأخيرة في أذربيجان، على تقديم المساعدة لأردوغان وذلك بخلق ظروف جيدة، وحل المشاكل لكي يتمكن الرئيس التركي من اتخاذ القرار الصحيح، فيما يتعلق بالمسائل الإقليمية، حول العراق وسوريا، الأمر الذي يشير إلى أن تحالف جديدًا قد تنضم فيه تركيا إلى روسيا بدأ التحضير له بالفعل، ويبدو أن تركيا عازمة على المضي فيه وإلا لما اعتذر أردوغان لبوتين، بغض النظر لو باعد هذا التموضع التركي الجديد في الخندق الروسي مع حليفته السابقة السعودية، فموسكو والرياض لا يتوافقان على الملف السوري.
مصر والرهان الخاسر
عندما وجدت تركيا أن مصالحها ستتعرض للخطر في حال بقائها في الحلف السعودي، قررت ومن دون الرجوع للرياض، التقارب مع روسيا لتحقيق مصالحها، فتركيا تعلم أن التواجد الروسي في منطقة الشرق أفضل من الأمريكي، فروسيا جادة بمحاربة الإرهاب، كما أن بقاء النظام السوري لا يسمح بإقامة دولة كردية متاخمة لحدودها الجنوبية، كما أن مشروع قناة (الشمال-الجنوب) سيعود بالنفع على أنقرة وهي الحليف المعتمد لأذربيجان.
وهنا يجب النظر بعناية لموقف مصر التي مازالت تتموضع في المحور الإسرائيلي السعودي، وفي نفس الوقت تحاول أن تتقارب مع موسكو بين الفينة والأخرى، الأمر الذي لم يعد مقبولًا في ظل المعارك الاستراتيجية التي تجري في الشرق الأوسط والتي من شأنها رسم ملامح المنطقة، ما يصعب على مصر وغيرها تبني أنصاف الحلول على الأقل في الأيام المقبلة.
المحور السعودي الذي وجدت مصر نفسها فيه نتيجة لدعم الرياض المالي للقاهرة، جعلها من حيث لا تشعر في عداوة مع المحور الروسي، على الرغم من أن المحور الروسي يحارب نفس العدو المشترك لمصر، ألا وهو الجماعات الإرهابية المنتشرة في سوريا والعراق بالإضافة لسيناء.
ويرى مراقبون أن مصر لا تستطيع أن تبني حساباتها على المال السعودي فقط، خاصة في ظل القيادة السعودية الحالية، فبحسب اعترافات المخابرات الألمانية بأنها متهورة، الأمر الذي سيورط مصر في مشاكل هي في غنى عنها، فالسعودية وإسرائيل تدعمان وفقًا لتقارير أممية المجموعات الإرهابية في سوريا.
كما أن الدول التي تدعي بأنها حليفة لمصر لم تأخذ مصالح القاهرة بعين الاعتبار، فإسرائيل لديها النية لإنشاء “قناة البحرين” التي تشكل خطرًا على قناة السويس، كما أن السعودية تحالفت مع الإخوان المسلمين في اليمن وتركيا في الوقت الذي كانت تدعم فيه النظام السياسي في مصر الذي ليس على وفاق معهم، ناهيك عن التقارير الإعلامية والتي تفيد بدعم السعودية لمشروع سد النهضة في إثيوبيا، الذي يؤثر على حصة مصر في نهر النيل.