شن الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد مجددا هجوما حادا على إسرائيل وذلك عندما أدلى على هامش القمة الإسلامية الاستثنائية بتصريحات شكك خلالها فى وقوع المحرقة النازية ضد اليهود فى أوروبا وذلك بعد أن طالب فى تصريحات سابقة له بإزالة إسرائيل من الوجود، ما أثار انتقادات دولية ضد إيران.
الصحفيه : جهان مصطفى
10/12/2005
وكان الرئيس الإيراني قد وصف فى مقابلة مع قناة “العالم” الإيرانية الفضائية الناطقة بالعربية على هامش مشاركته في القمة الاسلامية الاستثنائية التى استضافتها السعودية يومى السابع والثامن من ديسمبر، إسرائيل بأنها “سرطان” وشكك فيما يتردد عن مقتل ملايين اليهود بأيدي النازيين، وذلك بعد تصريحات أدلى بها أمام مؤتمر بعنوان “العالم بلا صهيونية” عقد فى طهران فى السابع والعشرين من أكتوبر الماضى ودعا فيها إلى إزالة إسرائيل من الوجود ، وطالب الرئيس الإيرانى فى تصريحاته العنترية الجديدة بإقامة دولة إسرائيلية فى أوروبا بدلا من فلسطين وأوضح أن اليهود اضطهدوا لكنهم لم يتعرضوا لمحرقة خلال الحرب العالمية الثانية، قائلا :”لم يتوجب على الفلسطينيين أن يدفعوا الثمن؟، فلتعط ألمانيا والنمسا مقاطعتين أو ثلاث مقاطعات إلى الكيان الصهيوني، عندها ستحل المشكلة جذريا”.
وأضاف الرئيس الإيرانى في تصريحاته على هامش القمة الإسلامية الاستثنائية أن إسرائيل تمثل أكبر التحديات التي تواجه العالم الإسلامي والمنطقة، وانتقد الدول الأوروبية التي تدافع عن الاحتلال الإسرائيلي بدعوى تعرض اليهود للمحرقة المزعومة خلال الحرب العالمية الثانية ، مقترحا أن تقيم المانيا والنمسا دولة إسرائيلية على أراضيهما، إذا كانتا تشعران بالذنب تجاه اليهود, وأشار نجاد إلى أنه فى حال عدم قبول هذا الاقتراح فبالإمكان إجراء استفتاء في فلسطين المحتلة بمشاركة اليهود والفلسطينيين من السكان الأصليين لتقرير مصيرهم بأنفسهم.
وقوبلت تصريحات نجاد الجديدة ضد إسرائيل بعاصفة من الانتقادات، حيث أبدى مسئولون سعوديون سخطهم على تصريحات الرئيس الإيراني حول إسرائيل التى جاءت على هامش القمة الاستثنائية لدول منظمة المؤتمر الإسلامي، وقال مسئولون سعوديون إن ما قاله محمود أحمدي نجاد عن إسرائيل كان بمثابة إحراج للقمة التي اجتمعت لشجب ماأسموه “الإرهاب والتطرف الإسلامي ” بشكل عام.
وداخل إيران نفسها ، لم تحظ تصريحات أحمدى نجاد بالتأييد السياسي حتى داخل أوساط المحافظين الذين ينتمي إليهم، وقال حميد رضا طاراقي، وهو زعيم أحد الأحزاب المتشددة، إن على الرئيس نجاد أن يصوغ عباراته بلغة أفضل وبحرص وحذر, ومن جانبها ، أدانت الولايات المتحدة بشدة بتصريحات الرئيس الإيرانى ووصفها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية آدم إيرلي بأنها مروعة ومستهجنة. وأوضح إيرلي أن هذه المواقف لا تبعث بالتأكيد الأمل في المجتمع الدولي بشأن استعداد الحكومة الإيرانية للمشاركة كعضو مسئول في هذا المجتمع ، قائلا :” إنها نمط ثابت من التصريحات المعادية التي ليست لها صلة بالقيم التي يلتزم بها باقي المجتمع الدولي”, كما أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكى سكوت مكليلان أن تصريحات نجاد تعزز فقط بشكل أكبر المخاوف تجاه إمكانية امتلاك إيران القدرة على تطوير أسلحة نووية.
وسارعت إسرائيل أيضا إلى إدانة تصريحات نجاد ووصفتها بأنها شائنة وعنصرية ، ودعا وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم إلى نقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن في أسرع وقت ممكن ، كما أعرب المدير العام بالخارجية الإسرائيلية مارك ريغيف عن أمله فى أن تؤدى تصريحات نجاد إلى إيقاظ واستنفار من لايزالون لديهم أوهام عن طبيعة النظام فى إيران, وأدان الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني والأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان تصريحات الرئيس الإيراني ، وأعرب أنان عن صدمته من تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حول المحرقة ، وأشار إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت في شهر نوفمبر الماضى على قرار يحظر نفى حصول المحرقة وقررت إعلان 27 يناير من كل عام يوما خاصا لتكريم ذكرى ضحايا النازية, ودعا أنان جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التصدي لعمليات النفي تلك وإلى تثقيف شعوبها بالوقائع التاريخية الموثقة حول المحرقة التي أبيد خلالها ثلث الشعب اليهودي، إلى جانب أعداد لا تحصى من الأقليات الأخرى” ، مشيرا إلي أنه أكد لدى إدلاء الرئيس الايراني بتصريحات دعا فيها إلى محو إسرائيل من الوجود، أن إسرائيل عضو منذ فترة طويلة في الأمم المتحدة تتمتع بحقوق وعليها واجبات على غرار جميع الأعضاء الآخرين، على قدم المساواة.
ومن جانبها ، وصفت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التى اقترح فيها أن تستضيف ألمانيا والنمسا على أراضيهما دولة إسرائيل بأنها مقبولة بتاتا ، وقالت :” بصفتي مستشارة لألمانيا التي لديها مسئولية أمام التاريخ بهذا الخصوص، أدين هذه المواقف بأشد العبارات” ، وأضافت تقول :”نحن عازمون على بذل كل ما هو ضروري حتى لا يحصل أي تهديد لحق إسرائيل بالوجود”.
ويقفز تساؤل جوهرى هنا :” ما هى تداعيات تصريحات نجاد المتخبطة ؟”.
يري مراقبون أن تصريحات نجاد تأتى في إطار رد الفعل الغاضب على سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل المعادية للعالم الإسلامي كما أنها تهدف إلي وضع إسرائيل في وضع الدفاع عن النفس بعد أن ذاق العرب والمسلمون مرارة هذه السياسة التي فرضتها عليهم إسرائيل وأمريكا لعقود من الزمن ، بينما يرى مراقبون آخرون أن اللهجة المتشددة للرئيس الإيرانى المحافظ محمود أحمدى نجاد منذ توليه مقاليد السلطة تهدد المصلحة الوطنية الإيرانية لأنها تدعم وجهة نظر واشنطن وإسرائيل بشأن تهديد إيران لأمن الشرق الاوسط بدعمها لما تسمياه بالإرهاب، وبالتالى الحصول على تأييد بقية دول العالم لإحالة قضية برنامج إيران النووى إلى مجلس الأمن الدولى، خاصة بعد قرار مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى سبتمبر الماضى الذى يوصى بإحالة ملف طهران النووى لمجلس الأمن ، كما أن تصريحان نجاد تلك تهدد بعزل إيران بشكل أكبر، موضحين أن رفض إيران الاعتراف بإسرائيل يشكل عائقا أساسيا أمام تحسين العلاقات بين طهران والغرب ويزيد من مخاوف إسرائيل من عزم إيران على إنتاج قنبلة نووية.
ورغم أن تصريحات نجاد من شأنها أن تشجع إسرائيل على تنفيذ تهديداتها السابقة بضرب المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن المراقبين يستبعدون تحركا عسكريا إسرائيليا أحاديا ضد إيران وبرروا ذلك بالقول إن فرص نجاح هذا التحرك ليست كبيرة مثلما حدث في عام 1981 عندما دمرت إسرائيل المفاعل النووى العراقى وذلك لأن المسافات الجوية بين طهران وتل أبيب أطول بكثير كما أن إيران وزعت برنامجها النووى على عدة منشآت ولم تحصره في مكان محدد ، ومع ذلك فإن هذا لاينفى احتمال قيام إسرائيل بالتنسيق مع الولايات المتحدة بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية خاصة فى ظل تواجد قوات الاحتلال الأمريكى فى العراق.
وأخيرا يمكن القول ، إن إسرائيل تستغل جيدا تصريحات نجاد ضدها لتحقيق مكاسب إضافية على حساب العرب والمسلمين .
نجاد .. سيرة ذاتية
ولد أحمدى نجاد في مدينة جارمسار بالقرب من طهران عام 1956 وكان والده يعمل حدادا. وحصل على شهادة الدكتوراه فى النقل والمواصلات من جامعة طهران للعلوم والتكنولوجيا في بداية الثمانينات بعد أن انضم إلى الحرس الثورى الإيرانى طوعا عام 1979.
وكان محمود أحمدى نجاد شخصية غير معروفة عندما تم تعيينه عمدة لطهران في ربيع عام 2003 ، كما أنه لم يكن أكثر شهرة عندما خاض سباق انتخابات الرئاسة الإيرانية الاخيرة ، لكنه في نتيجة أصابت المراقبين بالصدمة، جاء في المركز الثاني بين سبعة من المرشحين في الجولة الاولي لانتخابات الرئاسة الإيرانية، ليخوض جولة ثانية أجريت في الرابع والعشرين من يونيو ويحقق الفوز بأغلبية 61.8 بالمائة من الأصوات، مقابل 35.7 بالمائة من الأصوات حصل عليها منافسه الرئيس الأسبق هاشمى رافسنجانى ، ما اعتبره المراقبون عودة إلى التشدد فى إيران بعد فترة من الاعتدال فى عهد الرئيس الاصلاحى المنتهية ولايته محمد خاتمى.
وكان أحمدى نجاد عندما كان عمدة لطهران، قد وضع الكثير من القيود على الإصلاحات التى بدأها المعتدلون الذين كانوا يتولون إدارة شئون المدينة قبله، وأغلق الكثير من مطاعم الوجبات السريعة وطالب الموظفين من الرجال بإطلاق لحاهم وارتداء أكمام طويلة ، ما دفع الرئيس الإصلاحي المنتهية ولايته محمد خاتمي ، إلي منعه من حضور اجتماعات الحكومة،وهو امتياز عادة ما يحصل عليه من يشغلون منصب عمدة طهران, ورغم أن أحمدى نجاد عرف عنه التشدد ، إلا أنه عرف عنه أيضا حياته البسيطة واحساسه بمعاناة الفقراء، ولذلك أطلق على نفسه لقب “ماردوميار” أو صديق الشعب.
وعزا المراقبون فوزه الساحق فى انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة إلى تعهده بمحاربة الفساد ونجاحه فى استقطاب الطبقات المحرومة والمهمشة اقتصاديا، وإعلانه أن عائدات النفط لن تنحصر بأيدي بعض العوائل بل أن المواطن الإيراني العادى سوف يلحظها على مائدته إذا انتخبه, وفى أول تصريح علنى لنجاد بعد فوزه فى انتخابات الرئاسة الإيرانية ، تعهد أحمدى نجاد – وهو ضابط سابق في الجيش الايراني- بتحسين الاحوال المعيشية لملايين الايرانيين، وشدد على ضرورة الحفاظ على القيم الإسلامية للجمهورية الإسلامية، داعيا الإيرانيين إلى نبذ خلافاتهم، والتمسك بالوحدة “كأسرة واحدة”, وأكد أنه يرغب فى جعل إيران دولة حديثة متقدمة وإسلامية تكون نموذجا لدول العالم ورفض بشدة تخلى إيران عن برنامجها النووى ، ما أثار استياء الغرب .